مقالي السابق ضمنته المثل أعلاه، وقد سألني بعض القراء وما القصة المشهورة لهذا المثل، ولمَ ختمت به مقالتك؟ فأجيبهم بأن قائله هو امرؤ القيس الشاعر المعروف، وكان أبوه حجر الكندي ملك بني أسد القبيلة العربية المشهورة، أوصى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أن يُعطى الملك من بعده إلى الذي لا يجزع عند سماع مقتله من أبنائه، فلما سمع أبناؤه خبر مقتل أبيهم جزعوا كلهم إلا امرؤ القيس الذي يروى أنه كان في مجلس شرب مع نديم له يلاعبه النرد، فقال له الناعي: يا امرؤ القيس قُتِل أبوك، فلم يلتفت إلى قوله، وأمسك نديمه عن اللعب، وقال له امرؤ القيس اضرب فضرب نديمه النرد حتى إذا فرغ قال له امرؤ القيس: ماكنت لأفسـد عليك لعبك، ثم التفت إلى الناعي وسأله عن أمر أبيه فأخبره الخبر، فقال امرؤ القيس: «اليوم خمر وغداً أمر، لا صحو اليوم ولا سكر غداً»، فأرسلها مثلاً يضرب لمن كان مشغولاً بشيء وأتاه أمر جلل فلا يستجيب له حتى يكمل ما في يده.
وليت بعض الفاسدين لدينا كانوا كحال امرؤ القيس، لقد كان فاسداً نعم، لقد كان سكيراً نعم، لقد كان يعشق مجالس اللهو والنساء نعم، ولكنه كان يفرق بين الجد والهزل إذا لزم الأمر، عندما اقتضى الأمر أن يثأر لأبيه لم يتردد، وقتل من بني أسد مئة رجل مقابل أبيه.
مشكلة الفاسدين المفسدين في الكويت أنهم يسمعون صيحات النذير كل يوم، من خلال كتاب الصحف والمدونات، ومن خلال الكوارث التي تحدث بين فترة وأخرى، ولكنهم في سكرتهم يعمهون لم يحركوا ساكناً، وشعارهم «اليوم خمر وغداً أمر، لا صحو اليوم ولا صحو غداً»! فمتى الصحو إذناً؟ بعد أن يجف الضرع!
لا أعلم متى يصحون! هل بعد خراب مالطة، أم خراب البصرة؟ أم يريدون أن ينتظروا حتى يزداد الطين بلة ليصحوا وقد تبدلت القيم، وأصبح السارق شريفاً، والمفسد وطنياً، والمتلون سياسياً من الطراز الأول، لا أعلم متى تتحرك فيهم الغيرة على الكويت، حتى ظننت أنهم يتعمدون ما يفعلون، ثم أراجع نفسي فأقول وهل يرضى عاقل لأهله وناسه ووطنه بهذا الوضع المتردي، ومن أجل ماذا يا هذا؟! حفظ الله الكويت وأهلها من الفاسدين والمفسدين.
في الأفق
أخاف أن يأتي يوم ويتحول المثل «بعد خراب مالطة» إلى «بعد خراب الكويت».
د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
[email protected]