No Script

اتجاهات

مستقبل الحرب التجارية بين أميركا والصين

تصغير
تكبير

مثّلت الحرب التجارية أبرز ملامح نهج ترامب على الإطلاق في مناكفة الصين. حينما ارتأى وإدارته أن أفضل السبل للتضييق على الصين سيكون عبر هذا السلاح، فقوتها بل صعودها القوي في النظام الدولي في حد ذاته يرتكز - في المقام الأول - على قوتها الاقتصادية التي مكّنتها من توسيع دوائر نفوذها الدولي، وتقوية جيشها وتطويره على أعلى مستوى، والمبادرة بتأسيس كيانات وتنظيمات كبرى، كمبادرة طريق الحرير الجديد التي تمدد من خلالها مساحة نفوذها الجيوسياسي عبر أدواتها ونفوذها الاقتصادي.

ورغم ما تسبّبت فيه الحرب التجارية من أضرار على الاقتصاد الأميركي وبعض الدول الحليفة لواشنطن - على وجه التحديد - فقد تضرّر بعض القطاعات الذي يستفيد من واردات المنتجات الصينية الرخيصة.

إلا أنّ ذلك بالفعل أجبرت الصين على إبرام صفقة مع ترامب، يتم بمقتضاها شراء الصين منتجات أميركية بقيمة 200 مليار دولار، مقابل تخفيض التعريفات الجمركية على بعض الواردات الصينية.

كما أوضح بايدن ملامح نهجه الذي سيتبعه تجاه الصين، والمتضمن إعادة تقوية التحالفات لتقليص مساحات نفوذ الصين في النظام الدولي. وبذلك نقض تماماً نهج ترامب الانفرادي، الذي تبعه في مواجهة الصين والذي تضمّن الحرب التجارية.

ومع ذلك، رغم مرور أكثر من شهر على رئاسته، لم تتبيّن أي ملامح لهذا النهج، سوى الانتقادات العنيفة للصين، على خلفية ملف حقوق الإنسان، والإشارة إلى إعادة تقوية الشراكة الأمنية مع ثلاثي محور الباسيفيك: أستراليا، اليابان والهند، لمواجهة نفوذ الصين المتعاظم هناك.

علاوة على ذلك، أصدر بايدن أكثر من 40 أمراً تنفيذياً نقض بهم تماماً ميراث عهد ترامب.

ومع ذلك، لم يتضمن أي منها العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الصين.

وبالتالي يبدو أن إدارة بايدن في خضم مراجعة شاملة قد تستغرق شهوراً للحرب التجارية مع الصين.

ومن ثم علينا أن نتذكر أن البرنامج الانتخابي لبايدن قد ركّز على ضرورة الاهتمام بالإنتاج والتصنيع المحلي وعودة الشركات الأميركية إلى الوطن، فبايدن ذاته من أكبر المنتقدين لنمط إدارة الصين الاقتصادي، وممارستها غير النزيهة حسب قوله.

يذكر أيضاً أن واحداً من أعضاء إدارة بايدن، المعروفين بالصقور المعادية للصين قال صراحة إن ترامب كان محقاً في حربه التجارية مع الصين، مشدّداً على ضرورة تقليص عجز الميزان التجاري معها كخطر داهم على مستقبل أميركا.

على خلفية ذلك، يبدو أن إدارة بايدن قد تستمر في حربها التجارية مع الصين، بل قد تذهب أبعد من ذلك بتشجيع حلفائها على اتخاذ خطوات مماثلة، لإضعاف قوتها الاقتصادية إلى أقصى مدى.

من المرجح أيضاً أن يكون سلاح الحرب التجارية أهم أدوات بايدن للضغط على الصين في ملفات أخرى أكثر أهمية، كملف بحر الصين الجنوبي أو قضية تايوان.

إن خبرة إدارة ترامب في الحرب التجارية مع الصين، أثبتت نجاحها في إجبار الصين على تقديم تنازلات، وهذا ما يرجّح على نحو كبير أسباب تباطؤ إدارة بايدن في حسم الحرب التجارية معها، إذ يبدو أنها بصدد تقييم المزايا التي تنطوي عليها هذه الحرب، واستغلالها أفضل استغلال جنباً إلى جنب مع أولوية إعادة أميركا مرة أخرى إلى عهدها التصنيعي، الأمر الذي يتطلّب إضعاف قوة الصين بشكل أساسي.

فإن اختلفت أدوات ومناهج الإدارات الأميركية في مقاومة الصين، يبقى الهدف واحداً وهو تقويض الصعود الصيني.

وبالتالي ليس من المستغرب على الإطلاق أن يتضمن نهج بايدن تجاه الصين استمراراً لبعض جوانب نهج ترامب، كالحرب التجارية طالما تحقّق الهدف المرجو.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي