جعفر رجب / تحت الحزام / أمل فراشة بيضاء (1)

تصغير
تكبير
لأني أب مسؤول عن رعيته، بحثت في يوم كان أوله هم وآخره غم، عن ولدي «عزوز» ذي الكشة العامرة، والبسمة الفاغرة، فوجدته يلعب ويلهو في ملاعب الطفولة، منتقلا من براحة يلعب فيها «البلي ستيشن» الى براحة للعب «النتندو» منتهيا «بالانترنت» المبارك، ركضت خلفه، وسحبته من كشته، ووضعته أمامي، وبأسلوب أب ناصح، تعود ان يتحمل الرضوض والكدمات، ويعد الخسائر كل مساء، ويستعيد ذكريات فشله كل صباح، مستعد دوما للمقادير التي ترميه على صخور شواطئها، قلت له: يا ولدي انت الآن في الصف الأول الابتدائي، والمستقبل أمامك رمادي كالاسمنت، والغد يا ولدي ليست فراشة بيضاء، بل غراب أسود يحلق فوق رأسك!
نظر إليّ عزوز، فتح فمه كأسد جائع، وقال: فوق رأسي كشة، وفوق الكشة سقف، لا أشوف لاغراب يحلق ولا فيل يطير!
لم أجب عما قال، وأكملت حديثي: يا ولدي في هذه البلاد الجميلة، ان تكون أهبل خيرا من ان تكون عاقلا، ومجرما خير من ان تكون محترما، وغبيا خيرا من ان تكون ذكيا، فمن يدرس كمن لا يدرس، ومن ينجح كمن يرسب، ومن يعمل كمن يقضي ايامه بين المقاهي، ومن يضحي من أجله كمن يسرقه صباحا ويغتصبه ليلا، في هذه البلاد قوم يعطون فقط، وقوم يأخذون فقط!

رد عزوز، دون مبالاة: يعني شنو، شنو لازم اسوي الحين؟!
قلت له: تعال يا ولدي، لادرسك، واعلمك بعض الكلمات، لعلك تستفيد من علمك في المستقبل!
> يفيدني في ماذا يا أبي العزيز؟ الذي تريد ان تطلع حكمتك على رأسي، الا يوجد احد غيري تعطيه من نصائحك؟!
- يا ولدي، اريد ان انصحك لتبني مستقبلا باهرا!
قال لي وهو يبتسم: لا اريد ان ابني، يا ابي اريد ان احارب النيران، «اريد ان أعمل في الإطفاء»!
> «هذا عمل فيه عناء»!
- اريد ان اطفئ الحرائق، واخمد النيران!
قلت والنار بين ضلوعي: يا ولدي اي الحرائق ستطفئ؟! مصانع الشويخ، ام مخازن امغرة، ام عروس الجهراء... أم تريد ان تطفئ نيران الطائفية التي كلما خمدت اججها تجارها، بمقالاتهم، وكتابهم، وصحفهم التي تبيع البلد من اجل حفنة دولارات، لصوصنا يسرقون بالدولار، السعر الرسمي للنفط يا ولدي... يا ولدي ماذا ستطفئ في بلاد سريعة الاشتعال؟!
بدأ الضيق على عزوز، وبدأ بحك رأسه، من الكلام البايخ، قال: يا ابي والله ذبحتني، قل لي كلمات «حلوة»، وليست «حولة»، المستقبل يبشر بالخير انظر يا ابي، واخرج عندها كتابا ورديا، هذا يا ابي كتاب اللغة العربية الجديد، يعني منهج جديد بقراطيسه، من اجل مستقبل وردي... ابشر يا ابي فالخير قادم، احضر كتابه، وبدأنا الدرس... وغدا نكمل!
***
في ضوء المقالة التي كتبتها، الاسبوع الفائت، عن حفل استقبال مدير الهيئة العامة للشباب والرياضة، اتصل بي الاخ حمود فليطح موضحا، بان حفل الاستقبال لم يتعد بعض المقبلات، ولم تتجاوز تكاليفه الخمسين دينارا، وانه استعد للهيئة من خلال لجان تشاورية متخصصة، لحل مشكلاتها، وتنظيف «دكاتها» من الغبار العالق لسنوات، وليس من خلال الاكل... ونحن بانتظار التنظيف!
جعفر رجب
jjaaffar@hotmil.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي