No Script

اتجاهات

روسيا... والهجمات السيبرانية على أميركا !

تصغير
تكبير

اختُرقت الحكومة الأميركية في منتصف ديسمبر، بسلسلة من الهجمات السيبرانية واسعة النطاق غير مسبوقة، شملت أكثر من 50 شركة، ووكالات حكومية بما في ذلك البنتاغون ووزارة الأمن الداخلي.

فور ظهور هذه الاختراقات اتّهم مسؤولون أميركيون - كوزير الخارجية الأميركية مارك بومبيو ورؤساء لجان المخابرات في الكونغرس - روسيا مباشرة بالضلوع في هذه الهجمات، لأغراض تجسس وتخريب وغيرها من لوائح الاتهامات.

مع العلم أن ترامب قد اتّهم في تغريدة الصين بالضلوع في هذه الهجمات.

ضلوع روسيا في هذه الهجمات، قد يكون أمراً وارداً جداً، وأيضاً عدم ضلوعها، أو ضلوع الصين أو كوريا الشمالية أو منظمات غير حكومية قد يكون مرجحاً جداً.

خبراء الأمن السيبراني يتفقون على أن المعرفة السريعة والمباشرة والدقيقة لهوية منفذ الهجوم السيبراني - سواء دولة أو فرد - أمر في غاية الصعوبة، إذ يحتاج تحقيقات وجهوداً مشتركة مضنية بين دول وشركات أمن سيبراني، قد تستمر لأشهر عدة، بل قد تصل إلى سنوات.

فتحميل كوريا الشمالية المسؤولية المباشرة عن هجمات «وانا كراي»، قد جاء ثمار تحقيقات استغرقت أكثر من عام. كذلك، تحميل روسيا المسؤولية عن هجمات «نوت بيتيا»، كان ثمار تحقيقات فنية ومخابراتية مطولة للغاية من قِبل مجموعة دول «الخمس - الأعين».

لكن ما هو أخطر على الجانب الآخر، أنه في حال توصّل الدول الضحية لهذه الهجمات من منفذها بدقة، ففي الأغلب الأعم ستقف مكتوفة الأيدي أمام ردع المزيد من هذه الهجمات أو عقاب مرتكبيها أو الحصول على تعويضات في ظل الإطار القانوني الدولي الحالي، الذي به العديد من الثغرات التي تسمح لمنفذي هذه الهجمات بالإفلات من العقوبات بسهولة شديدة.

فالنطاق غير المادي وغير المحدود للفضاء السيبراني، الذي تُستغل فيه تقنيات كإخفاء الهوية والتمويه والتحكم عن بُعد وتمرير الهجوم السيبراني عبر سلاسل عقدية إلكترونية متعددة عبر دول عدة، قد جعل من العسير تحديد موقع وهوية الهجوم السيبراني بدقة، وقد يكون مستحيلاً في بعض الأوقات.

وفي المقابل أيضاً، قد جعلت قواعد القانون الدولي الحالية خصوصاً قواعد المسؤولية الدولية غير فعّالة، لتحديد المسؤولية المباشرة لمرتكبي الهجمات السيبرانية.

لذلك نلاحظ أن التقارير «الفنية» الرسمية الأميركية الصادرة عن البيت الأبيض أو وزارة الأمن الداخلي في شأن الهجمات، لا تتهم روسيا بشكل مباشر، بل تستخدم عبارات على شاكلة «يزعم تورط روسيا» «يشتبه تورط روسيا» «من المرجح» وغيرها من العبارات.

تسرّع بعض المسؤولين الأميركيين، بمن في ذلك جو بايدن، في إلقاء اللوم على روسيا، قد يكون ناجماً عن عدم وجود وعي كافٍ بالصعوبات الجمة المعنية بالتحديد الدقيق والسريع لمرتكب الهجمات السيبرانية، أو قد يكون مدفوعاً بمكايدات ودوافع سياسية ودعائية.

قد تتوصل التحقيقات الفنية - التي أسرعت أميركا في فتحها عقب الهجمات - إلى العقل المدبر الحقيقي لهذه الهجمات ربما خلال أشهر أو سنين، بالنظر إلى كثافة وتعقد هذه الهجمات عن سابقتها.

لكن على الأرجح كحال التحقيقات السابقة سترفض الدولة المتهمة نتيجة هذه التحقيقات، على أسس فنية وقانونية.

وبالتالي، ففي ظل غياب أطر وآليات فنية وقانونية دولية موحدة في شأن تحديد الهجمات السيبرانية، سيدفع النظام الدولي خصوصاً العلاقات بين الدول الكبرى، إلى حلقة من التصعيد وعدم الاستقرار، فالتسرع الأميركي في اتهام روسيا خير شاهد على ذلك.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي