No Script

جودة الحياة

العِبرة سبيل النجاة

تصغير
تكبير

التوظيف الجيّد للتجارب الحياتية التي لابد أن تنطوي على قدر لا يستهان به من الأخطاء، عمل يجيده الأذكياء المبدعون والمؤمنون بقدارتهم وأنفسهم فهم لا يكرّرون أخطاءهم أبداً، ولابد من القول أيضاً إن هؤلاء ينطبق عليهم قول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -:

(لا يُلدغُ المؤمنُ من جُحرٍ مرتين)، فطبيعة الحياة التي نعيشها بتفاصيلها المتداخلة والمعقدة تفرض علينا سيلاً لا ينتهي من التجارب الحياتية التي تتراكم مع الوقت.

ومن الناس من تمرّ التجارب فوق رؤوسهم كمر السحاب، فلا يتعظون بما حاق بهم من خسارات لسوء تقدير الواقع ومعطياته، ومنهم لا يهتمّ أصلاً بأي تجربة، وهؤلاء يمتلكون ذاكرة سمكة تعود في كل مرة لترمي بنفسها في شباك الصياد، ولكن ثمة من يعتبر ويحتمي بتجاربه لتعينه على مواصلة رحلة الحياة بنجاح، والعِبرة سبيل النجاة كما يقول أهل الحِكمة. والذي يرى في تجاربه الذاتية مرآة تعرض له زلاته وعثراته فإنه يمتلك أدوات التصحيح الفعّالة لمواقفه وأفكاره وسلوكياته، وبالنتيجة الآليات التي تمكّنه من طريق النجاح الذي يسعى إليه الجميع، ولكن على مستويات متفاوتة من الاستعداد والقابلية.

يتميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات بميزة العقل والذاكرة، التي تخزّن كل ما يمرّ به من تجارب منذ اللحظات الأولى للوعي صعوداً إلى المراحل العمرية المتأخرة، وكلّ منا يتعرّض في مسار حياته إلى تجارب متعددة، ولكل مرحلة عمرية تجارب وخبرات مختلفة، بعضها عادي وبسيط والآخر عميق، وثمة تجارب معقّدة تحمل قدراً من الخطورة وفي كل الأحوال فإن العبرة والمفاضلة بين الناس تقوم على أساس من يحفظ تجاربه ويستثمرها لصالحه، ومن يتركها تذهب أدراج الرياح كأن لم تمرّ به يوماً، وهذا الأخير لن يتقدّم خطوة في حياته، ليس بسبب أنه ببساطة ضحية وكبش فداء يدفع ثمن أخطاء الآخرين، وإنّما بسبب كونه عاجزاً عن استثمار تجاربه لخلل في شخصيته أو بيئته. إن العلاقات الاجتماعية في محيط السكن، العمل أو حتى الدراسة من التجارب الحياتية الأكثر تكراراً في حياة الأفراد، فالإنسان كائن اجتماعي بالدرجة الأولى ويعيش في مجتمع متعدد الأمزجة والخيارات والاتجاهات، ولكن فقط من يمتلك المقدرة على الاستفادة من التجارب السابقة هو الأكثر جدارة واستحقاقاً للنجاح في الحياة وفي العلاقات الاجتماعية.

إن الانفتاح والقدرة على التنبؤ والاستنتاج مع الاستعداد والمرونة لهضم النتائج من أي تجربة سابقة، يشكّل سياجاً وحماية من الوقوع في الزلل، فالتجارب الذاتية بالتأكيد لها أثر فعال في تصحيح الأفكار والسلوك، والتزامنا بالعمل على بناء أنفسنا ومجتمعاتنا يدعونا دوماً إلى حفظ تجاربنا الذاتية وجعلها بوصلة لتصحيح مساراتنا نحو الأهداف الحقيقية، وينبغي على الإنسان العاقل، الفاعل ألّا يكفّ أبداً عن المحاولة لاجتياز كل عقبة تحول دون تحقيق تطلعاته في الحياة.

Twitter : t_almutairi

Instagram: t_almutairii

talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي