No Script

خواطر صعلوك

هل نحتاج إلى دستور تفاعلي؟

تصغير
تكبير

التفاعل والتواصل... مدخل إلى ديالكتيك «الجدلية في الفلسفة الكلاسيكية»، ومؤسسة الحركة، وإيقاع المتحرك.

فالتاء في اللغة هي تاء الجهد والاستطاعة، والفاء هي ما في النفس، وهو وما يخرج من الداخل إلى الخارج، والألف هي مد الطلب والنداء والتواصل، والعين في اللغة هي ما عيّن العقل والعلم، وما صدر من الداخل من أجل التعميم والعام وجعله إيقاعاً ومشاعاً، واللام هي لام الاحتواء والامتلاء وما ارتفع بنفسه عن الأرض.

هكذا تنظر اللغة إلى كلمة تفاعل. والتي تصدر فيها أفعال البشر كاستجابة لرغباتهم الداخلية أو لأفعال الآخرين، كما تصدر تحسّباً لهذه الأفعال أو توقّعاً لها.

والتفاعل هو ما يعطي للمعنى قيمته وللهوية الفردية والجماعية قوتها.

يبدأ التفاعل من «الميكرو» وليس من «الماكرو» وهذا يعني أننا أمام وحدات صغرى وليس كبرى، أي أشخاص معينين قادرين على تشكيل عالمهم الاجتماعي، الذي يعيشون فيه وفهم حقيقته.

هذا يعني أن إيقاع المتحرك «الميكرو»، هو من يخلق الحركة «الماكرو» لأن التفاعل قائم على الأنا والذات والهوية الشخصية والوعي بها وبقدراتها، والتي لا تصبح لها الوجود المستقلّ، بعيداً عن العلاقة والتفاعل مع الآخرين، فالتفاعل هو إيقاع المتحرك الذي يتغيّر باستمرار، نتيجة أفعاله تجاه الآخرين، واستجابتهم لأفعاله وتوقعاته لتلك الأفعال.

ولكن - من جهة أخرى - فإن النفس البشرية تتشكّل ويعاد تشكيلها بصورة مستمرة، عن تشرّب «الآخر العام» أي عن طريق تشرّب الميول والرؤى التي تتميز بها الجماعة «الحركة»، الآخر العام / الجماعة/ الحركة هي مجموعة الاتجاهات المنظمة والخاصة بالحركة ككل ـ وليست فرداً بعينه ـ والتي تمكّن الناس من تشرّب أو استدماج الإحساس بقيم الحركة في تصوّرها أو مفهومها عن الذات «المتحرك».

إن الحركة الوظيفية أو البنائية تسلّم بأن أدوار ومعايير المتحرك لها وجود سابق على وجوده الشخصي، ولذلك فإن كل ما يحدث هو إعادة إنتاج الحركة وللحركة، من دون تقدم في شكلها أو وجودها، أو حفاظاً على الوضع القائم الذي يعالج المشاكل التي تعوق الحركة، من دون إيجاد بدائل لشكل الحركة نفسها.

فالسلوك المقيّد والقواعد الموجودة مسبقاً نتيجة تفاعل سابق على وجود المتحرك، وتم الإمساك به «كصورة» فوتغرافية تمسك الزمان والمكان والوعي، يجعل من المتحرك كل ما عليه أن يختار دوراً مناسباً في موقف معين وهكذا دواليك. أما الحركة التفاعلية فإنها تؤمن بأهمية العمل الذي يتوجب على الفاعلين الاجتماعيين القيام به، ليس من أجل اختيار مسبق على الوجود، ولكن من أجل دعم الفهم المشترك لموقف معين، مما يترتّب عليه الوصول إلى اتفاق عام على الأدوار والمسؤوليات والمعايير المختارة، وبناء عليه فـ«الحركة» ليس لها وجود مستقلّ عن المتحركين والفاعلين، وإنما يتم تشكيلها والحفاظ عليها من جانب الفاعلين أنفسهم ومن خلال التفاعل بينهم.

إن «الحركة» - التي تؤمن بأن المتحرك أكبر منها - استندت في ذلك على أن البشر كائنات مميزة في قدرتهم على خلق معانٍ مميزة، أثناء اجتماعهم البشري، وهذه المعاني ليست ذات صفة عمومية أو ثابتة أو مطلقة، وإنما هناك ازدواجية في المعاني التي تتحول عبر الزمان والمكان إلى معنى يتصف بالغموض ولا يظهر هذا المعنى بوضوح إلا من خلال «التفاوض» بين الأفراد، وخلق نظام تفاوضي يؤكد على وحدة التفاعل، الذي يراهن على أن البشر يمتلكون أنفساً تجعلهم قادرين على القيام بدور الآخر، ورؤية أنفسهم من خلال عيون الآخرين، وبغير هذه القدرة تنهار عملية الاتصال البشري وينهار نظام الحركة، لأن الكائن المنعزل هو مجرد خيال غير قابل للتحقق.

ولكن... إن إغفال عناصر القوة والبناء الهرمي وتحديد مسارات الحركة للمتحرك، وإهمال تاريخ البيئة التي عاش فيها المتحرك... كل ذلك يهدّد النظام التفاعلي ما لم يأخذ في الحسبان أهمية النظام التفاوضي ودلالات الرمزية، والتي لا تشير إلى أهمية الحركة أو أهمية المتحرك، بل تشير بكلتا يديها إلى «المحرك»... فيصبح السؤال: ما أهمية «المحرك» في وجود الحركة والمتحرك؟، والسؤال الأهم: هل نحتاج إلى دستور تفاعلي؟

@Moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي