No Script

كلمات من القلب

الحب والنشوة وهرمون الدوبامين

تصغير
تكبير

نحن نعيش في عالم دائم التغيّر، خصوصاً في العصر الحالي، الذي يحدث فيه التغيير بسرعة أكبر من أي وقت مضى، ورغم هذه الحقيقة إلا أن هناك الكثير من الناس يخشى ويخاف التغيير ويفضل البقاء عالقاً في روتين الحياة اليومية، بل ويقاوم أي محاولة للتغيير، لأنه يرى أن التغيير يعني الدخول في عالم مجهول وغير معلوم - والذي يخاف منه أغلب الناس - فهو يرى أن حياته بمساوئها معلومة وواضحة، ولكن التغيير ونتائجه فهو مجهول ومنطقة مظلمة بالنسبة له، فلا يريد أن يجازف في تغيير وضعه ومسار حياته.

ولذلك يفوّت هؤلاء على أنفسهم الكثير من الفرص، وعندما يرون غيرهم ناجحاً ومتفوقاً فهم يلومون ظروف الحياة، وأنهم ظُلموا في هذه الدنيا ولم يأخذوا فرصتهم في الحياة.

فالزوجة تحمّل أهل الزوج فشل حياتها وعيشتها غير المستقرة مع زوجها، والزوج يحمّل زوجته المسؤولية الكبرى في مشاكل البيت، والموظف يحمّل المدير في عدم ترقيته والطالب يحمّل المدرس والإدارة سبب رسوبه أو عدم تفوقه، ويتناسون أنهم أهم أسباب فشل حياتهم، لأنهم لا يرغبون في تغيير واقعهم.

إن الذين لا يرغبون في تغيير واقعهم أو طبائعهم، ويفضلون البقاء في منطقة الراحة ومستمتعين بعدم الإنجاز والتغير وكسالى في حياتهم، هم في الحقيقة يطلق عليهم مدمنو الراحة، وهذه الحالة تم تفسيرها علمياً، حيث اكتشف العلماء وجود هرمون يسمى هرمون (الدوبامين)، هو المسبب لهذا الإدمان ويصدر من المنطقة «السقفية» من المخ، حيث يبث في جسم الإنسان ويعطيه شعور النشوة واللذة والسعادة، كمكافأة عند القيام ببعض النشاطات التي نحبها، والتي قد تكون غير مفيدة ومضرة للإنسان، مثل إدمان (أكل الحلويات، السهر، الخمر، الشكوى والتذمر)، وغيرها من الأمور والطبائع، التي يصعب على الإنسان التوقف عنها، بل إنه يستمتع ويتلذذ بتكرارها، ثم بعدها يأتي شعور الندم، ولكن كما يقولون: «ترجع حليمة لعادتها القديمة»، فيعود مرة أخرى ويكررها، لأن شعور الراحة واللذة والاستمتاع بهذه الممارسات الخاطئة، تزيد من إفراز الهرمون ويصبح مدمناً لهذا الهرمون ولهذه الممارسات الخاطئة التي هي ممتعه له.

فكلما استمررنا في الجلوس في منطقة الراحة، زاد إفراز الهرمون وأعطانا شعوراً بالنشوة والفرح، وتصبح فكرة التغيير مخيفة ومرعبة، ولذلك - لكي نتغير - لا بد أن نغيّر من أنفسنا، كي يقلّ إفراز هذا الهرمون، وصدق الله العظيم حين قال في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.

والحقيقة أن الشعور بالراحة في حياتك، لا يعني دائماً بأنك تتمتع بالرضا في الحياة؛ لذا فإن الانزعاج والخوف والقلق من القادم قد يكون مفيداً.

وما ينطبق على الأشخاص ينطبق على الحكومات والمسؤولين، فبعض الحكومات مدمنة (هرمون الدوبامين)، هرمون الراحة والخوف من التغيير. ولهذا فلا نتعجب عندما نرى شعوباً دائمة التذمر والشكوى بسبب واقعها وحياتها التعيسة والمؤلمة، وتسترجع حكومات الزمن السابق والجميل، زمن كان شعاره (الحركة بركة)، فمسار التغيير لا يرجع إلى الوراء، لأن عجلة التقدم دائماً تسير إلى الأمام. فمن يريد أن يتغيّر ويحسّن وضعه، يجب أن يوقف إدمان المنغصات التي تنغّص عليه حياته ويومه.

التغيير قرار... أولى خطواته هو الشعور والإحساس والوعي بخطورة الوضع الذي نعيشه، وأن استمرار الحال على ما هو عليه سيؤدي إلى الانزلاق إلى الهاوية، وتصبح إمكانية التراجع والعودة صعبة، وهنا تتضح لنا معنى كلمة (الشق عود)، لأننا لم نتدارك الشق من بداية اتساعه وكبره، وأصبح «عود».

يقولون هرمون الحب يشعل نار التغيير... فمن يريد التغيير فليبحث عن الحب في حياته.

Najat-164@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي