No Script

مسؤول مالي كبير يحذر عبر«الراي»: سرعة الانهيار تتضاعف في لبنان

تصغير
تكبير

لم يكن صندوق النقد الدولي متحاملاً حين تعمد حجْب لبنان عن لوائح الترقبات الاقتصادية لدول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا للعام 2021، مبرراً التعذر بكثافة «الضبابية» التي تحوط الاوضاع الاقتصادية السائدة. فما حصدته البلاد من فوضى نقدية ومالية وتدهور قياسي في مجمل المؤشرات الرئيسية للاقتصاد الوطني، لم يبلغ، على ما يبدو، حدود القعر النهائي، طالما يتواصل الدفع نزولا معززاً بتقلص فرص تأليف حكومة جديدة.

ووفق المعطيات المتوافرة لدى المؤسسات المالية الدولية، فإن الركود الإقتصادي في لبنان صعب وسيستمر لفترة طويلة نتيجة غياب قيادة فعالة لصنع السياسات. ففي ظل عدم وجود أي إستجابات في السياسة الماكروإقتصادية، والجهود المحدودة لإعادة الإعمار بعد إنفجار مرفأ بيروت، تتواصل معاناة جفاف الموارد الخارجية بالعملات الصعبة الى الاسواق المحلية وتتفاقم معها ازمة شح السيولة بالدولار، وسط جمود يسيطر على مفاوضات لبنان مع ادارة صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على برنامج دعم تمويلي مستند الى خطة انقاذ حكومية.

أول الاشارات الجديدة التي تشي بالأسوأ دشنها الانحدار الأحدث في احتياط العملات الصعبة لدى مصرف لبنان بمقدار قارب 790 مليون دولار في نصف الشهر الأخير من العام 2020. والى جانبه يرجح أن يتعدى عجز ميزان المدفوعات عتبة 12 مليار دولار، كحصيلة مجمعة للعام الماضي، بعدما سجل عجزاً تراكمياً فاق 10 مليارات دولار حتى نهاية الشهر العاشر، محطماً الأرقام القياسية على المستويين الشهري والمجمع.

وليست الحال أفضل في سوق النقد. فسعر الدولار في التداول يعزز مكاسبه فوق مستوى 8500 ليرة. ويبقى السعر الرسمي المحدد بـ 1515 ليرة للدولار العنصر الوحيد المانع لانزلاق الأوضاع المعيشية الى درك خطير مع ارتفاع التضخم خارج نطاقه بمعدلات تفوق 500 في المئة. فالسلع المدعومة بهذا السعر ومتوجبات الدولة من ضرائب ورسوم، مضافا اليها السلع المدعومة بسعر «مبتكر» يبلغ 3900 ليرة للدولار لا زالت تلعب، حتى اشعار آخر، دوراً حاسماً في منع تحول موجة التضخم الى «تسونامي» مدمر.

وتشي الوقائع الحاضرة، بحسب تقييم لمسؤول مالي كبير خص به «الراي»، بمضاعفة سرعة تدحرج كرة الازمات البنيوية التي يعانيها لبنان لتدق ناقوس الخطر لانكشاف مؤلم في الحدود الدنيا للامن الغذائي والصحي للمواطنين والمقيمين. وهو ما سيمثل تحولاً دراماتيكياً وداهماً في حياة أكثر من 55 في المئة من السكان الذين اصابهم الفقر وفقاً لتقديرات البنك الدولي. علماً ان دائرة الفقر المدقع تشهد توسعاً مضطرداً لتشمل نحو ربع السكان، وتعاني الطبقة الوسطى الأمرين في الصمود قريباً من خط العوز، مما يرجح سقوطها في أتونه في حال تعذر تواصل الدعم سواء بصيغته الفوضوية الحالية أو عبر خطط الترشيد المنتظرة ً.

وقد حض البنك الدولي لبنان على جعل حماية السكان الأكثر فقراً أولوية، حيث أن إنكماش الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد في لبنان بالإضافة إلى مستويات التضخم المرتفعة المسجلة خلال العام الجاري، سيؤديان إلى إرتفاع كبير في مستويات الفقر وهو ما سيؤثر على طبقات المجتمع كافة، وذلك بسبب فقدان العمالة المنتجة، وتراجع القدرة الشرائيّة الحقيقيّة، وغيرها من الأمور.

وارتسمت خطوط المخاطر الاعلى حدة وتأثيرا جراء وصول احتياطات العملات الصعبة لدى البنك المركزي الى مستويات حرجة، بحيث تدنت المبالغ القابلة للاستخدام في تمويل دعم السلع الاستراتيجية والاساسية المستوردة الى دون الملياري دولار وفقاً لتأكيدات حاكم البنك المركزي رياض سلامة. وهو ما ينذر لاحقاً بتعذر الحصول على الخبز والدواء والوقود إلا باسعار مضاعفة 5 مرات عن الاسعار المدعومة قياسا بسعر الدولار في الاسواق الموازية، والذي اودى الى فقدان نحو 80 في المئة من قيمة العملة الوطنية. فضلاً عن فجوة اكثر خطورة تمثلت بضم مئات آلاف العاملين في القطاع الخاص الى خانتي البطالة الجزئية والتامة.

وبذلك، تستمر الحاجة ملحة لفرض قيود على الرساميل (كابيتال كونترول)، رغم أن مفعولها سيضعف مع الوقت، بحسب تقييم المؤسسات الدولية. كما ان الضغوط في سوق الصرف ستستمر بالحد من التجارة وتمويل الشركات في ظل الإعتماد الكبير للإقتصاد على الدولار، ما سيخفف بالتالي من إستيراد بعض السلع. وبذلك، فأن تباطؤ دخول الرساميل في بلد يعتمد بشكل كبير على حركة الإستيراد ويفتقد القدرة على إنتاج سلع بديلة على المدى القصير سيعرضان الإحتياطات بالعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان الى مزيد من الاستنزاف.

وبخلاف جاره الصندوق، يتوقع البنك الدولي أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للإقتصاد اللبناني بنسبة 13.2 في المئة في العام 2021. بينما قدر تقلص الناتج بنسبة 19.2 في المئة لهذا العام، لقاء نسبة 25 في المئة قدرها تقرير الصندوق. علماً ان الضبابية عينها تكتنف تقديرات الحجم الحقيقي للناتج، بسبب تباين القاعدة الحسابية لسعر الدولار المعتمد. مع التنويه بأن المؤسسات الدولية تميل الى اعتماد رقم الصندوق البالغ 18.7 مليار دولار، مقابل رقم 54 مليار دولار قبل انفجار الأزمة.

ومن المرجح أن يعيد البنك الدولي تقييم ترقباته في تقريره الدوري الذي يصدره في شهر ابريل المقبل وذلك في ضوء المؤشرات الختامية للعام 2020 التي سيتوالى اشهارها خلال الاسابيع المقبلة، وأيضاً من خلال تتبع المؤشرات المستجدة في الفصل الأول من العام الجاري، مع امكان ان يُضم اليها الوضع الصحي الشائك ومحدودية قدرات لبنان على جبه تفاقم انتشار وباء كورونا وتداعياته التلقائية على الاقتصاد المنهك.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي