No Script

قيم ومبادئ

لماذا لا تتصالح الإنسانية؟

تصغير
تكبير

البشرية جميعاً ترجع إلى أصلٍ واحد وجنس واحد وكلُّهم من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء - عليهما السلام -، وبثّ الله منهما رجالاً كثيراً ونساءً، ونوّعَ صورهم وألسنتهم وجعلهم شعوباً وقبائل، وهذه القبائل منها الصغار ومنها الكبار وجاء في الأثر (سام أبو العرب وحام أبو الحبشة ويافث أبو الروم)، وهؤلاء أبناء نوح ـ عليه السلام ـ ثم تفرع عنهم نسل البشرية ولم يستقل كلّ واحد منهم بنفسه في ناحية من الأرض، ولكن حصل بينهم ما اقتضته الحكمة الإلهية من التعارف والتناصر والتعاون على مرّ التاريخ، بل والتوارث مع القيام بحقوق الأقارب وهذه هي الحكمة من خلقهم شعوباً وقبائل.

والميزان الذي وضعه الله تعالى في الأرض للأنام ويكون عليه أساس التفاصيل بين الناس هو التقوى. فأكرمهم عند الله أتقاهم، وهو أكثرهم طاعة وانكفافاً عن المعاصي، لا أكثرهم قرابةً وقوماً، ولا أشرفهم نسباً.

هذه هي الإنسانية التي خلقها الله تعالى وأرسل إليها الرُّسُل، وهو أعلم بها، ولكنّها اليوم انحرفت عن الجادة فحلت بها الأسقام والأدواء.

فأول أمراضها وأسقامها الشرك بالله والظلم والتعدي على الغير، بل والسخرية منهم، والسخرية لا تقع إلا من قلب مُمتلئ من مساوئ الأخلاق.

فاستقرت الظنون السيّئة في قلوب البشر وعليه فإنّ بقاء ظنّ السوء بالقلب لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به حتى يقول ما لا يجوز أو يفعل ما لا ينبغي، مثل التجسس واتباع العورات!

وهذه حال الإنسانية اليوم، فَقَدَت أهم ركائز آدميتها وقِيمها وفي الحديث (إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم وأَمَرَتهم أن يشركوا بي).

ومع هذا نجد أنّ الله رحيم بعباده حيث دعاهم إلى التوبة من جميع الذنوب وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم مُحرّماً فلا تَظالَموا)، ولكنّ الإنسان أعرض عن ربه، فإذا رأى نفسه غنياً بعلمه وماله وقوته طغى وبغى وتَجَبّر على الخلق وعلى الحق.

كما أنّ وصف الإنسان بطبيعته الأصلية إذا مسّه الشر تجده جَزوعاً، فيجزع إن أصابه فقر أو مرض أو ذهاب محبوب أو مال، وإذا مَسّه الخير تجده منوعاً، فلا ينفق مِمّا آتاه الله ولا يشكر الله على نعمه وبرّه.

كما أنّ من طبع الإنسان العَجَلة وهي أن يبادر الأشياء ويستعجل بوقوعها قبل أوانها، وهذه تشمل المؤمن والكافر وهي طبيعة البشرية.

فالمؤمنون يستعجلون عقوبة الله للكافرين ويستبطئون نصر الله، مع أنّ نصر الله قريب، والكافرون يتولون وهم مستكبرون ويستعجلون نزول العذاب تكذيباً وعناداً واستخفافاً بالله وآياته، ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟

كما أنّ من طبع الإنسان الشُّح وهو عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، مع الحرص على الحق الذي له وهؤلاء هم المطففون الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، والنفوس مجبولة على ذلك طبعاً، ولكن هذا خُلُقٌ ذميمٌ ينبغي على الإنسان الحرص على قلعه واستبداله بالسماحة وهو بذل الحق الذي عليك، والاقتناع ببعض الحق الذي لك، فمتى وُفِّقَ الإنسان لهذا الخُلق الطيب، سَهُلَ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعاملته، وتسهّلت أمامه الطُّرق للوصول إلى المطلوب. بخلاف مَن لم يجتهد في إزالة الشُّح من نفسه، فإنّه يعسر عليه الصلح والتعايش والتوافق لأنّه لا يُرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يُؤدي ما عليه، فإذا كان خصمه فعله اشتدّ الأمر وتعقّدت الحياة، وهذا هو سبب الحروب بين البشر اليوم.

وهذا عين ما تُعانيه الإنسانية اليوم وسبب لجعلها لا تتصالح، ذلك أنّها انحرفت في أديانها وأعمالها وعلومها، فأديانهم فاسدة وأعمالهم تبع لأهوائهم وعلومهم ليس فيها تحقيق إلا ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون، وغايتهم أنّهم يتبعون الظنّ الذي لا يُغني من الحق شيئاً.

الخُلاصة:

قال تعالى: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي