كما هو واضح في المقابلة الاخيرة، التي أجراها مع قناة الجزيرة الفضائية، حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التركيز على ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، وأشار في حديثه (أن 80 في المئة من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين).
وكعادة السياسيين عندما يرتكبون الأخطاء الفادحة، يبحثون عن التبريرات الجوفاء، حيث ادّعى ماكرون: (ردود الفعل كان مردّها أكاذيب، وتحريفاً كلامياً، ولأن الناس فهموا أنني مؤيّد لهذه الرسوم).
بعيداً عن أسلوب الخداع والمراوغة، التي اتبعها ماكرون، والتي انكشفت أمام أعين الناس وأسماعهم، فقد تفرّد من بين القادة الأوروبيين، كرئيس يتصرّف بغير مسؤولية تجاه دين الإسلام، ومصرّاً على استخدام أسلوب نشر الكراهية ضد المسلمين واستفزازهم، من خلال إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلّم على مباني المرافق العامة، وتأليب الرأي العام الفرنسي عليهم قبل أحداث الاعتداءات، وما أعقبها من ردود أفعال عنيفة، لم يتردد مشايخ المسلمين وعامتهم في إدانتها.
لكن الذي يبدو بوضوح أن تآكل شعبية ماكرون تلعب دوراً أساسياً في هجومه على الإسلام وإثارة قضية الإسلاموفوبيا من جديد، والتي تلاقي قبولاً واسعاً من قِبل الشعبويين الفرنسيين واليمينيين المتطرفين منهم، الذين يكرهون المهاجرين المسلمين وهي الفكرة نفسها التي يتبعها الشعبويون في دول الاتحاد الأوروبي، من أجل دعم شعبيتهم وتسهيل دخولهم في الائتلافات الحكومية، بعد أن حرموا منها لسنوات طويلة، ويعتبر الرئيس الأميركي ترامب - المنتهية ولايته - على درجة كبيرة من الحرفنة في ممارسة لعبة الشعبوية (أميركا أولاً).
فقد شهدت فرنسا شهوراً من تظاهرات أصحاب السترات الصفراء، المحتجين على سياسة ماكرون الاقتصادية التي يغلب عليها التقشّف مع رفع الضرائب وأسعار الوقود التي تستنزف الطبقتين العاملة والمتوسطة، وتدعم الطبقة الغنيّة، وقد طالبوا باستقالته ونعتوه (برئيس الأغنياء)، ولحسن حظه فقد توقفت المظاهرات بسبب تفشي وباء كورونا، مع بقاء أسباب معاودتها عند توافّر الظروف المناسبة.
يبقى أن مسألة دفاع ماكرون عن حرية التعبير والقيم العلمانية الفرنسية، هي مجرد هراء ومن باب التغطية على سياسته في بث مشاعر الإسلاموفوبيا، التي تعتبر ورقة رابحة من أجل التكسّب الانتخابي على حساب المسلمين ودينهم، ولا مانع لديه أن يتحوّل إلى زعيم شعبوي ينافس زميلته الشعبوية مارين لوبان، فالأهداف السياسية تبقى فوق مبادئ القيم العلمانية والغاية تبرر الوسيلة.