أوراق ملونة / الكون... في التصور الإسلامي
يقول سيد قطب في كتابه «المستقبل لهذا الدين»: «إن الإنسان هو أكرم ما في هذه الأرض، إنه هو الكائن الأساسي فيها، والمستخلف في مقدراتها، وكل شيء فيها في خدمته –أو ينبغي أن يكون كذلك – وإنسانيته هي المقوم الأعلى الذي يقاس به مدى صعوده أو هبوطه، وسعادة روحه هي مقياس ما في الحضارة التي يعيش فيها من ملاءمة لطبيعته أو مصادمة... «(1)
«إن بعض الناس يظن أن هيمنة المنهج الإيماني على الحياة، من شأنه طرد العلوم المادية ونتائجها الحضارية من الحياة!». (2)
غير أن الأمر في المنهج الإلهي الصحيح ليس على هذا النحو... إن «الدين» ليس بديلاً من العلم والحضارة. ولا عدوًَا للعلم والحضارة. إنما هو إطار للعلم والحضارة، ومحور للعلم والحضارة، ومنهج للعلم والحضارة في حدود إطاره ومحوره الذي يحكم كل شؤون الحياة « (3)، ولهذا «جاء كل دين من عند الله، يقدم للبشر الأساس التصورى الاعتقادى، الذى يقوم عليه نظام حياتهم كلها: الوجدانية والعملية... جاء ليرد البشر إلى ربهم، ويرد نظام حياتهم إلى منهجه المتفرد... كما يقع التواؤم والتناسق بين ضميرهم وواقعهم، وبين وجدانهم ونشاطهم، وبين حركتهم ونواميس الكون...» ص17 التي لا تخرج عن إرادة صانعها ومدبرها { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} (سورة الفرقان:1-2)، خلق عظيم ينقاد كل ما فيه بمنهج العبودية لله الواحد القهار { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } (الإسراء:44 )،فتسبيح الأشياء دلالة الانقياد التي لا تدركه أبصارنا { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ» (الحاقة: (38 -39) وان اثبت العلم المعاصر شيئاً من أمره حين أقرت الفيزياء المعاصرة على لسان رائدها فيليب وانك في كتابه «فلسفة العلم» بقوله: «ان حركة الإلكترون ناتج عن قوة روحية، كما أنه في قفزه من مدار إلى مدار إنما يمارس عملاً من أعمال الإرادة الحرة». ( 4)
لا عجب في قوله لأن الكون المنبثق في التصور الإسلامي: « شيء جميل حي متحرك محس متعاطف مع الإنسان متجاوب معه تجاوب الصداقة والزمالة والمودة .. لا تقوم بينهما العداوة ولا البغضاء ولا الجفوة ولا النفور، فالوجود الجميل هو كائنات حية ذات حس ووعي وإدراك « (5) { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } (فصلت: (11): أي جئنا إليك يالله بما أحدثت فينا من خلقك، مستجيبين ,لا نعصي أمرك».(6 ), نداء اقر به واستسلم له أهل الايمان وآمنوا به منذ أن هداهم الحق إليه وأيقنوا أن التقدم البشري بغير طاعة الله مهلكة، وان الانجرار وراء كل حضارة فقدت قدرتها على الإبصار وكل ما هو روحي وأخلاقي كفر, مهما بلغت من زخرف القول الذي سبقهم إليه إبليس في غوايته لآدم عليه السلام { قالَ يا آدمُ هَلْ اَدُلكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لايَبْلى } (طه : 116)
لقد ارتكبت الحضارة الغربية منذ ما سمي بعهود التنوير جريمة حين حجرت الدين وراء جدران الكنيسة أو المعبد وأصبحت تعاليم السماء مجرد موعظة لمن أرادها في أوقات الصلاة أو الأعياد، فحاربت تلك الحضارة بعلمانيتها المتطرفة كل صوت ينادي بانحرافها أو يحذرها من عاقبة المصير، فالتقدم التكنولوجي بقدر خدماته الجليلة إلا انه بات يخرج عن نطاق السيطرة البشرية لأنه أصبح أسيرا لقلة محتكرة مستنفعة، مستبدة حاكمة، لا ترضى لحضارة الحديد أن تتوقف آلتها أو تصحح مسار تلوثها؟ فكانت النتائج كما يرى الدكتور عماد الدين خليل اشد خطرا على مستقبل البشرية» لان التقدم الصحيح معناه تحسين صحيح لأحوال الحياة لا يمكن أن يبنى على وثنية الآلات ولا على العتلات ولكن يجب أن يقوم على الدين وعلى الفن وفوق ذلك كله على العلم الخالص على محبة الله ،على محبة الحقيقة وعلى حب الجمال وحب العدل». (7)
فنان تشكيلي
[email protected]
المراجع والمصادر:
(1) سيد قطب، المستقبل لهذا الدين، دار الشروق الطبعة السابعة عشرة 2006ص54
(2) سيد قطب، المستقبل لهذا الدين، دار الشروق الطبعة السابعة عشرة 2006ص84
(3) سيد قطب، المستقبل لهذا الدين، دار الشروق الطبعة السابعة عشرة 2006ص84
(4) وائل احمد خليل، مسألة الحرية في الوعي الغربي، مجلة اسلامية المعرفة، عدد: 031 – 032
(5) محمد قطب، منهج الفن الإسلامي، دار الشروق، الطبعة السادسة 1983,ص 23
(6) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
(7) عماد الدين خليل، مدخل إلى الحضارة الإسلامية، نشر دار العربية للعلوم، طبعة أولى 2005ص 246.