الأنبياء والعمل المهني / نوح عليه السلام والعمل في النجارة

u0627u0644u0633u0641u064au0646u0629 u0631u0645u0632 u0627u0644u0646u062cu0627u0629
السفينة رمز النجاة
تصغير
تكبير
نسبه هو: نوح بن لامل بن متوشالح بن أخنوخ أي (ادريس) فإدريس جده الأكبر، وينتهي نسبه إلى «شيت» عليه السلام ابن آدم أبي البشر وبينه وبين آدم ما يزيد على ألف عام، ورواية التوراة تذكر ان بينهما (1056) عاماً.

وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال: «كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام».

قوم نوح

كان قوم نوح قد عكفوا على عبادة غير الله تعالى واتخذوا لهم اصناماً يعبدونها من دون الله فاختار الله سبحانه وتعالى نوحاً عليه السلام لينذرهم عذاب الله اذا تمادوا في غيهم وضلالهم فعتوا عن امر ربهم، وكذبوه واحتقروه هو ومن اتبعه وآذوه اذايات كثيرة وشديدة، الا ان نوحاً عليه السلام صبر صبراً لا طاقة لأحد على تحمله ولا قدرة عليه فقد جاهد جهاد الأبطال، وصبر صبر الجبال، أوذي، وعذب، واضطهد فلم يكف عن تبليغ دعوة الله لمدة تقارب الألف عام ولم يضعف عن ابداء النصح والتذكير ابتغاء مرضاة الله ولما يئس نوح عليه السلام من إيمان قومه بعد هذه الفترة الطويلة من الزمان وأوحى الله سبحانه وتعالى اليه بأنه لن يؤمن من قومه بعد هؤلاء المؤمنين احد كما قال تعالى: (وأوحي إلى نوح انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يصنعون) (هود: 36) عند ذلك التجأ إلى الله قومه بالهلاك والدمار فاستجاب الله دعاءه وأعلمه بأنه سيهلكهم بالطوفان فلا يبقي منهم أحداً، وأوحى اليه ان يصنع الفلك (السفينة) ليركب فيها هو وجماعته المؤمنون، وتكون اداة نجاتهم جميعاً من الغرق العتيد ولم يكن لنوح ولا لغيره معرفة بصنع الفلك ولذلك اوحى الله اليه صنعها وعلمه كيف ينبغي ان تكون كما قال تعالى (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) (هود 37).

وأخذ نوح عليه السلام يصنع الفلك، وكان تحوله من داع إلى الله إلى نجار سبباً في تعجب الكفار منه والسخرية والاستهزاء والتشهير به وبعمله، ذلك بأنهم لم يكونوا يعرفون شيئاً عن صناعة السفن ولا عن فوائدها، فكانوا يعتقدون ان نوحاً يشقي نفسه في عمل لا نفع فيه ولا فائدة من ورائه، أو لأنه كان يصنع السفينة في برية بعيدة كل البعد عن الماء، فكانوا يتساءلون ساخرين: ماذا تقصد يانوح بهذه السفينة؟ وأين الماء الذي سيحملها؟ وكانوا يقولون: صرت نجاراً يا نوح بعد ان كنت نبياً؟

وكما سخر قوم نوح منه فقد سخر منهم ايضاً ومن غفلتهم عن الحق وبلادتهم عن اخذ الحيطة لأنفسهم باتباعه بإحسان وتنجية أنفسهم وبعد ان أتم نوح صنع سفينته وفار التنور الذي كان أهله يعملون فيه الخبز بانبثاق الماء فيه امر الله نوحاً عليه السلام ان يحمل في السفينة أهله ويدخل فيها من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين وأهله إلا زوجه وأن يأخذ معه من آمن من قومه وكانوا قليلاً.

العمل في النجارة

نشأ نوح عليه السلام في بلاد العراق بين قوم يعكفون على أصنام يتخذونها آلهة، ويعبدونها من دون الله، فأوحى الله اليه برسالته وأمره ان يبلغها لقومه ليهديهم إلى الحق، وليدعوهم إلى عبادة الله وحده، ولينذر المخالفين الذين يبتعدون عن تقوى الله وطاعته بعذاب يوم عظيم وهو اليوم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين، لتعلم كل نفس ما قدمت وأخرت، ولتجزي كل نفس بما عملت، فمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها. وفي ذلك يقول الله عز وجل في سورة الأعراف: (لقد ارسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم)، ثم يقول في سورة هود: (ولقد ارسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين. أن لا تعبدوا إلاالله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم).

لكن هذه الدعوة الخالصة المؤمنة - من نوح عليه السلام - لم تجد آذاناً واعية، ولا قلوباً مؤمنة من قومه بل وجدت آذاناً صما وقلوباً كالحجارة أو أشد قسوة. ولقد لبث نوح في قومه أمداً طويلاً يدعوهم ليلاً ونهاراً واعلاناً وإسراراً، وتحمل من الأذى والعنت ألواناً، وبذل من التضحيات ما لم يبذله نبي من قبله ولا بعده. ومع ذلك لم يؤمن بدعوته الا القليل من الضعفاء والمساكين، أما الأغلبية الساحقة، خصوصاً من الملأ وأصحاب النفوذ والسلطان فقد اعرضوا عن دعوته وأصروا واستكبروا وانكروا عليه ان يكون نبياً وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى (فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك الا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) وقال سبحانه: (قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين. قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين. أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون. أو عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون).

وبعد ان ضاق نوح ذرعاً بقومه لجأ إلى ربه مستغيثاً به مما يلاقي من قومه من اعراض وشاكياً إياهم لله رب العالمين فقال عليه السلام: (رب إن قومي كذبون. فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين).

كما دعا على قومه بالهلاك لضلالهم واضلالهم غيرهم وانتقال ضلالهم إلى ذريتهم بالوراثة فهم لا يلدون الا من كان على شاكلتهم في الكفر والفجور، فقال عليه السلام: (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً. إنك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجراً كفارا».

صنع السفينة

عند ذلك استجاب الله عز وجل لدعاء نوح عليه السلام وأراد سبحانه قبل ان يهلك قومه المكذبين ان يهيئ له وللمؤمنين رسالته أسباب النجاة فأوحى اليه انه لن يؤمن احد سوى من آمن، وأمره بألا يحزن بسبب تكذيب الكافرين له وايذاؤهم إياه لأن الله سيغرقهم اجمعين.

أمر الله نوحاً ان يصنع سفينة النجاة، وأعلمه انه سيكون اثناء صنعها محاطاً بعنايته مشمولاً برعايته، ونهاه ان يدعو للكفار بالنجاة بعد ان اصروا على كفرهم لأنه حكم عليهم بالغرق.

شرع نوح عليه السلام في صنع السفينة وكان تحوله من داع إلى الله إلى نجار سبباً في تعجب الكفار منه والسخرية به.

وكان نوح ازاء سخريتهم يقول لهم: ان كنتم تهزأون بي وبمن معي من الذين آمنوا فإننا سنهزأ بكم عما قريب لأني اعلم ما سيحل بكم من عذاب وهلاك، وسوف تعلمون من سيأتيه عذاب يذله في الدنيا كما سيحل عليه في الآخرة عذاب دائم خالد. قال تعالى: (وأوحى إلى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون. ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه. قال ان تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون. فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم).

وأتم نوح عليه السلام صنع السفينة فأمره الله سبحانه وتعالى ان يجمع من كل صنف من الأحياء والحيوانات زوجين ذكر وأنثى ليحملهما في السفينة لأجل ان تبقى بعد غرق سائر الأحياء فتتناسل ويبقى نوعها على الأرض كما أمره عز وجل ان يحمل معه في السفينة جميع أهله وأقاربه الا اثنين منهم كفرا بالله هما احدى زوجاته وأحد أبنائه، كما امره ان يحمل معه في السفينة المؤمنين من غير اقاربه وهم قليلون. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: (حتى اذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك الا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل. وقال اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم. وهي تجري بهم في موج كالجبال).

بعد ذلك ارسل الله عز وجل من السماء مطراً غزيراً لم تعهده الأرض من قبل، وأمر الأرض بأن تتفجر منها المياه من سائر ارجائها فاجتمع ماء السماء وماء الأرض ليحصل من جراء ذلك الطوفان العظيم الذي قدره الله لهلاك الكافرين بدعوة نبيه مهيئاً سبيل النجاة لنوح ومن آمن معه على السفينة التي سارت بحفظ الله ورعايته وهذا ما ذكره الله سبحانه.

(فدعا ربه أني مغلوب فانتصر. ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر. وحملناه على ذات الواح ودسر. تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر). ولما فرغ جل شأنه من إهلاك الكفرة والمعاندين ولم يبق احد ممن عبد غير الله تعالى أمر الله الأرض ان تبلع ماءها، وأمر السماء ان تمسك عن المطر وفي ذلك يقول سبحانه: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين).
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي