No Script

مسارا «الملف السويسري» لحاكم مصرف لبنان.. قضائي بارد في برن وسياسي ملتهب في بيروت

تصغير
تكبير
ريثما يَمْثل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمام المدعي العام السويسري في برن بعدما قدّم إفادته في بيروت أمام مدعي عام التمييز اللبناني غسان عويدات، يتواصل الخلط اللبناني المثير بين المساريْن القضائي والسياسي في القضية المحالة من وزارة العدل السويسرية والتي تتوخى التحقق والاستفسار بشأن الاشتباه بتحويلات مالية شخصية تمّت عبر البنك المركزي اللبناني وتخص تحديداً الحاكم وشقيقه ومُساعِدته.

فالملف، على فرادته وحساسيته المفرطة لاتصال موضوعه بأعلى هرم السلطة النقدية في زمن انهيار الليرة والعواصف المالية التي تضرب لبنان منذ 16 شهراً، حاز موقعاً متقدماً على لائحة الجدليات والزجليات الداخلية التي تنبري سريعاً لتظهير النتائج وإصدار الأحكام، وهي تستظلّ فعلياً الكباش السياسي الحقيقي بشأن استحقاقات دستورية داهمة ولاحقة يتقدمها حالياً الخلاف المستحكم حول تحديد "الأوزان" في الحكومة الجديدة.

ويرجّح أن هذه المناخات وتَفاعُلاتها المعلنة والمتفشية على مواقع التواصل الاجتماعيّ، حفزت سلامة على انتقاء خيار المثول المباشر، وليس بالوكالة المتاحة، لدى المرجعية القضائية السويسرية التي وجهت المذكرة عبر القنوات الديبلوماسية. فالمسألة قضائية بحت ولا تحتمل أي ضجيج أو ضغوط من الرأي العام قد تعرّضها للانحراف عن مجراها القانوني وتؤثر في خواتيمها، وهو ما يعبّر عنه سيف الاجتهادات الذي سبق بأشواط عزل التحقيقات وختامها.


ويعتقد مسؤول مالي كبير أن من حظ لبنان ومواطنيه أن يعود الملف الى أصله في سويسرا. وهذا الخيار لا يقلل من قيمة القضاء اللبناني، إنما ينأى بميزان العدالة عن التدخلات والتأثيرات التي تولد العوائق والعقد المستحكمة أمام تقدم التحقيقات وتحول دون بلوغ عشرات الملفات المهمة نهاياتها المنتظَرة.

ويستدلّ هذا المسؤول المالي الكبير بنموذجٍ صارِخ تمثله قضية انفجار مرفأ بيروت التي "تاهت" في زواريب المحميات والخطوط الحمر، وتكاد تتعثر رغم كارثيّتها وما خلفته من مئات القتلى وآلاف الجرحى وتدمير ثلث العاصمة وقلبها النابض تجارياً وسياحياً، فضلاً عما رتّبتْه من خسائر مادية مباشرة ومتصلة قاربت 8 مليارات دولار، بحسب تقديرات البنك الدولي.

ويوضح المسؤول في اتصال مع "الراي"، وهو من المطلعين على حركة التحويلات الى الخارج التي تشكل نواة الملف الخاص بالحاكم "ان القضاء السويسري المعروف بنزاهته ودقّته وحساسيته حيال القضايا المالية والفساد يبادر، ولو من باب الاحتراز، إلى تتبُّع أي شكوك تتصل بجرم مالي محتمل. وفي حال التثبت من وجود الانحراف يتخذ اجراءات فورية بحق صاحبها، وبما يتعدى كثيراً تدبير التجميد التلقائي للأموال العائدة له في البنوك السويسرية".

ويضيف: "في العادة لا يلجأ المدعي العام السويسري الى طلب المعونة القضائية إذا توفرت لديه أدلة أو اثباتات دامغة. وبذلك يمكننا التكهن بأنه توجد في حوزته معطيات أو معلومات يشوبها الالتباس، ليس ملزَماً بالإفصاح عن مصدرها، وربما إخبارات واردة في شأن قضية سلامة تستلزم التقصي ومساءلة المعني بها في المرحلة الحاضرة، تاركاً له الاختيار بين السفارة في بيروت بمشاركة القضاء اللبناني وبين التوجه الى مكتب المدعي العام في برن".

وجاء لافتاً في هذا السياق تصريح مستجد للحاكم ركز فيه على الميدان المحلي لجهة "تضخيم الأرقام" وضرب صورة البنك المركزي، وأورد حرفياً: "كل الأخبار والأرقام المتداولة في بعض الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مضخمة جداً ولا تمت إلى الواقع ، وتهدف بشكل ممنهج إلى ضرب صورة المصرف المركزي وحاكمه"، مبيّناً أن "الحاكم، وإذ يمتنع عن الخوض علناً في الأرقام والحقائق لدحض كل الأكاذيب في ملف بات في عهدة القضاء اللبناني والسويسري، يؤكد أن منطق "أكذب.. أكذب.. فلا بد أن يعلق شيئاً في ذهن الناس" لا يمكن أن ينجح في هذه القضية وفي كل الملفات المالية لأن كل الحقائق موثقة".

ويوضح المسؤول المالي لـ "الراي" أن "حساسية هذه القضية واتصالها مباشرة بالحاكم فرضت اعتماد مسار مستقل وبديل عبر السفارة السويسرية في بيروت ووزارة العدل اللبنانية ممثلة بالمدعي العام التمييزي خارج المرجعية المختصة التي تمثلها "هيئة التحقيق الخاصة" في مصرف لبنان. فالهيئة ، بموجب قانون مكافحة تبييض الأموال، هي هيئة مستقلة ذات طابع قضائي، تتمتع بالشخصية المعنوية، وغير خاضعة في ممارسة أعمالها لسلطة المصرف المركزي، ومهمتها التحقيق في عمليات تبييض الأموال والسهر على التقيد بالاصول والاجراءات القانونية. ولها أن تُجْري التحقيقات في العمليات التي يُشتبه بأنها تشكل جرائم تبييض أموال وتقرير مدى جدية الأدلة والقرائن على ارتكاب هذه الجرائم أو إحداها. ويُحصر بـ "الهيئة" حق تقرير رفع السرية المصرفية لصالح المراجع القضائية المختصة ولصالح الهيئة المصرفية العليا عن الحسابات المفتوحة لدى المصارف أو المؤسسات المالية والتي يُشتبه بأنها استُخدمت لغاية تبييض الأموال".

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي