مقال / جردة حساب!

تصغير
تكبير
|إبراهيم صموئيل|

لا تدري كيف تنجو من بلادة الحياة حولك! من رتابتها وتكرارها وثباتها على معطيات لا جدّة فيها ولا حيوية! تحار كيف تجدّد أو تغيّر، لا بسبب من كثرة الخيارات المطروحة عليك , والمشاريع المفتوحة أمامك... بل في شحّها وانعدامها أحياناً!

تدور في حلقة ضيقة ومساحة صغيرة ما إن تغادر زاوية منها حتى تعود إليها. صديق تزوره اليوم، بعد صديق زارك بالأمس. فيلم سينمائي جدير بالمشاهدة تحضر عرضه شاءت الأقدار أن ينجو من ركام التفاهات المرئية، بعدها ليس لك إلا أن تنتظر مشيئة الأقدار ثانية! سهرة تغالب الإملال فيها ببعض الضحك أو الحوار المتوتر، ثم تغادرها خالياً من أي إضافة تذكر! يوميات ويوميات تتناسخ وتشابه وتنبّهك إلى أن الزمن يمر سريعاً وأنت في مكانك راوح!

يتصل بك صديق مهاجر إلى بلد أوروبي فتبادر إلى سؤاله عن أحواله وأخباره لتنصت إلى شريط طويل من أحداث ووقائع عاشها ويعيشها. رحلات، وزيارات بلدان عديدة، وملتقيات، وندوات، ومغامرات، تغيير المنزل، إقامة في جبال، مشاركة في كرنفالات، مشاريع قيد الإعداد، تعارفات وصداقات... وحشد من مفردات حياة ملوّنة مكتنزة، بالغة الحيوية والجدّة والإدهاش... حتى إذا ما تنبّه إلى استرساله ـ إنْ هو تنبّه في غمار ما يعيش! ـ وسألك عن أحوالك وأخبارك لم تجد ما تضيفه إلى ما عرفه أو سمعه منك أو قرأه في رسائلك على مدار عشرين عاماً مضت!

«ما أخباري!؟» ستقول له متعجباً لا مستفهماً، ثم تمطّ شفتك السفلى، أو ترفع كتفيك (من دون أن يراك بالطبع!) وتتنحنح قليلاً لكأنك ستقابل أخباره بأخبار ووقائع وأحداث لا تقلّ جدّة وإدهاشاً وحيوية مما لديه، في حين أنك، في أعماقك، تتمنى لو أن المكالمة الهاتفية توقفت هنا إذ ليس لديك ما تنبش أو تفتّش عنه وتقدّمه!

عشرات الأصدقاء، من غير المهاجرين، تلتقي بهم وتسألهم عن أحوالهم وأخبارهم فيجدون أنفسهم متورطين في فراغ جعبة حيواتهم، الأمر الذي يدفعهم إلى اللجوء للمعتاد المألوف الشائع: «ماشي، ماشي، كلّه تمام» مما لا ينفع ولا يضرّ وإنْ كان يُنجي من عبء السؤال وثقله! بعضهم سيتلو على مسامعك فُتات من هنا وهناك مما لا يعدو الدائرة الضيقة والمساحة الصغيرة التي تتركز في جوهرها على ما ليس شيئاً خارج الأكل والشرب والعمل والنوم.

بالتأكيد، سيخترع الناس من غير الراغبين بالهجرة، أو غير القادرين عليها، لقاءات صغيرة وأفراحاً صغيرة ووقائع ما ومتغيرات على نحو من الأنحاء لكي يأنسوا بها، أو لكي يُوهموا أنفسهم بجدّتها. سيضع الناس المخططات والمشاريع والبرامج الوهمية حتى لا يُفتضح خواء ما نعيش... أما واقع الحال فهو فتات في فتات!

لم تتوارد هذه الخواطر إلى ذهني في لحظة حزن أو فترة كآبة وقنوط.. وإنما مع غروب العام وانبلاج عام جديد، كما لو كان الأمر «جردة حساب» لما مضى «جردة حساب» لما قد يأتي! لا بدّ لك، في النهايات، من نظرة تلقيها على المسار منذ البدايات. ربما أملنا في بداية العام الماضي ثم راحت أيامه وأشهره تبدّد الآمال كما يتبدّد الدخان في الهواء الطلق!

وربما على مدار عقدين أو ثلاثة عقود أو أكثر كنا نأمل في جديد , شخصي أو عامّ، في تغيير، في مدهش، في تجديد، هل أجرؤ وأقول: في تطوّر ما، أو تحسّن ما. ربما رسمنا جميعاً آمالاً عريضة، ثم بنظرة أو نظرتين رحنا نشهد تناثرها وتبعثرها كحفنة رمل في يد طفل! ورغم ذلك سنعاود الأمل هذا العام أيضا لأننا محكومون به لامحالة على قولة سعد الله ونوس.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي