No Script

حروف نيرة

جولة في قصر حكيم!

تصغير
تكبير

من عاش حياة بسيطة، وحافظ على ما يملك واستمتع به، وإن كان قليلاً شعر بالرضا والراحة؛ فالسعادة لا تأتي بما تملك فقط، بل سر السعادة في الموازنة بين الأشياء، كما في قصة التاجر الذي أرسل ابنه إلى أحكم رجل في العالم حتى يتعرّف على سر السعادة، حيث سار الفتى أربعين يوماً حتى وصل إلى قصر الحكيم، فأخبره أن الوقت لا يتّسع الآن للتحدث معه، وعليه أن يقوم بجولة في القصر ويعود لمقابلته بعد ساعتين، وأعطاه ملعقة زيت صغيرة يسير بها طوال جولته وحذّره أن ينسكب منها الزيت! تعجّب الفتى من طلبه! ولكنه بدأ جولته في القصر وعينه مثبتة على الملعقة حتى لا ينسكب الزيت، وعندما رجع الفتى بعد ساعتين سأله الحكيم: هل رأيت السجاد الفارسي العتيق في غرفة الطعام؟ هل رأيت الحديقة الجميلة؟ أجاب الفتى في ارتباك: لا لم أر شيئاً؛ فقد كانت عيني على الزيت خوفاً أن ينسكب من الملعقة، قال الحكيم: ارجع وتعرّف على جميع معالم القصر وفي يديك الملعقة.

عاد الفتى يتجوّل في القصر وينظر لمعالمه الرائعة واللوحات الفنية على الجدران والحديقة والزهور الجميلة، وعندما رجع إلى الحكيم قصّ عليه بالتفصيل كل ما رأى داخل القصر، ولكن عندما سأله الحكيم عن الملعقة نظر الفتى إليها فوجد أن قطرة الزيت قد انسكبت؛ فقال له الحكيم: تلك هي النصيحة التي أستطيع أن أسديها لك... وكأنه يقصد بذلك أن تحافظ على ما تملك وتستمتع بما حولك؛ فالإنسان يستمتع بما لديه ولا يحرم نفسه من الانبساط وإدخال السرور على النفس، مع الشعور بالمسؤولية والقيام بها وأدائها على أكمل وجه، سواء أكانت المسؤولية شخصية فردية أم مسؤولية متعددة جماعية، والإنسان يضبط أموره ويعمل بلا إفراط ولا تفريط، كالإفراط الشديد في العمل والإرهاق الذي يؤدي إلى التقصير في حقوق الزوجة والأولاد، أو الإفراط في طلب الدنيا الذي يؤدي إلى التفريط في عمل الآخرة، أو العكس وهو الإقبال على الآخرة بصورة تنسيه الدنيا وتمنعه عن العمل وطلب الرزق؛ فخير الأمور أوسطها، وأسعد الناس من وازن بين أموره.

وقد يقع الشخص في ظروف تؤثر على مساره وتشعره بالقلق أو التعب، ولكنها لا تصل إلى الإحباط والتعاسة، بل يحاول التأقلم مع الظروف وحل مشاكله، وينظر إلى ما يملك من جوانب جميلة في حياته، وللتخفيف مما يعانيه عليه الاقتناع أنها مشاكل موقتة، وسرعان ما تنتهي، ولا يعني أبداً تجاهلها، بل محاولة التغلب عليها بطريقة إيجابية وتجنب الأفكار السلبية التي تعقد المشكلة، وأن يعطيها حجمها الحقيقي، مع الابتعاد عن الأفراد السلبيين الذين يزيدون همّه، وملازمة الصاحب الحقيقي الذي يقف معك في حل مشاكله، ويساعدك في اتخاذ القرارات السليمة، حتى يعود إلى الموازنة، والنظرة إلى ما في الدنيا من فضائل.

aalsenan@hotmail.com aaalsenan @

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي