No Script

حروف نيرة

مجلس مع القرآن

تصغير
تكبير

كان الأصمعيُّ سيد علماء اللغة، وكان يجلس في مجلس هارون الرشيد مع بقية العلماء، فإذا اختلف العلماء، التفت إليه هارون أمير المؤمنين قائلاً: قل يا أصمعي، حتى يفصل بينهم، وقد وصل الأصمعي من مرتبة اللغة الشيء العظيم؛ فكان يُدرّس الناس لغة العرب، وفي يوم بينما هو يدرّسهم استشهد بالأشعار والأحاديث الشريفة والآيات القرآنية ومن ضمن استشهاداته قال: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ غفور رحيم»، فقال أحد الجلوس - وكان أعرابياً-: يا أصمعي كلام مَن هذا؟ فقال: كلام الله! قال الأعرابي: حاشا لله أن يقول هـذا الكلام! تعجّب الأصمعي وتعجّب الناس، قال: يا رجل انظر ما تقول، هذا كلام الله! قال الأعرابي: حاشا لله أن يقول هذا الكلام، لا يمكن أن يقول الله هذا الكلام! قال له: يا رجل تحفظ القرآن؟ قال: لا، قال: أقول لك هذه آية في سورة المائدة! قال: يستحيل، لا يمكن أن يكون هذا كلام الله! كاد الناس أن يضربوه، قال الأصمعي: اصبروا، هاتوا بالمصحف وأقيموا عليه الحجة، فجاؤوا بالمصحف، ففتحوا وقال اقرؤوا، فقرؤوها: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، إذا بالأصمعي فعلاً قد أخطأ في نهاية الآية، فآخرها: «عزيز حكيم» ولم يكن آخرها: «غفور رحيم»، فتعجّب الأصمعي وتعجّب الناس، قالوا يا رجل كيف عرفت وأنت لا تحفظ الآية؟ فقال للأصمعي تقول: اقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً، هذا موقف عزة وحكمة، وليس بموقف مغفرة ورحمة، فكيف تقول غفور رحيم! قال الأصمعي: والله إنا لا نعرف لغة العرب! ما أروع موقف الأعرابي الذي سمع كلام الله بقلبه وتفكّر فيه فلم يجد تناسباً بين الكلام لدخول لفظ ليس من قول الله تعالى، فقال حاشـا لله أن يقول هذا الكلام! فهل نتأمل ألفاظ القرآن كما تأمّلها الأعرابي، وهل نقرأ كلام الله بحضور القلوب والعقول، أم هو مجرد تلفّظ من دون وقفات مع ما حوته الآيات من إعجاز وأحكام، فكتاب الله تعالى الذي هو منهج حياتنا أصبح اليوم كتاباً مهجوراً لا يُقرأ إلا في أيام وإن كان المسلم يقرأه فإنه لا يقرأه إلا بلسانه، ذلك الكتاب الذي يجب أن نعيش مع ألفاظه ونتدبر كلماته ونتفكر في تناسق آياته، وكما قال تعالى: «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً»، فقراءة الكتاب العظيم لا تكون بكثرة الختمات، والمنافسة على سرعة أدائها كواجبات، فمن يقرأ من القرآن الكريم صفحات بتأمل ينال نعمة كبيرة لم ينلها من ختمه ختمات عديدة بقلب متعلق بمشاغل الدنيا... فالقارئ يخصّص وقتاً يتناسب مع عظمة آيات القرآن وكلماته، مع السكون والصفاء الذهني، فلا يقرأ في حال الانشغال الذهني، أو في مكان تكثُر فيه الحركات والتجمعات، وإنّما في وقت يخصّه وحده لعظمته، للتركيز على المعاني وما يحمله من توجيهات وأحكام.

@aaalsenan aalsenan@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي