No Script

جودة الحياة

لن نتبادل الورد ولكن ليبقى الود

تصغير
تكبير

توفر العلاقات الاجتماعية الناجحة الشعور بالسعادة والاطمئنان والراحة النفسية للفرد، ضمن البيئة الاجتماعية أو المجتمع الذي يعيش فيه، فمن أبجديات علم الاجتماع أن الإنسان كائن اجتماعي لا يعيش بمعزل عن محيطه، ولا يستطيع أحد العيش بمنأى عن الآخرين. وكما ندّخر أموالنا في حسابات مصرفية كودائع ثمينة لها حاضر ومستقبل، أو نستثمرها في مشاريع ربحية ضمن ثقافة السوق الرأسمالية الأكثر رواجاً في عصرنا الراهن لنحمي أنفسنا من تقلبات الحياة، يتعيّن علينا أيضاً أن ننسج شبكة من العلاقات الاجتماعية لنحمي أنفسنا من الشعور بالوحدة والانعزال، ولكن ينبغي أن نتمتّع بالوعي والحذر واتساع الأفق لنقيم علاقات ناجحة، تعزز نزعتنا الفطرية بالعيش في جماعة مع الرغبة في الاستقلال والشعور بالحرية.

لطالما آمنت دوماً أن الحياة نعمة عظيمة من الله تستحق أن نعيشها بكل لحظاتها الهانئة السعيدة، وبحلوها ومرها، بأفراحها وأشجانها، ويقيني أن العلاقات الإنسانية أهم عوامل النجاح في الحياة لما يكتنفها من مشاعر الألفة والحب والصداقة، فهي تمكّن الإنسان الفاعل من اكتشاف جوانب عديدة من ذاته وشخصيته عبر التعامل مع الأصدقاء، وبالتالي تمكّننا من اختبار وعيش أعلى درجات الوعي والاتزان نفسياً، ولكن ثمة جانب آخر للعلاقات الإنسانية من صداقة إلى اخوة أو علاقات التعاقد كالزواج، ففي غمار تعايشنا مع الواقع وضروراته تتحول هذه العلاقات أحياناً إلى حالة نقيض الصفو والمودة وتصبح أقرب للخصومة والتنازع، ويصعب الاحتفاظ بمشاعر الود والاحترام والنبل عند وقوع الخلافات ثم الافتراق، فالناس في سياق حياتهم اليومية عُرضة لاختلاف الأراء والخصومات الشخصية وأحياناً القطيعة بل والفجور في الخصومة.

على سبيل المثال علاقة الزواج، فعند نهاية العلاقة لاستحالة التعايش بين طرفيها لأي سبب، فأننا نشهد في أغلب الحالات أسوأ أنواع العداوات بين من كانوا أقرب الأقربين، اذ يصل الكيد والتنافر بين الطرفين لدرجة من السوء وربما وصل لساحات القضاء للفصل في دعاوى الخلاف وحيثياته، وتتحول لحظات المودة والحب التي عرفها الكيان الأسري إلى مشاكسة وكراهية كأن لم يكونا قد عاشا حيناً من الدهر أحلى أيام العمر.

ليس بمقدوري بالطبع الجزم بمدى الأضرار النفسية والاجتماعية، التي تلحق عادة بأطراف أي علاقة إنسانية لدى انتهائها بأي سبب، فالضرر النفسي أو المعنوي لا يمكن قياسه أو حسابه كمعادلة رياضية، وإذ كنت أخذت علاقة الزواج كمثال على العلاقات التي تنمو وتنحسر لتصبح محض ذكريات يجترها البعض بحسرة،وذلك لأنها أكثر الروابط وثوقاً وبالنتيجة فإن أضرار الخصومة أشد وقعاً على النفس، وبالمقابل هي الأجدر أيضاً بالمحافظة على الصلات الطيبة عند وقوع الانفصال.

بالطبع لن يتبادل الناس باقات الورد عند الفراق، بل ربما يدير البعض ظهره لكل شيء، ويسعى لتشويه صورة الآخر بالحق والباطل، ولكن دوماً ثمة أفق جديد وفرص جديدة لازدهار العلاقات الإنسانية ضمن شروط وبيئة مختلفة وأناس آخرين، فنهاية أي علاقة لا تعني نهاية العالم، فلماذا لا نحافظ على الود والاحترام عند انتهاء العلاقات، سواء كانت رباطا شرعيا أو علاقات صداقة أو اخوة، أو حتى زمالة عمل، لماذا لا نبادر إلى السلوك النبيل بالتسامح والغفران، الذي يُمد النفس بمشاعر العزة والتسامي عن شح الأنفس الأمارة بالسوء، فيبقينا ضمن المجتمع الإنساني الذي يحب الخير.

وختاماً، بالتأكيد لن نتبادل الورد عند الفراق وانتهاء العلاقة أي كان نوعها كما أسلفت، ولكن أقلها ليبقى الود بيننا قائماً.

talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي