تحديداً إذا كان فرداً واعتزم هجرة البورصة وتقطيع الوقت في القضاء
ماذا لو قرّر المُعاقَب من «هيئة الأسواق»... «تجاهل» ردّ مبالغ المنفعة المليونية؟
- قرارات التأديب واجبة النفاذ فور صدورها وتتولى «الهيئة» تنفيذها
- يحق طلب التحفظ على ممتلكات المعاقبين إذا كان يُخشى تهريب الأصول
- بإمكان «الهيئة» استعراض عضلاتها في العزل ومنع التصويت والتعامل بالأوراق والأسهم
- إلغاء صفقات المخالف بالبورصة وارد إذا ثبت سوء نيته من تسييل ملكياته
بعد أن أصدرت هيئة أسواق المال قرارها التأديبي التاريخي، بحق شركتي «ريم» العقارية و«المال للاستثمار» وأطراف عدة أخرى، والذي تضمن عزل عدد من المسؤولين في الشركتين، وإلزامهم برد مبلغ 8 ملايين دينار، برز سؤال مشروع حول سلطة الناظم الرقابي في إلزام المخالفين عموماً، برد مبالغ العقوبة، فيما جاء السؤال معطوفاً حول ما إذا قرر الطرف المعاقَب عدم دفع الغرامة المالية المقررة عليه، وتجاهل القرار، خصوصاً إذا كانت تداعياته تأديبية مدمرة وشاملة أكثر من اتجاه؟ من حيث المبدأ، يتعين الإشارة إلى أن العقوبة المقررة بحق مسؤولي الشركتين جاءت لمخالفتهم أحكاماً من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7 لسنة 2010، المعني بإنشاء «هيئة الأسواق»، مع الأخذ بالاعتبار أن النقاش القانوني في هذا الخصوص يتخطى «ريم» و«المال» إلى جميع الحالات التي يصدر بحقها عقوبات تأديبية مالية كبيرة، للحدود التي قد تدفع المخالف إلى ترك العمل بالبورصة، ما دام ذلك سيوفر له رد مبالغ مليونية.
تنفيذ القرار
وفي هذا الخصوص، توضح مصادر قانونية أن المادة (14-5) أشارت إلى أن قرارات مجلس التأديب واجبة النفاذ فور صدورها، ما لم يحدد القرار موعداً للتنفيذ، وتتولى «الهيئة» تنفيذ قرار مجلس التأديب.
وإجرائياً، يمكن لـ«الهيئة» استعراض عضلاتها على الأشخاص المرخص لهم، في حال كانت العقوبة المقررة تتعلق بالعزل من مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، أو إلغاء التسجيل من سجل الوظائف المسجلة في «الهيئة»، وكذلك الوقف عن التعامل في الأوراق المالية أو البورصة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق الشركات المملوكة لهم لمدة معينة، أو حظر المسؤولين من ممارسة حق التصويت.
فنفاذ مثل هذه العقوبات، يشكل الجزء السهل في دائرة التنفيذ، باعتبار أن تطبيقها يدخل ضمن نطاق ملعب «الهيئة» وجمهورها، لجهة التزام جميع الجهات الخاضعة لرقابتها بتنفيذ قراراتها، أما إذا شملت العقوبات رد منفعة كبيرة، وتحديداً من أشخاص، فإن هذه الحالة قد تدفع الشخص المعاقب للجوء إلى القضاء، في مسعى لتقطيع الوقت لسنوات، ووقتها لن يعود رد المنفعة مستقبلاً بالمنفعة على الشركة الضحية، حيث ستكون فرصة إنقاذها بهذه المبالغ فاتت.
حق الأشخاص
وهنا تبين المصادر أن اللجوء إلى القضاء حق لا يمكن إنكاره على أي شخص أو جهة معاقبة من مجلس التأديب، حيث لم يتجاهل القانون حق الطعن على قرار مجلس تأديب «هيئة الأسواق»، فوفقاً للمادة 17-5 (ق147) يجوز لكل من صدر بحقه جزاء من الجزاءات المنصوص عليها في القانون التظلم منه كتابة لدى «الهيئة» خلال 15 يوماً من تاريخ إخطاره كتابة بالقرار، ويعتبر قرار «الهيئة» برفض التظلم نهائياً، ويجوز الطعن فيه أمام المحكمة المختصة، ويعتبر عدم الرد على التظلم خلال 30 يوماً من تاريخ تقديمه بمثابة رفض له.
إلا أن المصادر نبهت إلى قوة رقابية مقابلة، في المادة (15-5) والتي تنص على أنه «في حال تضمن قرار مجلس التأديب فرض جزاءات مالية على المخالف يجب أن يتم الوفاء بقيمة الجزاءات المالية فوراً، وخلال المدة المحددة في قرار مجلس التأديب ويتم تحصيلها من قبل الهيئة مباشرة».
زيادة الكفاءة
ولزيادة كفاءة قرارات «الهيئة» الرقابية يحق لـ«الهيئة» وفقاً للمادة (16-5)، اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لضمان تنفيذ قرارات مجلس التأديب، بتقديم بلاغ إلى نيابة أسواق المال وفق حكم المادة 127 من القانون.
ويبدو أن النقاش في هذا الخصوص أشبه بمتاهة استفهامية، حيث يقفز بك كل سؤال يُطرح في هذا الشأن إلى سؤال آخر، فإذا كان القانون أعطى الحق لـ«الهيئة» باتخاذ الإجراءات القانونية لضمان تنفيذ قرارات مجلس التأديب، إلا أنه لم يتطرق مباشرة إلى ماذا يمكن فعله إذا قرر الشخص المعاقب الاستباق بتسييل ملكياته الشخصية في أسهم أخرى، وتفريغ حساباته المصرفية من أي مبالغ تعود له، وذلك في مسعى منه للتهرب من رد مبالغ العقوبة؟ وإلى ذلك، تلفت المصادر القانونية إلى أنه ووفقاً للمادة (16-5)، يحق لـ«هيئة الأسواق» طلب اتخاذ الإجراءات التحفظية الواردة في القانون أو أي قانون آخر، بما يعطيها حق المطالبة في طلب تجميد أي أموال تخص الشخص المعاقب إذا تبين نيته في عدم السداد ومماطلته في رد مبالغ العقوبة، أو إذا كانت تخشى من محاولات تهريب الأصول.
أما في حال قام المخالف بالاستباق بتسييل أصوله الشخصية في البورصة أو بالأوراق المالية قبل صدور قرار التحفظ من أجل التهرب من دفع الغرامة المقررة، فيمكن قانونياً إلغاء الصفقات المنفذة وما ترتب عليها، إذا ثبت للقاضي أن هذا التسييل تم بغرض التهرب من تسديد الغرامة.
أحكام قضائية
ومن الناحية القانونية يفتح هذا الإجراء نقاشاً قانونياً آخر، يتمثل في أن التحفظ على مبالغ وأصول الشخص الصادر بحقه قرار تأديبي وغرامة، قد يضر قدرته الاستثمارية بدون داعٍ، وقد يكون مظلوماً، وتصدر له لاحقاً أحكام قضائية تبرئه من المخالفة المنسوبة إليه، وهذا وارد من الناحية القانونية.
وإلى ذلك، تدفع مصادر قانونية بضرورة تضييق استخدام حق طلب التحفظ على الأموال، مبينة أنه وفقاً لكثير من حالات مخاصمة «هيئة الأسواق» صدرت أحكام قضائية لصالح الأطراف المخالفة، ومن باب الاستدلال ما حكمت به المحكمة الكلية في 2018 بإلغاء قرار مجلس التأديب بفرض غرامة شهرية قيمتها 5 آلاف دينار على مسؤول إحدى الشركات لعدم تنفيذ قرار الاستحواذ الإلزامي، وألزمت المحكمة هيئة الأسواق بالمصروفات، وبأن تؤدي للمدعي مبلغ 100 دينار أتعاب المحاماة.
إذاً، قرارات مجلس التأديب ليست محصنة من الناحية القضائية، ويمكن صدور أحكام تخالفها لاحقاً، ما يجعل من الضرورة بمكان أن يكون استخدام حق التحفظ على الأموال سلطة تقديرية، تختلف حسب معطيات كل حالة، وبما يتناسب مع المخاطر التي تحددها «هيئة الأسواق» في نفاذ قراراتها.
الفرق بين غاسلي الأموال والمعاقبين من «الهيئة»
ترى مصادر قانونية أنه يتعين التفريق إجرائياً بين التعامل مع حالات تهم غسل الأموال وقرارات مجلس تأديب «هيئة االأسواق».
وأوضحت أنه إذا كانت النيابة تقوم عادة بالتحفظ على أموال المتهمين لحين انتهاء التحقيقات معهم، فإن ذلك يعد مقبولاً لتعلق الإجراء بشبهة جنائية، ولذلك لا يتعين سحب هذا الإجراء على قرار إداري صادر من «الهيئة» ولو كان تأديبياً، فإذا كان القرار في الحالة الأولى احترازياً وواجباً في الغالب، فقد يترتب على الحالة الثانية تداعيات استثمارية مالية مؤثرة على مستقبل الشخص والتزاماته المالية.