No Script

إطلالة

نهاية مسيرة الشيخ ناصر

تصغير
تكبير

رحل عنا الشيخ ناصر صباح الأحمد بعد حياة مليئة بحب الكويت وأهلها، الذين بادلوه الشعور نفسه، ولم يتركوه حتى وهو على فراش المرض، فقد كان رحمه الله متواصلاً مع الجميع، وهذا ما لمسته بنفسي حينما زرته في ديوانه الكائن في منطقة البدع، رأيته كيف يرحب بجميع الضيوف في ديوانه الممتلئ بجميع أطياف المجتمع، لا يفرق بين الكبير ولا الصغير، يبدو وكأنه «الأب الروحي» للجميع، بفضل تميّزه بأخلاق عالية وروح طيبة، كما كان يؤمن بالترابط الاجتماعي وتلاحم النسيج الكويتي الأصيل.

لذلك كان فقده أليماً علينا وعلى أهل الكويت جميعاً، الذين لم يترددوا لحظة للذهاب إلى جنازته رغم الظروف الصحية القاسية التي تمر على البلاد، رحل الشيخ ناصر صباح الأحمد ليخلّف الحزن والألم والجرح في قلب كل كويتي يحبه ويعشقه تاركاً وراءه السمعة الطيبة والعلاقة الودية في كل المواقع السياسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية، رحل عن منصبه السياسي والمكانة الديبلوماسية، ولكنه ترك إرثاً من التفاني والإخلاص في العمل الجاد لجعل سمعة الكويت عالية بين الآفاق، حيث كانت لديه رؤية مختلفة عن الآخرين، وهي رؤية تنموية واسعة يمكنها أن تنهض بالكويت إلى القمم في جميع مجالاتها.

فقد عرضت عليه الكثير من المناصب ولكنه كان عازفاً عنها لمدة طويلة، ربما لأنه كان يعلم بأن حلمه الكبير لرؤية كويت جديدة قد لا تتحقق وسط الروتين الوزاري والعمل الإداري الممل لسير أي مشروع تنموي، أمام الكم الهائل من الفساد المستشري في قطاعات الدولة، وقد أكد مراراً أن مكافحة الفساد تبدأ بتطهير مؤسسات الدولة من مفسديها، ومن ارتبطت أسماؤهم بالفساد من دون تمييز، مؤكداً على أنه لا يمكن الحديث عن التنمية أو العدالة في الدولة ما دام هناك فاسدون في مؤسساتها، لذلك عندما عيّن وزيراً للدفاع ونائباً أول لرئيس مجلس الوزراء كان سيفاً على رقاب الفاسدين وسارقي المال العام.

فقد كان جندياً مدافعاً عن قضايا المال العام، وقدم روحه فداء لمحاربة الفاسدين، ليصبح رحمه الله الوزير الأكثر تقديماً لدعاوى قضائية متعلقة بالأموال العامة، وشبهات غسل أموال في الكويت لإحالتها إلى النيابة العامة.

كان الراحل شخصية بارزة وأجندة مستقبلية لرؤية كويت جديدة في عام 2035، من خلال العديد من المشروعات التنموية العملاقة، مثل مدينة الحرير الشهيرة والتنمية من أجل تنويع مصادر الدخل، بعيداً عن مصدر النفط الوحيد، فضلاً عن إنشاء أكبر مدينة تراثية ودار الآثار الإسلامية الفريدة في الكويت، إلا أن مرضه الشديد لم يمهله وقتاً كافياً لتحقيق طموحاته الكبيرة، حتى خطفه الموت، فرحل بوعبدالله بعد أن قدّم عمره خدمة للوطن الغالي، ولكن ستبقى مواقفه الوطنية الصادقة وتضحياته محفورة في قلوب الكويتيين كافة، وسيبقى اسمه رمزاً شجاعاً في ذاكرة أهل الكويت والخليج.

وفي الختام نعزي أنفسنا وأهل الكويت برحيل صاحب الرؤية الثاقبة والقلب الشجاع، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والتضحيات...

اللهم اكتبه مع الشهداء الأبرار، وتغمّد الفقيد بواسع رحمتك وأسكنه فسيح جناتك، وارفع درجاته وثقل موازينه يا أرحم الراحمين، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم ألهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان، «إنا على فراقك يا أبا عبدالله لمحزونون».

Alifairouz1961@outlook.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي