نحو تنظيم قانوني للعملات الافتراضية

علي العريان
تصغير
تكبير

- رغم اقتحامها لفضائنا حيث العديد من المواطنين يملكون مَحَافظ للعملات الافتراضية إلا أن لا قانون خاصاً ينظم تداولها في الكويت
- فرّق البنك المركزي بين العملة الرقمية والافتراضية حيث الأولى تحمل خصائص الورقة النقدية بينما لا تتصف الثانية باللامركزية ويصعب التحكم بعملياتها
- «أسواق المال» دعت المستثمرين لتوخي أقصى درجات الحذر من الاستثمار والتعامل في الأصول الرقمية ومنها العملات الرقمية والمشفرة

(طريق الحرير) هو أول سوق سوداء تقام على ما يعرف بـ (الإنترنت المظلم darknet)، حيث كانت تباع فيها المواد المحظورة مثل المخدرات والأسلحة غير المرخصة، وتقدم فيها الخدمات المحظورة، مثل خدمات القتلة المأجورين ودعارة الأطفال، وكان بإمكان من يتصفح موقع (طريق الحرير)، أن يستفيد من تلك السلع والخدمات، أو أن يقدمها دون الإفصاح عن هويته ومعلوماته الشخصية، ودون إمكانية تعقبه ومعرفة موقعه.

أطلق هذا الموقع في فبراير سنة 2011، وقد وصفته الشرطة الفيديرالية الأميركية FBI، بأنه أكثر الأسواق السوداء تعقيداً وسعة على شبكة الإنترنت في ذلك الوقت، وقد تجاوز عدد الزبائن والمشترين الذين يستعملون الموقع مئة ألف شخص، فقامت الشرطة الفيديرالية بإغلاقه في أكتوبر من سنة 2013 واعتقال بعض القائمين عليه ومنهم الأميركي روس البرخت، وفي تحدٍ للشرطة تم تأسيس موقع (طريق الحرير 2) في نوفمبر 2013 فأغلقته الشرطة أيضا، وحكمت المحكمة على البرخت بالحبس مدى الحياة.

مما يهمنا في هذه القضية هو أن التعاملات كانت تتم بين البائعين والمشترين من خلال العملة الافتراضية الشهيرة (البتكوين) التي منحت المتعاملين في هذا السوق ميزة إخفاء الهوية، حيث كان الموقع يحجز الأموال – على شكل بتكوين – إلى حين تسلم المشتري للبضاعة، فيفرج عنها ويسلمها للبائع، وهكذا تتم الصفقة دون أن يعلم كل من المشتري والبائع هوية بعضهما البعض.

لقد حققت العملات الافتراضية في السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً، كما تعددت أنواعها وأشكالها، ورغم الانتشار الواسع للعملات الافتراضية القائمة على تقنية سلسلة الكتل Blockchain وأشهر تلك العملات البتكوين، ورغم اقتحامها لفضاء دولة الكويت، حيث أصبح هنالك العديد من المواطنين والمقيمين يملكون محافظ للعملات الافتراضية، ويقومون بتداولها على منصات المضاربة والتداول، ويمارسون عمليات التعدين (إنتاج العملة) في بيوتهم، من خلال أجهزة الحواسيب، إلا أنه لايزال لا يوجد قانون خاص ينظم تداول تلك العملات والتعامل بها في دولة الكويت، بما يلزمنا بأن نلجأ إلى القواعد العامة في قانون التجارة وقانون المعاملات الإلكترونية وقانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها من القوانين لكي نعرف حكم التصرفات التي تتم من خلال تلك العملات.

لقد تنبهت المنظمات الدولية إلى ضرورة إصدار قانون خاص ينظم العملات الافتراضية، وعلى رأس تلك المنظمات منظمة العمل المالي (فاتف) حيث قامت سنة 2014 بإصدار تقرير بعنوان (العملات الافتراضية: تعريفات أساسية ومخاطر محتملة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب)، ثم أصدرت في يونيو من عام 2015 كتيب إرشادات لوضع مقاربة قائمة على المخاطر risk-based approach للتعامل مع العملات الافتراضية، ويمكن لهذا الكتيب أن يكون مصدراً ملهماً لمختلف الدول كي تضع قوانينها الوطنية لتنظيم هذا الميدان الحديث، حيث إن منظمة العمل المالي قد قامت بتعريف العملة الافتراضية ووضع آلية للمؤسسات المالية لمجابهة المخاطر الناتجة عن هذه الأدوات الحديثة لمكافحة إساءة استغلالها لارتكاب الجرائم المالية كغسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث بينت أوجه الاستخدام المشروع لوسائل الدفع عن طريق العملات الافتراضية والمخاطر المحتملة التي تحيط بها وترتبط بها، وكيفية استعمال العملات الافتراضية القائمة على تكنولوجيا سلسلة الكتل اللامركزية – أي تلك التي لا توجد جهة مركزية تتحكم بها وتديرها وتراقبها – كوسيلة للدفع والسداد والوفاء بالالتزامات المالية.

وتشير منظمة العمل المالي إلى أنه من الأهداف التي ترجوها من وراء إصدار تلك الإرشادات هو توجيه ومساعدة الدول إلى وضع قوانين وطنية لتنظم مخاطر وسائل الدفع عن طريق العملات الافتراضية وإمكانية استغلالها في ارتكاب غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما تهدف تلك الإرشادات إلى مساعدة القطاع الخاص على فهم تلك المخاطر ووضع السياسات الداخلية في الشركات لتقليص إمكانية حدوث المخالفات والجرائم المالية باستخدام هذه التقنية الحديثة.

من ناحية أخرى، فإن المفوضية الأوروبية تنبهت أيضا لخطر العملات الافتراضية، فتقدمت سنة 2016 بمقترحات لتعديل بعض بنود اللائحة الرابعة لمكافحة غسل الأموال fourth money laundering directive وذلك في أعقاب الهجمات الإرهابية على فرنسا وبلغاريا، وكانت تلك المقترحات تتعلق بالعملات الافتراضية ومنع استغلالها في ارتكاب الجريمة المالية مثل تمويل الإرهاب.

وجاءت اللائحة الخامسة للاتحاد الأوروبي في مكافحة غسل الأموال the fifth money laundering directive بتعريف للعملات الافتراضية، ووضعت أحكاماً لتنظيمها وتقليص المخاطر المحدقة بها.

كما بذلت العديد من الجهات الأخرى جهوداً مهمة لتعريف وتنظيم العملات الافتراضية منها على سبيل المثال لا الحصر المفوضية الأميركية لتداول عقود المستقبل المتعلقة بالسلع CFTC وإدارة المصلحة الضريبية الأميركية IRS ووزارة الخزانة الأميركية (شبكة مكافحة الجريمة المالية)، ومفوضية البورصات والأوراق المالية الأميركية SEC ووزارة المالية في نيويورك والبنك المركزي الأوربي.

في 21 يناير 2018 أصدر بنك الكويت المركزي بياناً صحافياً، أوضح من خلاله أن فريق عمل مكونا من مختصين في البنك المركزي والبنوك المحلية، يسعى لتصميم وتجهيز البنية التحتية والأنظمة التقنية للقطاع المصرفي، بما في ذلك وسائل الدفع الإلكتروني، ومن ضمنها ما يعرف بالعملة الرقمية، وقد فرق البنك في تصريحه ما بين العملة الرقمية والافتراضية، حيث إن الأولى تخضع لجهة مركزية تعالج العمليات والتحويلات المتعلقة بها، حيث تحمل العملة الرقمية خصائص الورقة النقدية من ناحية القيمة المكافئة ورقم الإصدار، ومن الممكن استبدالها أمام العملات الأخرى، بينما لا تتصف العملة الافتراضية باللامركزية ويصعب التحكم بعملياتها.

في 23 يوليو 2018 نشرت هيئة أسواق المال الكويتية إعلاناً في شأن الاستثمار في العملات الرقمية والإصدارات الأولية للأصول الرقمية، دعت فيه المستثمرين إلى توخي أقصى درجات الحذر من الاستثمار والتعامل في الأصول الرقمية ومنها العملات الرقمية والمشفرة Cryptocurrencies، وأوضحت الهيئة بأن تلك العملات لا تخضع لأي جهة تنظيمية أو رقابية تقوم بحماية المستثمر، كما أنها قد تكون وسيلة للاحتيال على المستثمر والاستيلاء على أمواله، أو إقحامه في عمليات مشبوهة مثل غسل الأموال، كما قد تكون المعلومات والوثائق المتاحة عن هذه الاستثمارات مضللة وغير دقيقة ولا تخضع لأي جهة رقابية تؤكد سلامة ودقة المعلومات التي تحتويها، كما قررت الهيئة أن العملات الرقمية لا تحمل صفة قانونية، ولا تصدرها أو تدعمها أي حكومة، وهي غير مرتبطة بأي أصل أو جهة إصدار، وأن منصات تشغيلها وتداولها تقع خارج دولة الكويت، بما يكون معه من الصعب التحقق من مصداقية تعاملاتها، ما يعرض المتعاملين بها لخطر الغش والاحتيال من جانب المنصة أو الأطراف الأخرى المتعاملة معها.

وفي فبراير 2018 أصدر مركز دبي للسلع المتعددة رخصة لشركة (ريجال أسيتس) لتسمح بتداول العملات الافتراضية وذلك للمرة الأولى في الشرق الأوسط.

وهكذا تتضح ضرورة وأهمية صدور قانون ينظم العملات الرقمية والافتراضية، من حيث تعريفها وأحكامها والجهة الرقابية المسؤولة عنها وآليات الرقابة عليها، وآليات مكافحة الجريمة المالية، باستغلال تلك العملات، لا سيما جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل أسلحة الدمار الشامل، ومخالفة العقوبات الاقتصادية والمالية الدولية، بالإضافة إلى سياسات المطابقة والالتزامات الواجب اتباعها داخل الشركات والمؤسسات المالية، لتقليل المخاطر ودرء استغلال الأنظمة والمؤسسات المالية في ارتكاب الجريمة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي