No Script

بوح صريح

دولة نفسك

تصغير
تكبير

تخيّل أنّك في دولة من صنعك، أنت رئيسها وكل حكومتها، أنت من يضع الدستور ونصوص القوانين، ومن يطبقها.

كلّ قول وسلوك هو من تصميم عقلك ونتاج فكرك ومنطقك الخاص، وتقديرك وحكمك الذاتي.

فالجسد هو الغلاف الخارجي للشخصية؛ ما هو مرئي للآخر.

لكن الفكر هو الجوهر، المحرك الذي يشغّل كل أجزاء الشخصية.

ترى كيف ستكون تلك الدولة.

‏كونك تشترك مع عائلتك في الحمض النووي، لا يعني أن عليك العيش وفق قواعدهم وأفكارهم ونمط حياتهم... للأبد.

أنت رئيس نفسك ومن يحدّد كيف يعيش ووفق أي نظام فكري واجتماعي وإنساني وأخلاقي؛ أنت من يحدّد الصواب من الخطأ بناء على مبادئك وقناعاتك، وكل الجراح والخيبات والآلام والدروس التي اخترتها.

ينشأ الطفل على فكرة أن أجداده كانوا عظماء وأفضل منه بكثير. ومهما فعل لن يصل إلى درجة إنجازانهم وفتوحاتهم الكبيرة، التي شكّلت التاريخ ورسمت خارطة العالم.

يكبر هذا الطفل وهو يتغنّى بصور وطيوف الزمن الجميل، بينما يشعر دوماً بالخزي والعار من نفسه وواقعه.

ناظراً إلى الخيبات والخسائر والنواقص فقط. متجاهلاً الإنجازات.

كما أن مناهج التربية لا تعلّمه تنمية الذات واكتشاف المواهب والقدرات والتخطيط للغد.

بل تزيد من تركيزه على البطولات السابقة لأجداده.

في مقابل صغر نفسه وتقزيمها باستمرار أمام ذلك التاريخ العظيم.

ينقسم وعي هذا الطفل لاحتمالين:

1 - أن ينضج ويعلم أن الغزوات ليست إلا احتلالاً ظرفياً.

رافقها بعض القتل والسبي والحرق والتدمير والغنائم في زمن سيادة القوي.

2 - أو يورّث أطفاله الاعتقاد نفسه فيكبرون وهم نسخة منه، يحلمون ببطولات أجدادهم.

بينما يجلدون ذاتهم بالندم والخزي متجمدين مكانهم بلا إنجاز أو إبداع.

لذا الشعوب العربية أسيرة بمعايشة أوهام الزمن الجميل، حتى لو كان ملطخاً بالدم أو مليئاً بثغرات الكذب والتزوير.

أما لو تمرد هذا الطفل وحاول شق طريق طموح مختلف تنويرياً فسيواجه النبذ والعزل والمنع و ربما الطرد أو السجن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي