No Script

قيم ومبادئ

سماسرة الأخبار والتبعيّة

تصغير
تكبير

الباحث في تاريخ نشأة وكالات الأنباء العالمية، يجد أنها لا تخلو من الطرائف والعجائب، كيف بدأت وإلى ماذا انتهت؟ حتى أصبحت تسيطر على العالم في شبكاتها العنكبوتية، فقد شَهِد عام 1835م ولادة أول وكالة أنباء في العالم على يد شارل هافاس في فرنسا، فقد كانت إرهاصات الحروب العالمية ضاغطة، بحيث أصبح الإعلام أداة سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى ولاحقاً أداة ثقافية واجتماعية وأخلاقية، فتأسّست في أميركا سنة 1859م ألاسوشيتدبرس، وسبقتها وكالة (رويترز) في 1849م، حيث قرّر اليهودي بول جوليوس رويترز أن يستخدم الحَمَام الزاجل، المأخوذ من حضارة العرب الناقل للرسائل للحصول على سبق إخباري حول الأسعار اليومية للبورصة في أسواق باريس وبروكسل، فحملت أول مجموعة من الحمام الزاجل الرسائل في أبريل عام 1850 م (جدول أسعار الأسواق)، وذلك قبل وصول القطار بسبع ساعات!

والحقيقة أنّ العالم حينئذٍ لم يكن يعرف عن نزول أول رجل على سطح القمر، ولا اغتيال المهاتما غاندي، ولا انتحار هتلر ونزول قوات الحلفاء على شاطئ (النور ماندي) وغيرها أطنان من الأخبار لولا وجود وكالات الأنباء!

هذه الشبكة العنكبوتية نسجت خيوطها على الكرة الأرضية، فكبّلت العالم على مدار الساعة فكانت ثورة معلومات مُتدفقة عَجَز القانون عن ملاحقتها، فتغوّلت شركات التقنيات والروبوتات، فأصبحت معول هدم للأنظمة ومصدر شكوك للمجتمعات، ولم يسلم منها حتى الطفل البريء، فغرست فيه إدمان اللعب والعُنف والمناظر الردية، فلوّثت فطرته واغتالت براءته!

واليوم بتنا نعيش في ظروف لم يسبق لها مثيل، فقد فشلت أكثر الدول العربية في تنسيق جهودها وتضافرها من أجل التحرر من التبعية للمعسكر الشرقي أو الغربي، وبالمناسبة نعيش اليوم أجواء إعادة التصالح بين دول الخليج، الذي نتأمل منه العمل على إيجاد جهاز إعلامي متكامل يعمل على المحافظة على الثوابت المجتمعية والهوية العربية الإسلامية، ويحدد للجماهير الأهداف العُليا والمصالح التي تُعيد لأمتنا كرامتها ومجدها الغابر.

والسؤال المستحق هنا؟

ألم يحن الوقت ليكون لدينا وكالة أنباء عربية واحدة تتكلّم بلغات العالم الحيّة، ولها تواجد في حواضر العالم العربي والغربي والإسلامي!

والحقيقة الكبرى في دول الخليج أنّ الله تعالى حبانا بنعم عظيمة وثروات طبيعية هي محط أنظار العالم، ولا توجد عند الدول الأخرى، فالواجب أن نوجهها الوجهة الصحيحة ولا نقتصر بها على مجرد الشهوات والملذات، ولا مانع من الاستمتاع بالدنيا استمتاعاً لا يثلم ديننا وعقيدتنا كما لا نستعملها للإفساد في الأرض وتمييع الولاء والبراء.

كما أنّ الله تعالى أخبرنا بأنّه لا خير في كثير من هذه الأخبار، التي يتناقلها الناس في الإعلام مثل فضول الكلام أو الكلام المُحرّم بجميع أنواعه كما أمرنا جلّ وعلا، وحثّ على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض، والساعي في الإصلاح بين الناس - كما فعل صاحب السمو الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - طيّب الله ثراه - أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة، والمُصلح لابد أن يصلح الله سعيه وعمله.

كما أنّ الساعي في الإفساد لا يصلح الله عمله ولا يتمّ له مقصوده، وكم وكم خططوا في وسائل الإعلام لكيد الإسلام والمسلمين، وأرادوا نصر الباطل على الحق وأيّ فساد أعظم من هذا؟! لكنّ الله تعالى أبطل سعيهم وردّ كيدهم في نحورهم.

وهكذا كلّ مفسد عمل عملاً واحتال كيداً أو أتى بمكرٍ فإنّ عمله سيبطل ويزول، وإن حصل لعمله رواج في وقتٍ ما، فإنّ مآله إلى الاندثار والمحق.

وأمّا المصلحون الذين قَصدهم بأعمالهم وجه الله تعالى وسلكوا الطريق المشروع، فإنّ الله يصلح أعمالهم ويرقيها على الدوام.

الخُلاصة:

قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي