دراسة قانونية شاملة تُفصّل كيفية عدم تأثيره على ملاحقة المدير السابق للتأمينات والحجز على أصوله وأمواله

الحكم البريطاني الأخير في قضية الرجعان يرتبط بالاختصاص فقط ويقتصر على 10 من المُدّعى عليهم

المحكمة البريطانية العليا وفي الإطار فهد الرجعان
تصغير
تكبير

- مسائل الاختصاص القضائي الدولي شائكة ويجب أن تدرس بعناية وحذر تجنباً لإضاعة الوقت وزيادة المصاريف والأتعاب
- الرجعان ليس من ضمن الـ 10 الذين طعنوا باختصاص المحاكم البريطانية وصدر الحكم لصالحهم
- الحكم لا يؤثر على المطالبة بالمبالغ المُختلسة ولم يتناول الشق الموضوعي بالقضية
- الدعوى تشمل 37 ما بين أشخاص وبنوك ومؤسسات في بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي وخارجها
- القرار الجديد لا يعني عدم استحقاق مبلغ 500 مليون دولار تجاه الـ 10 وإنما يجب إقامة الدعوى عليهم وفق قواعد الاختصاص القضائي الدولي
- حتى لو تغيّر الحكم في الاستئناف هناك صعوبة في تنفيذه لأن المعنيين به ليس لهم ارتباط ببريطانيا
- الطاعنون باختصاص المحكمة ينقسمون إلى 3 مجموعات:
- المجموعة الأولى لديها موطن في دول الاتحاد الأوروبي لكن عقدها مع التأمينات ينص على اختصاص محاكم جنيف أو لوكسمبورغ
- المجموعة الثانية ليست طرفاً باتفاقات مع «التأمينات» بشأن المحاكم لكنها ربطت مقاضاتها بمقاضاة المجموعة الأولى
- المجموعة الثالثة تضم مؤسسات مالية خارج بريطانيا والاتحاد الأوروبي ورأت المحكمة أن الأنسب مقاضاتها في جنيف أيضاً

في يوم الجمعة الماضي الموافق 6 نوفمبر 2020، أصدرت المحكمة العليا البريطانية حكمها بالدعوى المرفوعة من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والتي تحمل الرقم (CL-2019-000118)، ضد المدعى عليه الأول فهد الرجعان – المدير السابق لمؤسسة التأمينات، و36 شخصاً آخرين من بينهم بنوك ومؤسسات مالية أجنبية.

تطالب مؤسسة التأمينات في هذه الدعوى المدعى عليهم بمبلغ إجمالي وقدره 847.7 مليون دولار أميركي ناشئة عن عمليات وتحويلات مالية، حصلت بين العام 1994 والعام 2014، تحمل شبهة فساد وتنتهك المال العام الكويتي وقوانين الرشوة.

أثار هذا الحكم تساؤلات عدة من قبل الشارع الكويتي، من أبرزها ما موضوع هذا الحكم؟ وما سبب خسارة المؤسسة لهذا الحكم؟ وهل هذه الخسارة تعني عدم إمكانية تحصيل المبلغ المطالب به من قبل المؤسسة وقدره 847.7 مليون دولار أميركي؟ وهل خسارة هذا الحكم تؤثر سلباً على الحجوزات الصادرة سابقاً على أموال وأصول الرجعان؟ تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن تلك التساؤلات لما لها من أهمية لدى القانونيين المختصين والسياسيين والمجتمع الكويتي.

موضوع الحكم

بدايةً لابد من التوضيح بأن في المنازعات الدولية التي تكون عناصر المنازعة من أطراف ومحل وسبب مرتبطة بدول عدة مختلفة، يثور التساؤل في شأن اختصاص المحكمة الدولية بنظر النزاع، أي هل المحكمة المرفوع النزاع أمامها مختصة بنظر النزاع أم لا؟ والجدير بالذكر بأن فحص المحكمة وتقريرها لمدى اختصاصها بنظر الدعوى أو النزاع يكون قبل خوضها ونظرها لموضوع الدعوى.

أما في ما يتعلق بقضية فهد الرجعان، فإن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية قامت برفع دعوى أمام المحاكم البريطانية ضد الرجعان و36 شخصاً آخرين تطالبهم بمبلغ إجمالي وقدره 847.7 مليون دولار، وبما أن الدعوى محل هذه الدراسة هي دعوى مرفوعة أمام المحاكم البريطانية من قبل مؤسسة كويتية ضد شخص كويتي مقيم ببريطانيا (فهد الرجعان) وأشخاص آخرين طبيعيين واعتباريين البعض منهم ليس له صلة ببريطانيا، فإن هذه الدعوى تعتبر منازعة دولية، ما يثير مسألة مهمة وهي مسألة اختصاص المحاكم البريطانية بنظر هذه الدعوى، وعليه فقد قُدمت طعون من قبل عشرة أشخاص من المدعى عليهم الـ37 في الدعوى المرفوعة من قبل التأمينات الاجتماعية، يزعمون بعدم اختصاص المحاكم البريطانية بنظر النزاع بمواجهتهم.

بناء على ما سبق، فإن الحكم الصادر من المحاكم البريطانية - محل هذه الدراسة - والذي أثار جدلاً في المجتمع الكويتي ومن قبل سياسيين وقانونيين، هو حكم صادر لصالح هؤلاء العشرة فقط، الذين طعنوا باختصاص المحاكم البريطانية بنظر الدعوى المرفوعة ضدهم من قبل «التأمينات»، ومن المهم توضيح أن المدعى عليه الأول بالدعوى (فهد الرجعان) ليس من ضمن هؤلاء الأشخاص الـ10 الذين طعنوا باختصاص المحاكم البريطانية والذين صدر الحكم لصالحهم، وعليه فإن هذا الحكم لا يؤثر على مطالبة فهد الرجعان وبقية المدعى عليهم بالمبالغ المشتبه باختلاسها، وكذلك أيضاً لم يتناول هذا الحكم الشق الموضوعي بالقضية والمتعلق بالمطالبة المالية لهؤلاء العشرة التي تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار أميركي، وإنما فقط يتعلق بمدى الاختصاص الدولي للمحاكم البريطانية بنظر النزاع ضد هؤلاء العشرة من المدعى عليهم.



اختصاص المحاكم البريطانية بنظر الدعوى وفقاً لما استندت عليه «المؤسسة»

ابتداءً، استندت مؤسسة التأمينات في دعواها على اختصاص المحاكم البريطانية بنظر الدعوى ضد المدعى عليه الأول فهد الرجعان إلى المادة 4 فقرة (1) من لائحة بروكسل الأوروبية (Brussels I Recast) الخاصة بالاختصاص القضائي الدولي، والتي تنص على أن تكون محاكم الدولة التي يقيم فيها المدعى عليه مختصة بنظر النزاع الذي يرفع عليه، إذا كان يدخل النزاع في نطاق الاتفاقية، وذلك بغض النظر عن جنسية المدعى عليه. وبما أن فهد الرجعان هو مدعى عليه مُقيم في بريطانيا فقد تم رفع الدعوى ضده في بريطانيا استناداً إلى الاختصاص المبني على موطن المدعى عليه المنظم من في المادة 4 فقرة (1) من لائحة بروكسل الأوروبية.

أما في ما يخص بقية المدعى عليهم غير المتوطنين في بريطانيا من أشخاص ومؤسسات مالية ولكن متوطنين في إحدى دول الاتحاد الأوروبي، فإن المؤسسة ادعت اختصاص المحاكم البريطانية بنظر النزاع ضدهم استناداً إلى الاختصاص المبني على ارتباط المدعى عليهم بالدعوى والمنصوص عليه في المادة 6 (1) من اتفاقية لوغانو (Lugano Convention)، ونظيرتها المادة 8 (1) من لائحة بروكسل الأوروبية (Brussels I Recast).

أما بالنسبة للمدعى عليهم المتوطنين خارج دول الاتحاد الأوروبي، فإن المؤسسة العامة للتأمينات ادعت اختصاص المحاكم البريطانية على هؤلاء المدعى عليهم، استناداً إلى المادة 6.36 من التوجيه العملي البريطاني (CPR/Practice Direction) والخاصة أيضاً بالاختصاص المبني على ارتباط المدعى عليهم بالدعوى.

مفاد هذا الاختصاص المبني على ارتباط المدعى عليهم، بأنه يجوز مقاضاة أي شخص متوطن بدولة طرف بهذه الاتفاقية بالنسبة لاتفاقية لوغانو أو عضو من أعضاء الاتحاد الأوربي بالنسبة للائحة بروكسل الأوروبية إذا كان أحد المدعى عليهم متوطن في الدولة مكان رفع الدعوى، شريطة أن تكون الدعوى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، بحيث يكون من المناسب مقاضاة جميع المدعى عليهم أمام محاكم دولة واحدة تجنباً لتضارب الأحكام.

فهذا الاختصاص ينطبق عندما تُرفع أمام المحاكم البريطانية دعوى ويكون المدعى عليهم عدة أشخاص (طبيعيين أو اعتباريين) ويكون أحد هؤلاء المدعى عليهم متوطن في بريطانيا، فتكون المحاكم البريطانية مختصة هنا ليس فقط على هذا المدعى عليه المتوطن ببريطانيا وحده، إنما تكون مختصة أيضاً بنظر النزاع ضد جميع المدعى عليهم، وذلك لحسن سير العدالة ومنع تضارب الأحكام، وتوفير المال والوقت، وذلك من خلال ضم جميع المدعى عليهم بالدعوى ليصدر بهم حكم واحد من جهة قضائية واحدة.



الطعن بعدم اختصاص المحاكم البريطانية

عشرة أشخاص من المدعى عليهم في الدعوى المرفوعة من قبل مؤسسة التأمينات، طعنوا باختصاص المحاكم البريطانية بنظر النزاع. جادل هؤلاء العشرة بهذه الدعوى بعدم توافر الاختصاص المبني على ارتباط المدعى عليهم بالدعوى، وعليه قدموا طعناً في بداية نظر الدعوى مفاده عدم اختصاص المحاكم البريطانية بالدعوى، وبالتالي يطلبون من المحكمة أن تحكم بعدم الاختصاص تجاههم ولا تنظر بموضوع الدعوى.

وفقاً لمركزهم القانوني، يمكن تقسيم هؤلاء المدعى عليهم إلى ثلاث مجموعات، لبيان دفاعهم وكيف استجابت المحكمة في حكمها لطلبهم.

المجموعة الأولى

المدعى عليهم بالمجموعة الأولى لديهم موطن بدول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي قوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة بالاختصاص القضائي الدولي تنطبق عليهم، ولكن هؤلاء يدعون بأن هناك شرط اختيار محكمة حصري بينهم وبين مؤسسة التأمينات لصالح إما محاكم جنيف وإما محاكم لكسمبورغ بعقود مبرمة سابقاً بينهم وبين مؤسسة التأمينات، والتي تعتبر هي أساس المطالبة، أي أنه في العقد المبرم بينهم وبين التأمينات الاجتماعية هناك شرط باختيار محاكم جنيف أو محاكم لكسمبورغ لنظر أي نزاع يثور بينهم بخصوص العقد المبرم، وأنه تم مسبقاً الموافقة على التقاضي من قبل هؤلاء المدعى عليهم أمام محاكم جنيف، وبالتالي على المحاكم البريطانية أن تحكم بعدم اختصاصها في نظر الدعوى، لكون المحاكم المختصة بنظر النزاع هي محاكم جنيف، وذلك تنفيذاً واحتراماً لشرط اتفاق المحكمة الوارد في العقد المبرم بينهم وبين التأمينات الاجتماعية والمتوافق مع أحكام المادة 23 (1) من اتفاقية لوغانو ونظيرتها المادة 25 (1) من لائحة بروكسل الأوروبية.

وقبل أن نبيّن موقف المحكمة من هذا الدفع، فإنه من الأهمية بيان ماذا يقصد بشرط اختيار المحكمة الحصري.

هذا الشرط يعتبر حالة من حالات الاختصاص الواردة بغالبية قوانين دول العالم، وهو عبارة عن بند يتفق فيه الأطراف أن يتقاضوا أمام محاكم دولة معينة في ما إذا حصل نزاع ناتج عن علاقاتهم التعاقدية. هذا الشرط إما أن يتخذ صورة اتفاقات غير حصرية وإما اتفاقات حصرية.

النوع الأول يهدف إلى اختصاص محاكم دولة معينة بالنزاع، من دون أن يحجب بقية محاكم الدول التي تكون مختصة أساساً بالنزاع. ومثال ذلك أن ينص الأفراد بعقدهم على أنه (تختص محاكم جنيف بمختلف درجاتها بنظر أي نزاع ينشأ بسبب تنفيذ أو تفسير بند من بنود هذا العقد). ونلاحظ هنا أن أثر الاتفاقات غير الحصرية يكون إيجابياً فقط، وهو جلب الاختصاص إلى محاكم جنيف من دون نفي الاختصاص عن بقية محاكم الدول التي تكون مختصة أصلاً بالدعوى وفقاً لقواعدها الداخلية.

أما النوع الآخر من شرط اختيار المحكمة، وهو المعني في الدعوى محل هذه الدراسة، فيطلق عليه «اتفاقات حصرية» وهي التي تهدف إلى اختصاص محاكم بلد معين بالنزاع دون غيره من محاكم الدول الأخرى. ومثال ذلك أن ينص الأفراد بعقدهم على أن (تختص محاكم جنيف بمختلف درجاتها دون غيرها من محاكم الدول الأخرى بنظر أي نزاع ينشأ بسبب تنفيذ أو تفسير بند من بنود هذا العقد).

فهنا نلاحظ أن النوع الثاني من الاتفاقات الذي يسمى بالاتفاقات الحصرية له وجهان: وجه إيجابي وهو جلب الاختصاص لمحاكم جنيف، ووجه سلبي وهو سلب الاختصاص من محاكم الدول المختصة أصلاً بالنزاع وفقاً لقواعدها الداخلية.

وبالرجوع إلى القضية موضوع هذه الدراسة، فإن المحاكم البريطانية وجدت بأن هناك فعلاً شرط اختيار محكمة حصري لصالح محاكم جنيف ولكسمبورغ يتوافق مع أحكام المادة 23 (1) من اتفاقية لوغانو ونظيرتها المادة 25 (1) من لائحة بروكسل الأوروبية، ومثل ما تم بيانه بأن هذه النوعية يكون لها أثر إيجابي وسلبي، الأثر الإيجابي هو جلب الاختصاص بنظر النزاع لمحاكم جنيف ولكسمبورغ، وعلى هاتين المحكمتين المتفق عليهما قبول الاختصاص، والأثر السلبي هو أن على محاكم الدول الأخرى رفض الاختصاص، وبالتالي فإن محكمة بريطانيا في هذا الحكم حكمت بعدم اختصاصها تجاه هؤلاء المدعى عليهم بالمجموعة الأولى، وطلبت من مؤسسة التأمينات أن تقاضي هؤلاء أمام محاكم جنيف، كون أن المؤسسة العامة للتأمينات موافقة مسبقاً بشرط اختيار محكمة حصري لصالح محاكم جنيف في عقدها المبرم مع المدعى عليهم العشرة.

المجموعة الثانية

أما المجموعة الثانية من المدعى عليهم ممن طعن باختصاص المحاكم البريطانية فهم كذلك لديهم موطن بدول الاتحاد الأوروبي، لكنهم ليسوا طرفاً مع مؤسسة التأمينات باتفاقات حصرية خاصة باختيار محاكم أجنبية، كما في المجموعة الأولى، ولكنهم طعنوا بعدم اختصاص المحاكم البريطانية بنظر النزاع استناداً إلى عدم صحة ما تدّعيه المؤسسة بأنه من الأنسب مقاضاتهم أمام المحاكم البريطانية وفقاً للاختصاص المبني على ارتباط المدعى عليهم بالدعوى المنصوص عليه في المادة 6 (1) من اتفاقية لوغانو، أو نظيرتها في المادة 8 (1) من لائحة بروكسل الأوروبية، وادعوا بأنه من الأنسب أن تتم مقاضاتهم مع المجموعة الأولى أمام محاكم جنيف نظراً لارتباط قضيتهم مع قضية المجموعة الأولى.

والجدير بالذكر بأنه هنا يقع الالتزام على عاتق مؤسسة التأمينات بإثبات تحقق جميع الشروط الخاصة بالاختصاص المبني على ارتباط المدعى عليهم بالدعوى الأصلية، وهما كالآتي:

- الشرط الأول: أن تكون هناك دعوى ضد مدعى عليه رئيسي مختصة المحاكم البريطانية بها وفقاً لوجود موطن لهذا المدعى عليه ببريطانيا.

- الشرط الثاني: أن تكون هذه الدعوى/الدعاوى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالدعوى المرفوعة على الأجنبي الذي ليس له موطن ببريطانيا.

- الشرط الثالث: أن عدم نظر الدعويين معاً أمام محاكم بريطانيا سيؤدي إلى احتمالية تعارض بالأحكام. المحاكم البريطانية في هذا الشق من حكمها استقرت بأنه على رغم من توافر الشرط الأول وهو وجود اختصاص للمحاكم البريطانية على المدعى عليه الرئيسي المبني على التوطن في بريطانيا، إلا أن من واقع الأوراق والأدلة لم يثبت لدى المحكمة أن موضوع دعوى المدعى عليهم بالمجموعة الثانية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدعوى الأصلية، وإنما مرتبط أكثر بالدعوى الخاصة في المجموعة الأولى، وكذلك أيضاً لم يثبت بأن نظر هذه الدعوى أمام المحاكم البريطانية سيؤدي إلى تعارض بالأحكام، وإنما العكس هو الصحيح تماماً، فإذا نظرت المحاكم البريطانية الدعوى الخاصة بالمجموعة الثانية مع وجود دعوى أمام محاكم جنيف خاصة بالمجموعة الأولى فهنا تتحقق احتمالية تعارض الأحكام.

وعليه، حكمت المحكمة البريطانية في هذا الحكم بعدم اختصاصها تجاه هؤلاء المدعى عليهم بالمجموعة الثانية استناداً إلى عدم انطباق الاختصاص المبني على ارتباط المدعى عليهم المنصوص عليه في المادة 6 (1) من اتفاقية لوغانو، أو نظيرتها في المادة 8 (1) من لائحة بروكسل الأوروبية، وبينت بأنه من الأنسب أن تتم مقاضاة هؤلاء أمام محكمة جنيف مع المجموعة الأولى لارتباطهم مع بعض ومنعاً لتضارب الأحكام.

المجموعة الثالثة

كذلك مؤسسة التأمينات في هذه المجموعة تسعى لاختصامهم أمام محاكم بريطانيا بناءً على الاختصاص المبني على ارتباط المدعى عليهم، ولكن ليس وفقاً للمادة 6 (1) من اتفاقية لوغانو، أو نظيرتها في المادة 8 (1) من لائحة بروكسل الأوروبية، كما في المجموعة الأولى والثانية، وإنما وفقاً لقوانين بريطانيا التقليدية الخاصة بالاختصاص القضائي الدولي تحديداً المادة 6.36 من التوجيه العملي البريطاني، وذلك لأن هذه المجموعة عبارة عن مؤسسات مالية خارج بريطانيا والاتحاد الأوروبي، لذلك لا تنطبق عليهم قوانين الاتحاد الخاصة باتفاقية لوغانو وتوجيهه بروكسل، وإنما تنطبق عليهم قوانين بريطانيا التقليدية الخاصة بالاختصاص القضائي الدولي.

بما أن قوانين الاتحاد الأوروبي لا تطبق على هذه المجموعة وإنما قوانين بريطانيا الداخلية الخاصة بالاختصاص هي الواجبة التطبيق، استغلت هذه المجموعة هذا الأمر وطلبت من المحكمة أيضاً الحكم بعدم الاختصاص تجاههم كذلك استناداً إلى مبدأ «ملاءمة المحكمة المختصة» (forum non conveniens) والتي تأخذ به التشريعات ذات النظام الأنغلوساكسوني (common law) منذ سنة 1987 بالقضية الشهيرة (Spiliada Maritime Corporation v Cansulex Ltd).

مفاد هذا المبدأ هو أنه ممكن للمحكمة أن تحكم بعدم الاختصاص وتقوم بتكليف المدعي برفع النزاع أمام محاكم دولة أجنبية، إذا كانت غالبية عناصر النزاع يتصل بتلك الدولة الأجنبية بدلاً من الدولة المنظور أمامها النزاع.

بالرجوع إلى القضية موضوع هذه الدراسة فإن المحاكم البريطانية وجدت بأن محاكمها ليست هي الأنسب لمقاضاة هذه المجموعة، وإنما محاكم جنيف هي الأنسب وذلك لأسباب عدة:

- أولاً: الكثير من الأدلة والوثائق السرية المتعلقة بهذه الدعوى موجودة في سويسرا وليس ببريطانيا، وبالتالي من الأسهل على محاكم جنيف الوصول لهذه الأدلة لخدمة الدعوى من محاكم بريطانيا.

- ثانياً: هناك شهود بهذه القضية مقيمون في سويسرا، فمن السهل على محاكم جنيف أن تطلب منهم بالإدلاء بشهادتهم.

- ثالثاً: أن القانون الواجب التطبيق على النزاع هو ليس القانون البريطاني وإنما القانون السويسري والقانون الكويتي، وبالتالي إذا نظرت المحاكم البريطانية الدعوى، فعليها أن تطبق قانونين أجنبيين، وهذا يحتاج ترجمة وخبرة ووقتاً إضافياً، أما إذا نظرت محاكم جنيف القضية فإنها ستطبق قانونها والقانون الكويتي، وبالتالي فإنه سيكون هناك قانون أجنبي واحد واجب التطبيق أمام محاكم جنيف، وهذا سيقلل من وقت ومصاريف الترجمة.

- أخيراً: إن نظر النزاع أمام المحاكم البريطانية على هذه المجموعة سينتج احتمالية تعارض بالأحكام مع الدعاوى الخاصة بالمجموعة الأولى والثانية المفترض نظرهم أمام محاكم جنيف لارتباطهم مع بعض. ولهذه الأسباب ولعدم كذلك استطاعة مؤسسة التأمينات أن تُبيّن بشكل واضح أن المحاكم البريطانية هي المحاكم الأنسب لنظر النزاع، حكمت المحكمة كما في المجموعة الأولى والثانية بعدم اختصاصها على هؤلاء المدعى عليهم في المجموعة الثالثة، ولكن هنا وفقاً لمبدأ «ملاءمة المحكمة المختصة» لارتباط عناصر النزاع بسويسرا بدلاً من بريطانيا.



أثر الحكم على المبالغ والحجوزات على الأموال

إن هذا الحكم يتعلق باختصاص المحاكم البريطانية، حيث حكمت المحكمة بعدم اختصاصها على عشرة فقط من المدعى عليهم تبلغ قيمة مطالباتهم 500 مليون دولار أميركي – ليس من بينهم المدعى عليه الأول فهد الرجعان، وبالتالي فإن هذا الحكم لن يؤثر على مطالبات التأمينات على بقية المدعى عليهم والتي مازالت الدعوى منظورة أمام المحاكم البريطانية تجاههم، وكذلك لن يؤثر على أي حجوزات قد صدرت سابقاً من القضاء البريطاني على أموال وأصول المدعى عليه الأول فهد الرجعان، وذلك لأنه ليس من ضمن العشرة المدعى عليهم الذين صدر الحكم لصالحهم.

وأيضاً كما بيّنا بأن هذا الحكم لم يتناول الشق الموضوعي للقضية، وإنما كان مقتصراً على مسائل الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم البريطانية.

وأخيراً، فإن هذا الحكم لا يعني بتاتاً عدم استحقاق مؤسسة التأمينات لمبلغ 500 مليون دولار أميركي تجاه المدعى عليهم الـ10، وإنما على المؤسسة أن ترفع دعواها أمام المحكمة المختصة وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي بنظر النزاع.



الخلاصة

إن مسائل الاختصاص القضائي الدولي من المسائل المهمة والشائكة والتي يجب أن تدرس وتبحث بعناية قبل رفع الدعوى، وذلك لتجنب إضاعة الوقت وتجنب زيادة المصاريف وأتعاب المحاماة، وفي هذه الدعوى الماثلة أمامنا عشرة من المدعى عليهم ثبت عدم توافر ارتباطهم في بريطانيا وبالتالي لم تختص المحاكم البريطانية تجاههم، فهنا المؤسسة العامة للتأمينات إن استأنفت الحكم الصادر لصالح هؤلاء محل هذه الدراسة ولم تكسبه، فإن عليها مقاضاة هؤلاء مجدداً أمام المحاكم المختصة (جنيف) ودفع رسوم جديدة للتقاضي أمام تلك المحاكم بالإضافة إلى أتعاب المحاماة.

كذلك على فرض أن المؤسسة العامة للتأمينات كسبت الحكم بالاستئناف، فما هو واضح من الحكم موضوع هذه الدراسة هو أن هؤلاء المدعى عليهم العشرة ليس لهم ارتباط ببريطانيا، وبالتالي فإن مؤسسة التأمينات ستواجه معركة قانونية جديدة في تنفيذ الحكم البريطاني في دول هؤلاء المدعى عليهم العشرة، وبالتأكيد ستكون هناك رسوم محاكم وأتعاب محاماة في معركة تنفيذ الحكم الأجنبي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي