No Script

الزاوية الخضراء

ازرعوا النخل واحصدوا الأمن الغذائي

تصغير
تكبير

إن للنخلة الخضراء قصصاً كثيرة ومثيرة سواء في الزمن القديم أو في الزمن القريب، وإذا كانت الفتوحات الإسلامية قد انطلقت كأشعة الشمس من قلب الجزيرة العربية من دار الهجرة النبوية إلى جميع الاتجاهات، فإن أروع الحملات التي قام بها العرب هي «فتح الأندلس» - شبه جزيرة أيبيريا - مدخل أوروبا الجنوبي.

وقصة نجاة «صقر قريش» عبدالرحمن بن معاوية - حفيد عاشر خليفة أموي في دمشق هشام بن عبدالملك - بلغت من الروعة والدهشة حداً لا يجاريها فيه أروع الحوادث الروائية في تاريخ الشرق والغرب.

اختفى عبدالرحمن في مضرب من خيام البدو على ضفة من ضفاف الفرات، وفجأة حين بدت له الرايات السود للعساكر العباسيين رمى بنفسه إلى الفرات ومعه أخوه الأصغر الوليد، الذي عجز عن مواصلة السباحة فقفل راجعاً، مصدقاً الأمان فقتله مطاردوه وعبدالرحمن ينظر ويحترق حرقة لم تبردها مياه الفرات المغموس فيها.

اختفى خفية، ثم سار متخفياً إلى أن بلغ فلسطين، حيث لحق به مولاه «بدر» ثم قصد شمال أفريقيا هارباً طريداً شريداً معدماً، يتنقل من بلدة إلى آخرى، حتى استقبله أخواله البربر في «سبتة» بعد خمس سنين من المذبحة، التي حصدت ثمانين رأساً من الأمويين، ممَنْ حضر مأدبة الموت على يد أزلام الدولة الجديدة خوفاً من عودة الدولة الآفلة.

أعد العدة، وانطلق إلى العدوة القصوى فأجابه من الدمشقيين القاطنين في «ألبيرا» و«جيان»، وأهل الأردن القاطنين في «أرخدونه»، وأهل فلسطين ساكني «شذونه»، حتى بلغ أشبيلية وفيها عرب حمص، كما أجابه اليمانيون بغضاً في «المضري» يوسف الفهري خامس حاكم للأندلس وأول مَنْ ناب عن المضرية، نفاذاً للاتفاق الذي تم بين اليمانية والمضرية، بعد قتال وطول نزاع على أن تكون الإمارة مناوبة بينهما كل سنة، إلّا أن المضري الفهري تمنع حين بلغها.

كان عبدالرحمن رحمه الله طويل القامة، سريع النهضة حازماً يتصف بأحسن ما يتصف به البيت الأموي القرشي. فتح أمصار الأندلس بلداً بلداً، فنازعه المضريون، ثم كان اللقاء بين الفريقين فكان له فتح قرطبة تحت راية خضراء، فكانت أول راية للأمويين في الأندلس.

وكان أول أمر أصدره القائد الظافر المنتصر أن حال دون نهب العاصمة، وأعلن أماناً عاماً للناس، وأماناً خاصاً وضع فيه أهل يوسف المهزوم الفهري الهالك وماله تحت رعايته وأمانه.

ولما توحّدت المملكة بعد حين من الدهر، واستتب فيها الأمن، برع عبدالرحمن في النماء والفنون براعته في القتال ودك الحصون وشيّد الروائع و القصور، والقناطر والجسور، وأسّس جامع قرطبة، مضارعاً به أبنية حرمي الإسلام وأكناف بيت المقدس.

وحين ابتنى حديقة الرصافة حوّل قرطبة على غرار قصر الرصافة، الذي بناه جده الخليفة هشام بن عبدالملك في الشام واستجلب أول نخلة من هناك فغرسها وأنشد يقول: تبدّت لنا وسط الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل فقلت شبيهي في التغرب والنوى وطول التنائي عن بني وعن أهلي فازرعوا النخل، واحصدوا الأمن الغذائي.

Twitter: @HamadBouresly

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي