في كل نشاط بيئي أو ممارسة يقوم بها الفرد تبرز شدة العلاقة بينه والبيئة لدرجة أنه يستحيل تجنب هذه العلاقة سواء كانت علاقة سلبية أو إيجابية. فهل بالإمكان أن تعيش الأحياء في بيئة لا تنعم بالهواء والماء والتربة والصخور والمعادن؟ فسائر الأحياء من حيوان ونبات تعيش حياتها متفاعلة مع مكونات البيئة الكثيرة. هذا التفاعل قد يختل اذا نجم عنه الاخلال بالنظام البيئي وخروجه عن توازنه. فالإنسان يدمر البيئة اذا استهلك الموارد المتعددة من نفط وغاز وفحم ومعادن وأخشاب، أو أساء استخدام الأراضي للزراعة والصناعة، أو أقام مشاريع ليس فيها أمن وسلامة للناس.
هذا الواقع البيئي المرتبط بالإنســــان يحتــــاج الــــى ضـــبط ايقاعه عملاً بمبدأ التوازن الذي جعله الخالق أساساً وداعماً لاستمرارية الحياة. فكل فعل يقوم به الإنسان يؤثر سلباً في البيئة، والأمثلة على ذلك لا حصر لها نراها في تلوث البحار، والرمال، والهواء الى استهلاك مفرط للموارد، وتخريب للطبيعة، وغيرها من ظواهر سلبية تنعكس على الحياة، وتؤدي الى كوارث بيئية يعاني منها الإنسان أعواماً طويلة.
الكثير من الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان والنبات مثلاً مصدرها الإنسان ذاته، فالعبث بالبيئة يؤدي الى تدميرها واصابة الإنسان بالخسائر الصحية والمادية، وانتشار الأمراض. أي ان الاخلال بالنظام البيئي يعني تسريع عوامل التحفيز وأسباب العلل والتخريب للبيئة والأحياء.
تلوث المياه بالصرف الصحي مثلاً قضية كارثية على حياة الأحياء، وهو أمر لا يحتاج الى براهين علمية لاثبات مشكلات البيئة بملوثات مياه الصرف الصحي. فالمياه العــفنة السامة والتـــي تشـــكل فضلات بسبب الاستخدامات البشرية عندما تصب في البحر فإن ذلك يؤدي الى موت الأحياء ومنها الأسماك وتلوث الماء بالجراثيم، وانبعاث غازات ضارة بصحة الإنسان.
لذلك نرى ان المسألة البيئية ينبغي أن نعطي لها جل اهتماماتنا، وألا نجعلها منسية أو نهملها في خطط التنمية. الدول المتحضرة تُدّرس علوم البيئة للاطفال في سن مبكرة وتقدم لهم خبرات حياتية وبيئية متنوعة، خصوصاً في كيفية التعامل مع المحيط الذي يعيش فيه الطفل والأشياء التي يتعامل معها وكيف يحافظ عليها. أما على مستوى الدولة فإن البيئة يجب أن تكون لب كل خطة قومية ومن دون ذلك تصبح خطط الدولة لا معنى لها لأنها تفتقر الى شرط أساسي وهو علاقة البيئة بعناصر الخطة وبمشاريع الدولة. بل ان دولاً كثيرة ولشدة عنايتها بالبيئة نجد أنها خصصت وزارة للبيئة تقوم بكل مسؤوليات العلاقة بين البيئة والناس، خصوصاً ضمان سلامة البيئة وحمايتها، وفرض جزاءات قانونية أو قضائية في حال أي تخريب أو تقصير يحدث للبيئة. نتمنى أن نزيد اهتمامنا بالبيئة، وأن نخصص وزارة للبيئة تعتني بشؤونها كافة بدل تعدد الجهات، وعدم التنسيق بينها والتضارب في أعمالها، واتهام طرف لطرف لآخر في حال الاهمال، والتقصير وحدوث الأزمات.
د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
[email protected]