No Script

بوح صريح

أول خطأ

تصغير
تكبير

الإنسان يعيش تحت ضغوط أنواع شتى من الرقابة، سواء الرقابة السياسية، أو رقابة السلطة ومؤسساتها المتعددة، أو رقابة المؤسسة الدينية والإعلامية والاجتماعية، المتمثلة في التراث والعادات والتقاليد وأنماط مجموع السلوك المألوفة... كذلك تنامى لدى الفرد نوع من الرقابة الذاتية، التي تجعله يعيد حساباته ويفكر طويلاً قبل التعبير عن ذاته، خوفاً من عدم القبول أو حصد إعجاب وتصفيق وحظوة... وهو أخطر أنواع الرقابة. ليس لأنه خفيّ فحسب. لكن لأنه نوع من جلد الذات المؤذية لاحترام النفس والثقة بها. والمدمر للصحة النفسية والعقلية أيضاً.

وكذلك المثقف أو المبدع أو العالم أو المفكر... يمارس هذه الرقابة على أفكاره وخياله وإنتاجه وإبداعه، في قصيدته ولوحته وفيلمه. فكأنه يتقمص شخصية الرقيب. يتخيّل ماذا سيقول على النص أو المشهد أو اللوحة. وبذلك لا يؤخّر عملية تحقق الإبداع الكلي لديه، بل يشوّه ذاته ويتسبب في اضطراب ذائقته الإبداعية والجمالية.

لقد زرع النظام المتخلف السلطوي الرقيب في داخلنا. من خلال رذاذ القهر والظلم والنبذ والعزل المتطاير من مكائن الرقابة المتعددة المحيطة بنا. التي لا تكاد تهمس وتقوّم ذواتنا تدريجياً. وتحوّلنا إلى شخوص مقهورة. تمارس الظلم على نفسها. تقهر ذاتها بذاتها، عبر ممارسة دور الرقيب على نفسها.

وذلك تجسيد لأنانية تلك الأنظمة التي أتقنت ممارسة الرقابة والظلم والقهر. ثم جلست تتفرج كيف يمارس الفرد المشوّه والمقهور والمظلوم القهر على ذاته من خلال مراقبته لنفسه.

يقول المعري: «أما اليقين فلا يقين وإنما/ أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا».

عرف الإنسان في أثينا أن لديه عقلاً وضميراً، وعليه بذلك واجب ومسؤولية تجاه نفسه والآخرين من حوله، ثم المجتمع والناس فيه.

قد تدرك في لحظة ما أن لديك عقلاً وأنك مسؤول، ولديك مكان في هذا العالم. وبصمة واسم ووجه.

وربما تفكر في أول كذبة وأول سرقة. وأول حادثة غش وأول خيانة. بعد زمن من الطيبة والخير من دون مقابل، وابتسامات على امتداد الأفق. وتهذيب وأدب وذوق وشهامة !

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي