حين يضرب الله لنا الأمثال يريد بذلك تقريب المسائل إلى عقولنا، وبيان الشيء الغامض بشيء واضح، كما في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) وهذا تشبيه تمثيلي بليغ، شبه فيه المشركون في اعتمادهم على آلهتهم واغترارهم بها، بحال العنكبوت تتخذ لنفسها بيتاً تحسبه قوياً بينما هو أوهن وأضعف البيوت، وقد ورد في تفسير القدماء أن هذا مثل ضربه الله تعالى لمن أشرك به باتخاذهم أولياء من دونه يدعونهم، ويسألونهم قضاء الحاجات، ويرجون نصرهم ورزقهم، ويتمسكون بهم عند الملمات والشدائد فهم في ذلك كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً يحميها ويؤويها، وإن هذا البيت لا ينفعها بوجه من الوجوه لا يقيها حراً ولا قراً ولا مطراً ولا يدفع عنها عدواً وكذلك الأصنام لا تنفع عابديها.
ومع الاكتشاف العلمي الحديث تبيّن أن بيت العنكبوت لا يقتصر على الوهن الحسي الظاهر في بنائه فقط، بل هناك وهن معنوي، فهو أوهن وأضعف البيوت على الصعيدين الماديّ والمعنويّ؛ لأنه بيت يخلو من المودة والرحمة؛ وذلك بأن الأنثى في بعض أنواع العنكبوت تقضي على الذكر بمجرد إتمام عملية الإخصاب وذلك بقتله وافتراسه لأنها أكبر حجماً منه وقد تَلْتَهم الأنثى صغارها من دون أدنى رحمة، وبعد أن يفقس البيض تخرج العناكب الصغيرة وتجد الازدحام داخل الكيس فيبدأ الإخوة في الاقتتال من أجل الطعام أو المكان فيقتل الأخ أخاه.
ويتضح من ذلك أن العلاقة الأسرية بين العناكب علاقة ضعيفة موقتة، تحكمها المصلحة حتى إذا انقضت المصلحة انقلبوا أعداءً يقتل بعضهم بعضاً، ويكون وجه الشبه في المثال المضروب في القرآن الكريم واضحاً جداً، حيث إن الذين يتخذون من دون الله أولياء إنما يتخذونهم لمحاولة تحقيق مصالح دنيوية، حتى إذا تحققت هذه المصالح انقلبوا أعداءً كأسرة العنكبوت؛ فالتشبيه لبيان تقطيع الروابط بين الكافرين وما يعبدون من دون الله تعالى؛ فقد جمع المثل بين الضعف المادي كما في التفسير الأول، والضعف المعنوي المكتشف اليوم، وعندما ضرب الله تعالى لنا المثل، أبرز جانباً من إعجاز القرآن الكريم، فهي معلومة ذُكرت في القرآن الكريم قبل مئات السنين، ولم يعرفها العالم سوى في العصر الحديث.
aalsenan@hotmail.com
aaalsenan @