No Script

قيم ومبادئ

اختلاف الطباع والكارزما

تصغير
تكبير

رغم كثرة البشرية وتنوع أعراقها واختلاف ألسنتها وألوانها وطباعها، إلا أنَّ أصلها واحد وهو آدم عليه السلام، ومع أنَّ مخارج الحروف واحدة ويجمعها الفم واللسان، مع ذلك لا تجد صوتَيْن مُتفقَيْن من كلّ وجه، ولا لونين متشابهين من كلّ وجه، إلا وتجد الفرق بين ذلك ما يحصل به التمييز، وهذا دليل على كمال قدرة الله تعالى ونفوذ مشيئته في خلقه، ومن عظيم عنايته أنّه قدّر ذلك الاختلاف بين البشر كي لا يقع التشابه، فيحصل الاضطراب والخلط بين الناس وتفوت عليهم مقاصدهم ومصالحهم في معاملاتهم.

وهكذا طبائع البشر وقلوبهم فمنها القلوب الطيبة التي تتقبل الوحي الذي هو مادة الحياة، كما أنّ الغيث مادة الحياة في الأرض، فالقلوب الطيبة حين يأتيها القرآن تقبله وتتعلمه وتنبت بحسب طيب أصلها وحسن منظرها، وأمّا القلوب الخبيثة التي لا خير فيها، فإذا جاءها الوحي فلم يجد محلاً قابلاً، بل يجدها غافلة معرضة أو مُعارضة، فيكون كالمطر الذي يمر على السباخ والرمال والصخور، فلا يؤثر فيها شيء !وجاء في الحديث: (إنَّ اللهَ تعالى خلق آدمَ من قبضةٍ قبضها من جميعِ الأرضِ فجاء بنو آدمَ على قَدْرِ الأرضِ فجاء منهم الأحمرُ والأبيضُ والأسودُ وبينَ ذلكَ والسَّهْلُ وَالْحَزْنُ والخبيثُ والطيبُ).

لقد كان ابتداء خلق الإنسان من قبضته سبحانه، والقبضة كانت من جميع أجزاء الأرض، من طيّبها وخبيثها ومختلف ألوانها، وجاء بنو آدم على قدر الأرض في طباعهم وأشكالهم من الأرض البيضاء جاء الرجل الأبيض، ومن الحمراء جاء الرجل الأحمر، وهكذا الرجل الأسود، فكلٌ جاء بحسب تربته، وهذه هي أصول الألوان، والبقية مُركب بين هذه الألوان، وأمّا الطباع فمنها السهل والحزن أي الليّن الرفيق الحليم، وغليظ الطبع الجافي العنيف، الذي ينفر الناس منه، فلا نجده إلا مقطباً حاجبَيْه، عاضاً على شفتَيْه كأنّه يتحسر على شيءٍ فاته، ولا يدخل مُدخلاً ولا يجلس مجلساً إلا تَفرّق الناس وهم يشتمون بعضهم بعضاً لسوء طبعه.

ومن الناس تجد فيهم خبيث الطبع والصفات، فهذا من تربة سبخة كلها ضر وشر.

ومنهم طيب السريرة وله جميل الصفات لأن تربته خصبة كلها نفع، فالبشرية جميعها جاءت بطبع أرضها، ومنها أيضاً طباع تجمع بين الخير والشر، بين ما هو حميد طيب، وبين ما هو خبيث وسيئ، أو أنّ منها ما يغلب خُبثه طيبه، ومنها ما يغلب طيبه خبثه.

كل ما سبق يعبر عنه اليوم بمصطلح الكاريزما وهي كلمة يونانية الأصل، وتعني هبة الإله، أي أن الشخص الذي يملك كاريزما فهي هبة تكون في شخصيته، وهي التأثير في الآخرين.

ويتمتع بعض أصحاب الدعوات والمشاهير بكاريزما موقتة تزول بزوال المنصب، ويقول علماء الاجتماع إنّ الزعيم لا يهتم في معظم الأحيان بمظهره ولا ثروته، لأن البطل في حياة الزعيم هو الفكرة والمبدأ، وليس ذوات الأشخاص، ولكن آفة الآفات اليوم هو الخلط بين المبدأ والشخص، حتى نصل إلى مرحلة التقديس (فلا يُسأل عمّا يفعل).

وتزداد هذه الظاهرة انتشاراً بحيث لا يُسمع إلا للزعيم، ولا يُفتي إلا القائد، حتى أصبح عدد الأشخاص الذين يستقبلون أحاديث المجالس بآذان صاغية في تراجع مستمر، خصوصاً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واقتحامها لجميع المجالس الرسمية والشعبية، حيث أضحى من الصعوبة بمكان على الشخص أن يكون حاضراً تماماً في حواره أو محادثته، مع أنّنا نحاول مع اليأس أن نُوفق ما بين عالمنا اليوم الذي نحيا به والأشخاص الذين نتعامل معهم، وبين العالم الافتراضي الذي يثقلنا برسائل الزعيم السياسي وتحليلات القائد المحنك ! وجميع القلوب والأنظار مصروفة إليه.

الخُلاصة:

الكارزما سلاحٌ ذو حَدَّيْن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي