No Script

رؤية

لا تحرقوها!

تصغير
تكبير

في مؤتمره الصحافي اعتبر أحد أقطاب المعارضة الحالية - صراحة - عودة سمو رئيس الوزراء المستقيل بأنها الخطر الذي يهدّد كيان وبقاء الدولة، ليس اقتصادها فحسب!

وبدت المرارة واضحة جلية في الصورة شديدة القتامة التي رسمها للمستقبل، وفي إصراره على تعذر إنقاذ الاقتصاد ما لم يرتبط بتغيير سياسي شامل، ألمح إلى ضرورة تحول نظام الحكم الحالي إلى النظام الملكي الدستوري!

هكذا دون اعتبار للعهد الذي توافقت عليه الأمة وأسرة الحكم قبل 270 عاماً ووثّقه الدستور عام 1962، وأكده مؤتمر جدة عام 1990، ولا بتهيئة المجتمع وإعداده بالسماح بتشكيل الأحزاب وبتعديل الدستور وفق المادة 172 منه، وبرّر رأيه بعدم أهلية الحكومة لمواجهة الأزمة، مستشهداً بارتباكها في تحديد إجازة رسمية، فكيف لها أن تُدير البلاد وسط أزمة عالمية شديدة التعقيد؟

ورغم أن قراءته للمستقبل سيطر عليها تشاؤم مبالغ فيه، فهي لم تأت بجديد، فمخاطر انهيار أسعار النفط - على صعوبتها - تظلّ السيطرة على آثارها ضمن إمكانات الدولة، التي تملك مجموعة من الخيارات، تستطيع من خلالها إدارة الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر، لو سعت إلى ذلك، معتمدة على تنويع مصادر الدخل وتحديداً في تطوير الصناعات النفطية وتبني اقتصاد المعرفة والعمل عليهما بجدية، إلا أنه وبصفته أحد أهم منظري المعارضة المندفعة في مطالبها والحادة في مواقفها، يجعله ملزماً بالتركيز على تجهيل الحكومة بالحالة المالية والاقتصادية للدولة، ووصفها بالعجز حيال ما تواجهه من أزمات، فلو أنه أقرّ بقدرتها ولو جزئياً لما كان لديه مبرراً للإطاحة بها.

ويشجعه على هذ التزوّد واستباق التطور الديموقراطي، الذي أراده صاغة الدستور الكويتي، في أن جمهوره جَمْع عاطفي من العوام محدودي المعرفة والثقافة، تجمعهم حالة غير مبررة من التنمّر والخصومة ضد الحكومات المتعاقبة، سواء نجحت في أداء مهامها أم فشلت، دفعتهم إليها قياداتهم دفعاً عاطفياً متشنجاً.

إن سعي المعارضة لإفشال الحكومة من دون الالتفات إلى ما تقوم به الأخيرة من جهود سينعكس على أدائها، فإحساس أعضائها بأن أي جهد يبذلونه مهما كان إيجابياً وصادقاً، لن يكون محل تقدير يدفعهم إلى التراخي والتوجّه نحو المجموعة دائمة الخطب لودهم من المنتفعين والفاسدين، فتكون المحصلة النهائية لصالحهم، لا لصالح الأمة، ويزداد الفساد انتشاراً وتجذراً.

إن على أي معارضة - لتستمر - أن تحرص على إبقاء قنوات مفتوحة مع خصومها، كما هي أصول العمل السياسي، لتسمح لنفسها بالمناورة واستمالة القرار الحكومي لصالحها، فالسياسة هي فن الحصول على أكبر قدر ممكن من المطالب، وليست فرضاً لرؤية تجمّع محدود من المجتمع، يبني طموحاته على أسس غير ثابتة ولا موحدة، وجل ما يربط بين أعضائه هو مجموعة مصالح موقتة، ليست مطمحاً للأمة، التي هي بحاجة إلى إحياء نموذج المعارضة الوطنية المتزنة والمرنة، التي قادها الخطيب والقطامي وزملاؤهما في شكلها الحديث، بعد أن تسلّموا راياتها من تجار الكويت في القرن الماضي.

قدّموا لنا معارضة مثلها وسنتبعكم في المقابل، فليس لكم أن تطالبونا بمعارضة الدستور وتقويض الاستقرار.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي