No Script

... عندما تهتزّ «الأسطورة»

تصغير
تكبير

- صحيح أن رونالدو وميسي لا يصلان إلى مستوى عبقرية «الجوهرة السوداء» إلا أنّهما جاراهُ أهدافاً... لا بل تجاوزاه

كان في البال، منذ زمن، أن «الجوهرة السوداء»، البرازيلي بيليه، هو صاحب الرصيد الأكبر من الأهداف في تاريخ كرة القدم.

هذا ما كان يردده كثيرون على مسامعنا، انطلاقاً من ارتباط «بلاد السامبا» بالرياضة الأكثر شعبية، وتحوّل بيليه إلى رمز لها، قبل أن يطفو الأرجنتيني دييغو مارادونا إلى السطح ويتقاسم معه «كيكة العظمة».

1283 هدفاً هو رصيد «الأسطورة» بيليه على نحو ما يدّعي شخصياً، بيد أن 526 منها، بحسب دراسات دقيقة، جاءت في مباريات ودية غير رسمية أو خلال ما كان يُعرف سابقاً بالجولات الاستعراضية أو حتى في مشاركاته مع الفرقة السادسة لخفر السواحل ضمن البطولات العسكرية.

هذا الواقع يحصر رصيد بيليه بـ757 هدفاً فقط في 812 مباراة رسمية (767 في 834 وفق مراجع أخرى) خاضها ضمن صفوف ناديي سانتوس البرازيلي ونيويورك كوزموس الأميركي ومنتخب بلاده.

الحديث كثُر عن بيليه، في الفترة الراهنة، ومردّ ذلك لاعبان شغلا المعمورة: البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي، بعدما نجحا في هزّ عرش «الأيقونة» الذي يُعتبر، في نظر كثيرين، أفضل من لمس الكرة تاريخياً.

صحيح أن «سي آر 7» و«البرغوث» لا يصلان إلى مستوى عبقرية بيليه، إلا أنّهما جاراهُ أهدافاً، لا بل تجاوزاه.

رونالدو مثلاً تخطى بيليه على صعيد الرصيد العام من الأهداف الرسمية إذ يحتل المركز الثاني في اللائحة برصيد 774 هدفاً، متخلّفاً عن النمسوي - التشيكي جوزف بيكان بـ31 هدفاً فقط.

لا شك في أن غزارة أهداف البرتغالي (35 عاماً) كانت سبباً في العودة إلى صفحات التاريخ التي لا تكذّب واقعاً، وهي تشير إلى أن البرازيلي الآخر روماريو هو من يشغل المركز الثالث بـ772 هدفاً أمام بيليه مباشرةً.

من جهته، حقق ميسي (33 عاماً)، إنجازاً جديداً، في الآونة الأخيرة، تمثّل بتسجيله 643 هدفاً مع فريق واحد، معادلاً رقم بيليه الذي حققه مع سانتوس خلال 19 موسماً بين 1956 و1974.

يذهب البعض إلى اعتبار الثنائي «رونالدو - ميسي» أفضل تهديفياً من بيليه، مستندين إلى أرقام، بينها أن الأخير لم يحرز «سوبر هاتريك» (أربعة أهداف) أو أكثر في أي مباراة رسمية، وأن أهدافه مع منتخب بلاده (77 في 92 مباراة) لم تكن بمعظمها حاسمة، مع التركيز على أن كرة قدم اليوم أكثر صعوبة من نظيرتها في عهد بيليه الذي يحتل، بالمناسبة، المركز السابع في لائحة الأكثر تسجيلاً مع المنتخبات.

معلوم أن الإيراني علي دائي يتصدر القائمة بـ109 أهداف مقابل 102 لرونالدو نفسه، بيد أنه من العدل بمكان الاعتراف بواقع أنه، على أيام بيليه، لم تكن تقام مباريات دولية بالكثافة التي نشهدها اليوم لأسباب لوجستية يتعلق معظمها بصعوبة التنقل وتكاليفه.

ويدّعي «أعداء بيليه» بأن الأخير لا يملك أرقاماً شخصية في البطولة الأهم والتي صنعت هالته، كأس العالم، ويتسلّح هؤلاء بواقع أن اللاعب الأكثر تسجيلاً في عموم البطولة هو الألماني ميروسلاف كلوزه (16 هدفاً)، والأكثر تسجيلاً في مباراة نهائية هو الإنكليزي جوف هيرست في 1966 (3 أهداف)، والأكثر تسجيلاً في بطولة واحدة هو الفرنسي جوست فونتين في 1958 (13 هدفاً)، والأكثر تسجيلاً في مباراة واحدة هو الروسي أوليغ سالينكو في 1994 (5 أهداف)، والأكثر فوزاً بالمباريات هو البرازيلي كافو (16).

ويذهب هؤلاء إلى القول بأن بيليه الذي خاض غمار 4 بطولات كأس عالم كان دائماً يجد من يتفوق عليه تهديفياً، ويعزّزون الحجة بالتالي: في موندياله الأول العام 1958 في السويد، توّجت البرازيل بيد أنّ فونتين هو من انتزع لقب الهداف بـ13 هدفاً فيما زار بيليه الشباك في 6 مناسبات فقط.

في كأس العالم 1962 في تشيلي، تقاسم ستة لاعبين لقب الهداف برصيد 4 أهداف لكل منهم، فيما اكتفى البرازيلي بهدف، قبل أن يتكرر الأمر في في إنكلترا 1966 حيث توج البرتغالي أوزيبيو هدافاً بـ9 أهداف مقابل هدف يتيم حمل توقيع بيليه.

وفي مونديال 1970 في المكسيك، انتزع «المدفعجي» الألماني غيرد مولر لقب الهداف بـ10 أهداف مقابل 4 فقط لـ«الجوهرة السوداء».

صحيح أن إدسون آرانتيس دو ناسيمنتو الملقب بـ«بيليه» كان مصاباً في نسختي 1962 و1966، لكنه، في المقابل، تمتّع بلياقة بدنية تامة في 1958 و1970، ولم يحظَ بلقب الهداف.

وفي كأس العالم 1970، لم يكن حتى هداف منتخب بلاده، فقد تفوّق عليه جايرزينيو (7 أهداف).

قال بيليه (80 عاماً) قبل سنوات عندما بدأ نجم ميسي بالبزوغ: «دائماً ما يسألني الناس: متى سيولد بيليه الجديد، فأردّ بأن ذلك مستحيل.

والدي ووالدتي أقفلا المصنع.

عندما يسجل ميسي 1283 هدفاً مثلي، وعندما يحرز كأس العالم ثلاث مرات، نتحدث في الموضوع».

وعلى هذه النقطة، يردّ «أعداء بيليه» بأن على ميسي تسجيل 758 هدفاً (أي أكثر بهدف من الرقم الرسمي لبيليه) بدل 1284 (أي أكثر بهدف من الرقم الذي يدّعيه بيليه) لتجاوز البرازيلي، وأن عليه الفوز بكأس العالم مرتين بدل ثلاث.

ويدّعي هؤلاء بأن بيليه كان عضواً في المنتخب الفائز بكأس العالم 1962 بيد أنه جلس لفترات طويلة من عمر البطولة على دكة الاحتياط حين كان غارينشيا صاحب اليد الطولى في تحقيق اللقب.

وفوق كل ذلك، حظي بيليه في كأس العالم بزملاء من المستوى السوبر، لكن اللافت أنه استبعد معظمهم عندما طُلب منه وضع لائحة بأعظم 125 لاعباً حيّاً.

لم يورد أسماء كبيرة ممن زاملهم، بينهم كارلوس ألبرتو، دجالما سانتوس، نيلتون سانتوس، وريفيلّينو.

وكان من الغريب ألا يورد لاعبين من قماشة غارينشيا الذي ألهم البرازيل للفوز بلقب 1962، فافا الذي سجل ثلاثة أهداف في نهائيين لكأس العالم، وديدي أفضل لاعب في نسخة 1958.

كيف لبيليه، بحسب منتقديه، أن يقصي زملاء له مثل جيرسون، جايرزينيو، جيلمار، توستاو، زيتو، بيلليني وزاغالو؟ وهل حاول التقليل من دور كل هؤلاء كي لا يفتر البريق الملازم لاسمه؟

حتى أنه استبعد زميله «المخلص» في سانتوس، كوتينيو، الذي سجل بالمشاركة معه أكثر من ألف هدف.

لم يكن بيليه وفياً بالتحديد لجيرسون الذي كان بمثابة الإسباني تشافي لميسي، والذي قال عن دوره في كأس العالم 1970: «أفضّل ألف مرة أن أقوم بتمريرة حاسمة على أن أسجل هدفاً.

بالنسبة لي، هذا كان المجد، لأن هذا ما تدربت عليه».

وعلى الرغم من كل ما قيل فيه، وعلى الرغم من اعتزازه المبالغ فيه بنفسه، وفي ظل تحطم أرقامه في عهد الكبيرين «رونالدو وميسي»، يبقى بيليه الوجه الآخر لكرة القدم، ويكفي أنه ملهم الآلاف حول العالم.

قال يوماً: «النجاح ليس وليد الصدفة، بل وليد العمل الشاق والمثابرة والتعلم والدراسة والتضحية، والأهم من ذلك كله، أن تحب ما تقوم به أو الذي تتعلم القيام به».

لا شك في أن بيليه عشق الكرة، فبادلته العشق. وخلاف ذلك... تفاصيل لا تنال من «الأسطورة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي