No Script

السياسة الهادئة والمتوازنة والمرنة والمستقلة لسمو الأمير الراحل جعلت الدول تلجأ إلى طلب الوساطة من الكويت أو التدخل لحل الأزمات

صباح الأحمد... حامل لواء حل الخلافات العربية وتحقيق التضامن

صاحب السمو حرص على انعقاد القمة الخليجية لتبقى اللحمة قائمة بين دول المجلس
صاحب السمو حرص على انعقاد القمة الخليجية لتبقى اللحمة قائمة بين دول المجلس
تصغير
تكبير

برز اهتمام سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد بالسياسة الخارجية منذ العام 1963، حتى سمي بأبي الديبلوماسية، ورسخ سموه مدرسة الكويت الديبلوماسية القائمة على المعادلة الذهبية «الديبلوماسية السياسية والاقتصادية والإنسانية» علاوة على دور سموه في الوساطات لحل الخلافات ولا سيما العربية العربية منها.

ويمكن القول إن السياسة الهادئة والمتوازنة والمرنة والمستقلة لسمو الشيخ صباح الأحمد، جعلت الدول تلجأ في بعض الأزمات إلى طلب الوساطة من الكويت أو التدخل لحل تلك الأزمات. وبالفعل تمكن سموه بمواقفه المعتدلة ودوره في حل كثير من الوساطات وبمساعيه الحميدة من التوصل لحلول عادلة لكثير من الأزمات العربية والإقليمية والدولية.

فللكويت خبرة تاريخية وسياسية طويلة في حل الخلافات العربية البينية، خلال القمم السنوية والمؤتمرات الدورية التي تعقد على أرضها، مثل الأحداث في اليمن إبان الستينيات والتوسط بين اليمنين الجنوبي والشمالي عام 1972، لوقف المناوشات بينهما على الحدود المشتركة ما أسفر عن توقيع اتفاقية سلام عقب زيارة قام بها سمو الشيخ صباح الأحمد حينذاك للبلدين ونزع فتيل الخلاف الأردني - الفلسطيني عام 1970.

وفي نهاية عقد الستينيات نظمت الكويت العديد من اللقاءات لمندوبي حكومتي طهران والبحرين، في مقر ممثلها بجنيف مما أثمر لاحقاً قبول الطرفين لتسوية النزاع بعرضه على هيئة الأمم المتحدة.

كما أن هناك أمثلة أخرى كالوساطة الكويتية بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديموقراطية في الثمانينيات، ودعوة الكويت حينها لاجتماع يعقد على أراضيها بين وزيري خارجية البلدين، حيث تم الاتفاق على إنهاء الحرب الإعلامية والدعائية بين الدولتين واحترام كل دولة لشؤون الدولة الأخرى الداخلية واحترام مبادئ حسن الجوار وسيادة أراضي الدولة الأخرى وسلامتها. وكذلك الوساطة الكويتية في الخلاف السعودي - الليبي خلال نهاية حكم معمر القذافي، والوساطة بين الإمارات وسلطنة عمان في عام 2009. كما قاد سموه مشروع المصالحة العربية بين القادة العرب الأشقاء، الذي تم على هامش القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي استضافتها الكويت في يناير 2009. ولم يتوقف سمو الأمير عن التفكير في هموم أمته العربية عند جسر القمة العربية الاقتصادية، بل حمل هذه القضية معه قلباً وقالباً ليطرحها في كل تجمع عربي.

ومن جهود سموه الحثيثة لتعزيز التضامن العربي، قيام مبعوث سموه النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد في 28 أغسطس 2017 بتسليم رسائل خطية من سموه، إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وملك البحرين حمد بن عيسى، والسلطان قابوس بن سعيد سلطان سلطنة عمان، ورئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد، ولقي ذلك تجاوب جميع الأطراف.

ولعل أبرز ما عرف عن سموه توقه الكبير لحل الخلافات واستبدال الخلاف والتوتر بالمصالحة والتعاون وفي هذا الصدد لم يدخر سموه جهداً في ترميم العلاقات المتصدعة مع الجارة العراق وبأخلاق الرقي والتسامي على الخلافات. وكان سموه أول القادة الخليجيين الذين حضروا القمة العربية ببغداد في مارس 2012 في زيارة اعتبرت «تاريخية ومهمة» ترأس خلالها وفد الكويت إلى القمة.

وفي هذا العرض التاريخي لا نغفل الإشارة إلى جهود سمو الشيخ صباح الأحمد الديبلوماسية، أثناء الأزمة اللبنانية بين عامي 1975 و1989 حيث أفرزت الحرب الأهلية تبعات هزت الكيان اللبناني. وبعد أحداث ما يسمى سبتمبر الأسود في الأردن عام 1970، بذلت الكويت وتحديداً سمو الشيخ صباح الأحمد جهوداً ديبلوماسية واضحة لتهدئة تلك الأوضاع، وأدى سموه خلال تلك الأزمة دوراً واضحاً لإنهاء الخلافات وتحقيق السلام من خلال سعيه الدؤوب لتمكين لبنان من استعادة سيادته واستقلاله الكاملين تحت ظل سلطات الشرعية.

ومع تطور الأحداث الاحتجاجية في اليمن منذ عام 2011، وتصاعدها بشكل متسارع متسببة بوقوع أعداد كبيرة من الضحايا، أبدى سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الأمل الكبير في إيجاد حل يحفظ دماء اليمنيين ويحمي بلدهم فجاءت المبادرة الخليجية التي طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي 21 أبريل 2016 استضافت الكويت مشاورات السلام بين الأطراف اليمنية، واستمرت تلك المفاوضات الماراثونية نحو 100 يوم وحظيت بدعم مباشر من سموه الذي أكد خلالها ضرورة تحقيق النتائج الإيجابية المرجوة والسلام المنشود الذي يحفظ لليمن أمنه واستقراره وسلامة شعبه ووحدة أراضيه.

ورأى سمو الأمير أن التقريب بين الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي وإزالة الخلافات بينهم «واجب لا أستطيع التخلي عنه» وأن «أي إرهاق وأي جهود مهما كانت صعبة تهون أمام إعادة اللحمة الخليجية وإزالة الخلافات» باعتبار أنه «صعب علينا نحن الجيل الذي بنينا مجلس التعاون الخليجي قبل 37 عاماً أن نرى بين أعضائه تلك الخلافات والتي قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه». فسموه لم يكلّ أو يملّ من محاولاته عبر عشرات السنوات في الدعوة والتأكيد دوما على لم الشمل الخليجي ورأب الصدع أيا كان لأن وحدتنا الخليجية هي «قدرنا الذي لا مفر منه».

ويستذكر التاريخ بفخر كل المبادرات والوساطات التي قام بها سموه لوحدة الصف الخليجي في وجه التحديات، وكانت أولاها خليجياً الوساطة التي أعقبت استقلال البلاد عام 1961 وتحديداً منتصف الستينيات من القرن الماضي عندما قام بالوساطة بين مصر والسعودية لحل الصراع الذي ظهر بين الدولتين في اليمن. وفي نهاية الستينيات أسهمت الكويت بجهود وساطة لحل قضية مطالبة شاه إيران بالبحرين التي انتهت بإجراء استفتاء شعبي واستقلال البحرين في عام 1971 كما كان للكويت دور رئيسي في حل الأزمة بين عمان واليمن في عام 1984. كما قامت الكويت بالوساطة بين اليمن الجنوبي وعمان واستطاعت أن تتوصل إلى اتفاق أنهى الأزمة بين الطرفين وتم توقيعه في دولة الكويت في أكتوبر 1982 كما أدت الكويت دوراً مهماً في إعادة العلاقات التي قطعت لأكثر من عام بين ليبيا والسعودية عام 1982.

ومنذ أن تعرضت مملكة البحرين الشقيقة إلى أزمة داخلية عام 2011 وضعت الكويت بقيادة سمو أمير البلاد على عاتقها إعادة الهدوء والاستقرار إلى هذا البلد الشقيق وأكدت الكويت مراراً تضامنها مع البحرين ودعمها لها للمحافظة على أمنها واستقلالها وسيادتها.

ومن الكويت انطلقت وساطة شعبية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في البحرين بغية التوصل إلى حلول تهدئ النفوس وتنهي حالة الاحتقان وبتكليف من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد التقى وفد كويتي عام 2011 أطراف الخلاف في مسعى لتقريب الآراء.

وفي دلالة أخرى ذات صلة، وحين طلبت حكومة البحرين الاستعانة بقوات درع الجزيرة لتأمين المنشآت الاستراتيجية، كانت الكويت مع الصوت الخليجي الواحد في تلبية النداء. وتتويجاً لدور سمو الأمير في المصالحة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان الشقيقتين قام سموه في 3 مارس 2011 بزيارة أخوية لكل من الإمارات وسلطنة عمان حيث تم تحقيق المصالحة بين الجانبين.

وشهد عام 2014 أزمة خليجية وبرز الجهد الذي بذله سموه والمحاولات التي قام بها لتخفيف الاحتقان الخليجي وتقريب وجهات النظر بين آراء الأطراف المتباينة وحطت طائرته في أكثر من عاصمة خليجية في زيارات مفاجئة لبحث حل هذه الخلافات.

وتمهيداً لحل المعضلة بزغت بارقة أمل بعد الخلاف من خلال الموافقة على اختيار لجنة مشتركة تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون تتولى مهمة تنفيذ اتفاق الرياض الذي أبرم في 23 نوفمبر 2013 بين العاهل السعودي وأميري الكويت وقطر وضمت عضوية تلك اللجنة ممثلين عن كل دول المجلس. وكان مفترضاً على الأشقاء الخليجيين اللقاء في قمتهم المجدولة سابقا نهاية 2014 في العاصمة القطرية لكن الخلاف استمر وأسفرت النقاشات عن الاتفاق على عقد قمة خليجية في الرياض حينها.

والتأمت تلك القمة في منتصف نوفمبر وأكدت نهاية الأزمة الخليجية وعودة السفراء إلى قطر وانعقاد القمة الخليجية في موعدها في 9 ديسمبر 2014 في الدوحة، وتوقيع كل الدول على محضر اتفاق الرياض الذي يعتبر ميثاق العمل الخليجي المشترك والوقوف صفاً واحداً تجاه ما يمس أمن المجلس وسلامته.

وفي يونيو 2017 تكررت الأزمة السياسية بين السعودية والإمارات والبحرين من جانب، وقطر من جانب آخر، لكن الأزمة أخذت بعداً أكثر تعقيداً وبادرت الكويت إلى القيام بجهود وساطة وزار سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الرياض وأبوظبي والدوحة لتقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة. وشهدت الكويت حراكاً ديبلوماسيا مكثفاً في يوليو 2017 حمل إليها عدداً من الوزراء والمسؤولين العرب والأجانب، على ضوء جهود الوساطة التي يقوم بها سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد لرأب الصدع الخليجي وحظيت جهود سموه بإشادة دولية واسعة.

وزار البلاد عدد من المسؤولين الأجانب بينهم وزير الخارجية البريطاني حينها بوريس جونسون ونظيره الأميركي حينها ريكس تيلرسون لبحث تطورات الخلاف الخليجي وسبل احتوائه.

وفي موقف لافت ومراهن على الحكمة والتعقل والإيمان بوحدة الدم والمصير، وفي 7 سبتمبر 2017 أكد سموه الإيمان والثقة بقدرة القادة والرؤساء وحكمتهم على تجاوز الأزمة الخليجية. ومع مرور الوساطة ومضيّها قدماً، جاء تنبيه سموه في 24 أكتوبر 2017 خلال افتتاحه دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الخامس عشر في مجلس الأمة أن الهدف الأوحد لدولة الكويت من الوساطة الخليجية إصلاح ذات البين وترميم البيت الخليجي «الذي هو بيتنا وحمايته من الانهيار». وأكد سموه أن وساطة الكويت ليست مجرد وساطة تقليدية يقوم بها طرف بين طرفين «نحن لسنا طرفاً بل طرف واحد مع شقيقين».

وفي خطوة مهمة جداً على أمل قطع خطوة كبيرة على طريق تحقيق المصالحة الخليجية الخليجية، استضافت الكويت في 5 ديسمبر 2017 الدورة الـ38 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون، وحفلت كلمة سموه الافتتاحية بأبلغ معاني الدعوة إلى لم الشمل الخليجي ورأب الصدع. وفي خطوة تلت القمة وفي محاولة لتحقيق التضامن أقيم في 8 يناير 2018 برعاية وحضور سموه حفل افتتاح الاجتماع الـ11 لرؤساء مجالس الشورى والنواب والأمة في دول مجلس التعاون في خطوة اعتبرت خرقاً كبيراً لجدار القطيعة بين الأشقاء.

من أقوال سموه في الأزمة الخليجية التقريب بين الأشقاء واجب لا أستطيع التخلي عنه أي إرهاق وأي جهود مهما كانت صعبة تهون أمام إعادة اللحمة الخليجية صعب علينا نحن الجيل الذي بنينا مجلس التعاون أن نرى خلافات بين أعضائه وحدتنا الخليجية هي قدرنا الذي لا مفرّ منه

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي