No Script

خواطر صعلوك

ثلاثة كهوف... ورجل واحد!

تصغير
تكبير

نمر في حياتنا بمراحل عمرية مختلفة، وقيم متنوعة، وتحولات اجتماعية واقتصادية، وخلال سيرنا في خط العمر ندخل ثلاثة كهوف تتشكل وفق قناعاتنا وتصوراتنا وسماتنا وخصائصنا وأدوارنا وثوابتنا ومعتقداتنا، والكهوف الثلاثة لا ندخلها بشكل تسلسلي وحتمي، ولكنها تتشكل حسب السياق الشخصي والتجربة الفردية.

أولاً... التمركز حول الذات:

يعتقد أفلاطون أننا يجب أن نرتقي بأنفسنا ونفكر في المُثل الجوهرية التي تكمن وراء المظاهر الخارجية، وأننا إذا لم نفعل ذلك فنحن ندخل إلى «كهف أفلاطون»، وهو أن نصبح سجناء مقيدين بسلاسل داخل كهف، وجوهنا وعيوننا مثبتة للأمام، وخلفنا نار ترسم ظلالنا على الجدار الموجود أمامنا، ورغم أنها ظلالنا إلا أنها ليست نحن على الحقيقة.

في هذا الكهف يكون الناس عبيداً لحواسهم المباشرة.

وما يدركونه من صور وأصوات ليست إلا زيفا وخداعا وأشياء زائلة ولا تعكس الحقيقة الأصيلة، وهو كهف يليق بالطفولة العادية، والطفولة المتأخرة وجزء من المراهقة.

يدعونا أفلاطون إلى الخروج من هذا الكهف، وعدم الدخول فيه، وهو كهف التعلق بالعالم المحسوس والمادي والتمركز حول الذات، قد يكون هناك أشخاص عمرهم البيولوجي فوق الثلاثين، ولكن عمرهم النفسي والاجتماعي مازال في هذا الكهف.

ثانياً... التمركز حول التنشئة الاجتماعية:

يعتقد فرانسيس بيكون أن العقل البشري في إحدى مراحله الأربعة يدخل «أوهام الكهف»، والمقصود بالكهف هنا البيئة التي ينشأ فيها الفرد، وأوهام الكهف فردية، يقع فيها كل شخص نتيجة تكوينه الخاص، إن أكثر ما يدفع المرء إلى العيش في الأوهام هي الطريقة التي يفكر بها، والتي تأتي نتيجة - في معظم الأحيان - الواقع الثقافي السائد في المجتمع... وبتأثير من طبيعة الحياة الاجتماعية وظروفها، والمقومات الشخصية الخاصة كالمستوى التعليمي وطبيعة المهنة، والمزاج والتربية والقراءات والتأثيرات الشخصية، فإذا كانت هذه الثقافة تفتقر إلى التفكير الواقعي والنظر إلى الأمور بموضوعية وتجرد، فستكون أرضاً خصبة للأفكار الوهمية، التي لا صلة لها بالواقع، وتعبر عن نقاط ضعف بشرية، يتسم بها كل شخص، وهي كثيرة ولا حصر لها، تفرض على الفرد نوعاً من العزلة، وكأنه في وادٍ بعيد أو كهف، فيظل كل شخص سجين كهفه ويفكر وفقاً لتصوراته الخاصة، ويحصر عقليته في إطار معين من الوعي.

أحياناً يقال لشخص معلومة جديدة غريبة عن بيئته التي عاش فيها، أو الأفكار التي نشأ عليها، فيسرع في رفضها من دون التحقق والتعمق وإعمال العقل فيها، أو سوق الأدلة الواهية التي قدمها له كهفه الذي يعيش فيه ليريح عقله.

وتؤثر هذه الأوهام على موقف الفرد من مختلف القضايا السياسية والدينية والاقتصادية والفكرية والأخلاقية.

لا يدعونا فرانسيس بيكون إلى الهروب من هذا الكهف، ولكنه يدعونا إلى إعمال التوازن بينه وبين الحقائق الخارجية، والتنوع في البيئات والبنيات المحيطة بنا.

ثالثاً... التمركز حول الحقيقة:

الكهف القرآني يُؤوى إليه، ولا يُهرب منه، ويُبحث فيه عن الرحمة والرشد، وأصل الأشياء في الذات البشرية، والسنن الكونية، والبرهان والحقيقة والعرفان، والوعي الاجتماعي المحيط.

في الكهف القرآني السؤال مُقدم وأكثر أهمية من الإجابات المُعلبة، واللطف مع الآخرين أكثر أهمية من الانتصار للذات، واكتشاف الفضاءات الواسعة للنوايا الداخلية، لكي لا نكون من الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً.

أعرف الكثير من الناس ما زالوا عالقين في كهف أفلاطون، وبعضهم مستمتع في كونه يعيش في كهف فرانسيس بيكون، وقليل منهم يعيش في الكهف القرآني... وأنا ما زالت أتنقل بين الكهوف الثلاثة... ولكني أعتقد أن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

@Moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي