إيران مستعدّة للتفاوض مع بايدن... ولكن
انتظر دونالد ترامب طويلاً قرب الهاتف على أن يكون المتّصل على الطرف الآخَر، إيران الخاضعة لعقوبته الأقسى التي خَنَقَ بها «الجمهورية الإسلامية» بشكل غير مسبوق. إلا أن هذا الاتصال لم يأتِ لأن طهران احترمت قرارها بعدم إعطاء الرئيس الجمهوري أي ورقة رابحة يفاوض عليها ويستخدمها في فوزه الانتخابي الذي ذهب أدراج الرياح.
والتزمت إيران بهذا الخيار لأن حملة الرئيس المنتخب جو بايدن وعدتْ بمعاودة وضع الاتفاق النووي على طاولة المفاوضات واحترام الاتفاقات الدولية التي وقّعت عليها الأمم المتحدة والدول ذات العضوية الدائمة ومعها ألمانيا بما عُرف بالاتفاق النووي. إلا أن بايدن لم يقُل إنه سيعيد الاتفاق الذي وقّعه أوباما كما هو من دون تعديل. ولكن طهران تعلم جيداً مضمون المفاوضات التي سيُخْرِج الرئيس المنتخَب بنودَها من جعبته، فماذا سيكون ردّها؟ لا شك في أن طهران استطاعت حرْف نظر العالم مستغلّة أن لا أحد صدّقها حين أعلنت أنها غير مهتمة بصناعة القدرات النووية العسكرية، فتماشت مع الفكرة وفاوضت على قدراتٍ لا تريد امتلاكها لأسباب دينية وعسكرية ومالية، وأيضاً لأن لا دولة في العالم استخدمت الصواريخ النووية لديها منذ الحرب العالمية الثانية العام 1945 ما عدا ضربتي هيروشيما وناكازاكي.
ومن الواضح أن امتلاك إيران للقوة النووية العسكرية سيمثّل قوة رادعة تمنع أميركا وإسرائيل، أو أي دولة أخرى من التفكير بمهاجمتها. إلا أن قدراتها الصاروخية أصبحت قوة رادعة ذات أهمية كبرى تمنع على أي دولة مهاجمتها.
إذاً عملتْ إيران ومن دون اعتراض أحد على منظومة الصواريخ الدقيقة وقدّمت مشروع الصناعة النووية العسكرية على طاولة المفاوضات وأصبحتْ قوةً إقليمية عظمى تملك ترسانة صواريخ إستراتيجية دقيقة، ووصلت إلى مستوى دفاعي محلي متقدّم جداً تستطيع فيه توجيه أي ضربة ضدّ أي دولة معتدية عليها.
وتنبه ترامب إلى ما سماه «خطأ الرئيس باراك أوباما» بتوقيع الاتفاق النووي من دون الالتفات للقدرات الصاروخية الإستراتيجية، وأراد معاودة التفاوض الذي رفضتْه إيران. وجلّ ما استطاع مستشاروه إخراجه من جعبتهم تمثّل بالعقوبات القصوى التي لم تُرْكِع إيران. وقد خرج ترامب من السلطة قبل أن تقبل طهران التكلم معه، هو الذي حاول 9 مرات التواصل المباشر معها من دون أن يجد صدى.
وتقول مصادر قيادية في إيران، إنها «تنتظر من بايدن أن يحترم الاتفاق الدولي والشرعية الدولية. أما إذا أراد التفاوض من جديد على الاتفاق النووي، فهذا لن يحصل لأنه اتفاق على القدرات النووية العسكرية التي التزمتْ طهران بألا تحاول الحصول عليها. ولكن إذا أراد بايدن التفاوض على الصواريخ البالستية والصواريخ الدفاعية، فإيران جاهزة لذلك من دون أدنى شك».
وتشرح المصادر أن «صواريخ إيران تمثّل منظومة دفاعية وليست هجومية، فإيران لم تهاجم ولم تعلن الحرب على أي دولة منذ 1979 عند انتصار الثورة. وتالياً فإن التفاوض مع إيران حول الصواريخ البالستية الدقيقة ممكن من خلال شروط:
1 - سحْب الصواريخ البالستية الإسرائيلية التي تستطيع تهديد إيران.
2 - سحْب الأسلحة النووية الإسرائيلية التي تستطيع من خلالها تهديد إيران.
3 - الحدّ من المجال الحيوي لأي دولةٍ مجاورة على ألا تتجاوز قدراتها الصاروخية أكثر من 400 كيلومتر.
4 - عدم وجود طائرات إستراتيجية لدى دول الجوار وإسرائيل التي تستطيع الوصول إلى إيران وضربها مثل مقاتلات «اف - 35» و«اف - 15».
5 - عدم وجود صواريخ إستراتيجية في كل القواعد الأميركية في الشرق الأوسط والتي تستطيع من خلالها قصْف إيران، وتالياً يجب تفكيكها وسحبها من المنطقة.
6 - عدم امتلاك إسرائيل غواصات «دولفين» تستطيع من خلالها ضرب إيران بعد إبحارها في البحر الأحمر وخليج عُمان لتصل إلى حدود إيران البحرية.
ومن الواضح أن طهران تريد أن يُرفع التهديدُ الصاروخي عنها قبل أن تقبل بالتفاوض على قدراتها الصاروخية الدفاعية، وبالتالي فإن أي محاولةٍ لإعادة المفاوضات النووية وإدخال موضوع الصواريخ ما هو إلا نعي للمفاوضات.
فطهران لن تقبل بتجريدها من قدراتها الصاروخية ولا بالتخلي عن حلفائها وهي ستمضي بالمسيرة للاقتراب من القدرات العسكرية النووية، إذا كان بايدن يعتقد أنه يستطيع إكمال مشوار ترامب ولو جزئياً.
ولن تقبل إيران التفاوض قبل رفْع العقوبات عنها، لأن أي مفاوضات في ظل العقوبات تُعتبر «مفاوضات بالنار» ترفضها القيادة الإيرانية التي لا تثق أبداً بأميركا حتى ولو تغيّر ترامب بالرئيس المنتخب بايدن. أما اللقاء الإيراني - الأميركي فهو مؤجَّل للسنة المقبلة بعد تسلم بايدن الرئاسة.
وتبقى قيادة إيران غير متفائلة بالأهداف الأميركية تجاهها، وتعتبر أن ترامب وبايدن هما «وجهان لعملة واحدة»، وإدارة واحدة مع أدوات ناعمة وأخرى خشنة.