الواقع الرقمي الجديد لقطاع التجزئة في ظل «كورونا»
فرضت الأحداث التي يشهدها العالم اليوم تحولات كبيرة، طالت معظم القطاعات الاقتصادية، ولم يكن قطاع التجزئة بمنأى عن هذه التحولات.
وفي ظل ما أفرزته جائحة (كوفيد – 19) من تغيرات على صعيد طرق ونماذج ممارسة الأعمال، يعمل عدد كبير من الشركات العاملة في قطاع التجزئة، على إعادة التفكير في جميع الجوانب المتعلقة بأعمالهم، من أجل الاستعداد للواقع الجديد أو ما بات يعرف على نطاق واسع بـ «الوضع الطبيعي الجديد».
ويتبادر إلى أذهاننا هنا العديد من الأسئلة، هل سيستمر التحول الهائل من جانب المستهلكين نحو اعتماد القنوات الرقمية؟ وفي حال كان الأمر كذلك، فهل تأخذ الاستثمارات الحالية في التكنولوجيا والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، في الاعتبار ما هو مطلوب لكي تتمكن الشركات العاملة في قطاع التجزئة من إشراك المستهلكين بنجاح؟
وبالقدر نفسه من الأهمية، كيف يمكن لهذه الشركات تعزيز إدارتها للتكاليف بينما تقوم في الوقت ذاته بمضاعفة العمليات الخاصة بتعزيز الابتكار للارتقاء بتجارب المستهلكين؟
بالفعل، نشهد مسبقاً محاولة الشركات والعلامات التجارية العاملة عبر صناعات ومجالات فرعية مختلفة داخل قطاع التجزئة، للتكيف مع التحديات الجديدة وإيجاد حلول فعّالة لها.
وبينما تعمل العلامات التجارية المتخصصة في مجال الأزياء، على تحديد طرق نقل منتجاتها وبضائعها وإعادة مخزونات تشكيلاتها الموسمية من الأزياء، تعمل محلات البِقالة على إعادة ابتكار وتعزيز سلاسل التوريد الخاصة بها، لتحسين عمليات التنبؤ بأحجام الطلب وتخصيصه بما يتناسب مع احتياجات المستهلكين.
وتتطلع الشركات في كلا المجالين إلى تنويع محفظة خدماتها لتجنب الاعتماد على مصدر واحد، وتركز جميع الشركات العاملة في قطاع التجزئة والتي لديها متاجر على أرض الواقع، على منح المتسوقين مستوى عالياً من الأمان لتشجيعهم على العودة لزيارة متاجرها.
وفي الوقت الذي يعمل فيه «تجار التجزئة» على تحسين قنوات الإيرادات وجذب متسوقين جدد، فإنهم بحاجة إلى تعزيز كفاءة تكاليف عملياتهم.
وستكون التقنيات السحابية بمثابة عامل التمكين الرئيسي لهذه الشركات، سواء كان ذلك لتجديد وتحسين أداء التطبيقات القديمة بما يضمن توفير قيمة جديدة، أو الارتقاء بكفاءة العمليات في سلسلة التوريد، أو تحسين تجارب العملاء عبر مختلف المجالات والقنوات.
ويوفر الانتقال إلى عالم الخدمات السحابية للشركات العاملة في قطاع التجزئة العديد من الفوائد والإيجابيات، بما في ذلك خفض تكاليف البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات بشكل كبير، ما يمكنها من إعادة تخصيص هذه الأموال للارتقاء بتجارب المستهلكين إلى آفاق ومستويات جديدة.
ويمكن لهذه الشركات بعد ذلك إعادة استثمار الميزانية الجديدة في مبادرات جديدة، مثل مشاريع تعلم الآلة (ML) التي توافر في بعض الأحيان رؤى غير مألوفة أو طرقاً جديدة حول نماذج الأعمال، وسلوكيات المتسوقين والتي يمكن أن تظل غير مكتشفة من دون الاستعانة بهذه الأدوات والحلول.
وتمتد الفوائد التي توافرها التقنيات السحابية، لتشمل تعزيز الكفاءات التشغيلية، وتقديم طرق جديدة يمكن من خلالها إسعاد المتسوقين بناءً على العادات أو السلوكيات الجديدة، التي ظهرت خلال فترة فرض القيود على الحركة نتيجة تفشي الوباء.
ونظراً للمستويات العالية من المرونة وسرعة الاستجابة التي توافرها التقنيات والحلول القائمة على السحابة، نرى اليوم العديد من المشاريع التي كانت تستغرق في السابق سنوات لتبصر النور، والتي يتم إنجازها اليوم في غضون أسابيع فقط، وتلك التي كانت تستغرق أسابيع تصبح قيد التشغيل في غضون أيام معدودة.
وعلى سبيل المثال، تمكن العديد من عملاء «أمازون ويب سيرفيسز» خلال بداية تفشي جائحة «كوفيد – 19»، من إنشاء مراكز اتصال في أقل من يومين لتمكين العاملين عن بُعد، وهنا تكمن سرعة الاستجابة والمرونة التي توافرها التقنيات السحابية.
وبالإضافة إلى الاتجاهات المهمة مثل العمل من المنزل، نورد هنا بعض الطرق التي يعمل من خلالها العملاء على تسريع ابتكاراتهم للتكيف مع متطلبات الواقع الجديد، لا سيّما في ظل هذه الظروف التي تكتنفها حالة من عدم الوضوح، بحيث يقومون بتسريع نقل تطبيقاتهم الأساسية إلى السحابة.
تسخير تقنيات «تعلم الآلة»
تنتقل الشركات العاملة في قطاع التجزئة إلى ما وراء التحليلات التقليدية للبيانات لتطبيق تقنيات «تعلم الآلة»، بهدف الحصول على رؤى غير غير مألوفة وجديدة كلياً، تساعدهم على الاستجابة في الوقت الفعلي تقريباً، والتكيف بشكل سريع مع اتجاهات الأعمال أثناء الأزمات.
ونظراً لأن العديد من خدمات «تعلم الآلة» التي نطورها لا تتطلب أي خبرة في مجال التعلم الآلي، يمكن لتجار التجزئة التدرب على النماذج الجديدة واختبارها وتعلمها وتطبيقها على الفور.
وتُعد متاجر البِقالة من أكثر المستفيدين من هذه الأفكار، ففي بداية تفشي الوباء، شهدت هذه المتاجر نقصاً في المنتجات، بعدما سارع المستهلكون إلى شراء منتجات محددة مثل المطهرات والكمامات بكثرة بغية تخزينها في منازلهم تحسباً لطول فترة الإغلاق.
ومع عودة سلاسل التوريد إلى وضعها الطبيعي، تحتاج محلات ومتاجر البقالة الآن إلى رؤى أفضل لترشيد وحدة إدارة المخزون أو مبيعات المستهلكين، والتمتع بالقدرة على التنبؤ بأحجام الطلب وتخصيصه بما يتناسب مع الاحتياجات.
التحول الرقمي
ومع عودة المتاجر إلى فتح أبوابها، يرغب المتسوقون اليوم في الحصول على أكبر عدد ممكن من التجارب غير التلامسية خوفاً على سلامتهم، بداية من عمليات الدفع عبر الهاتف المحمول التي تتم دون تماس، والتسوق دون الحاجة للتوقف عند المحاسب أو «الكاشير»، وصولاً إلى التسلم الآمن والسهل للمشتريات دون أي احتكاك مباشر.
ويقوم بعض تجار التجزئة اليوم باستخدام تقنية «رؤية الحاسوب» داخل متاجرهم، والتي تساعدهم في الحصول على فهم أفضل لأنماط حركة المستهلكين داخل المتجر، وإعادة تصميم مساحات متاجرهم بما يتناسب مع تدابير التباعد الجسدي.
وتساعد القدرة على تحديد المساحات التي يتواجد فيها المتسوقون بكثافة داخل المتاجر، في إعادة توجيه أنماط حركة المتسوقين بما ينسجم مع الإرشادات الخاصة بالتباعد الجسدي.
إدارة المخزون
من المهم أن يكون تجار التجزئة على دراية تامة في ما يتعلق بمخزون المواد في متاجرهم، إضافة إلى عدد وحدات المتوافرة في كل موقع.
ومن الممكن أن يؤدي فشل بائع التجزئة في معرفة مخزون المواد المتوافرة في متجره في الوقت الفعلي إلى التأثير سلباً على تجربة العميل، وبالتالي تعريض ثقة العميل وولائه للخطر.
وتُعد تقنية رؤية الحاسوب ومستشعرات إنترنت الأشياء مثل تقنية تحديد الهوية بموجات الراديو (RFID)، طرقاً فعالة لتجار التجزئة لتتبع العناصر الموجودة على رفوف متاجرهم في جميع الأوقات فضلاً عن معرفة أي من المنتجات تحتاج إلى تجديد حتى لا يشعر المستهلكون بخيبة أمل عند خوضهم تجربة التسوق.
وبكل تأكيد ستستغرق عملية التحول الكامل لتجربة متاجر البيع بالتجزئة بعض الوقت، وسيتطلب الأمر إعادة النظر في كيف يمكن للرؤية الحاسوبية والروبوتات وإنترنت الأشياء والتقنيات الأخرى، أن تجعل المتاجر أكثر أماناً من جهة، وتوافر للمتسوقين تجربة أفضل من جهة أخرى.
ولن يحدث هذا التغيير بين عشية وضحاها، ولكن من الضروري لتجار التجزئة حماية أنفسهم من الأزمات والتحديات غير المتوقعة في المستقبل من خلال ابتكار طرق فعالة لتجربة واعتماد نماذج جديدة لإشراك العملاء وتعزيز العمليات الداخلية.
* رئيس الإستراتيجية في «أمازون ويب سيرفيسز» لخدمات قطاع التجزئة