لا أحد يريد السلام

القمة الثلاثية الأخيرة في نيويورك: اوباما ليس لديه حل!


باراك أوباما فشل في «قمة نيويورك» كونه تحدث إلى فضاء فارغ. دعوته لانهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بدت في القدس وفي رام الله، في تل أبيب وفي الخليل، كقطرات مطر تنساب على نافذة مأطومة. الرئيس الأميركي تحدث عن الاهمية الحرجة «لحل هذه القضية»، حين كان يجلس أمامه بنيامين نتنياهو ومحمود عباس بانعدام رغبة ظاهرة، ولم ينجح في اختراق جدران اللا مبالاة، انعدام الثقة وخيبة أمل الشعبين اللذين لا يعرفان سبيل حياة آخر غير النزاع الوطني.
أكثر من أي زعماء آخرين، على أوباما أن يعرف ان الثورات تحتاج إلى جنود، إلى اناس يرفعون العلم ويحدثون التغيير. وقد انتخب إلى الرئاسة لأن دعوته إلى التغيير أثارت حماسة ملايين الأميركيين الذين آمنوا به وساروا وراءه. هذا لم يحصل له في الشرق الأوسط. هنا أوباما يعتبر كلجوج مزعج يكرر الشعارات من عهود أسلافه، وليس كثوري مثير للحماسة. ليس لديه جنود وليس لديه مؤمنون، وهذا ما يسمح لرئيس وزراء إسرائيل ولرئيس السلطة الفلسطينية بإبعاده عنهما وتسويف الوقت بمناورات استنزاف وتبادل اتهامات.
ادعاء أوباما بأن حل النزاع ممكن، غير مقبول من معظم الإسرائيليين. أوباما لم ينجح في أن يجند حتى ولو مؤيد واحد في الساحة العامة أو في الساحة السياسية في إسرائيل ليقف أمام نتنياهو ويدعوه إلى قبول مبادرة الرئيس والاندفاع إلى الامام نحو «حل الدولتين». الإسرائيليون لا يعتقدون بأن إقامة دولة أبو مازن ستحسن وضعهم في شيء. لفكرة التقسيم لا يوجد اليوم الكثير من المؤيدين. اليسار العميق، الايديولوجي يكافح ضد الجيش الإسرائيلي باسم النزعة السلمية، ويسعى إلى دولة ثنائية القومية باسم المساواة والليبرالية. أما اليمين فيسعى إلى دولة ثنائية القومية باسم وحدة البلاد، تحقيق الوعد التوراتي والأمن الذي تمنحه التلال المشرفة.
الوسط السياسي الإسرائيلي، الذي يمتد من ليمور لفنات وجدعون ساعر عبر تسيبي ليفني وشاؤول موفاز، وحتى شمعون بيرس وايهود باراك، يؤيد ظاهراً التقسيم، أما عملياً فيقبل تقدير نتنياهو وأفيغدور ليبرمان بأن حل النزاع ليس ممكناً، وأن العرب لن يعترفوا أبداً بالدولة اليهودية، وأن الاستراتيجية الوحيدة لإسرائيل هي الردع المسنود باستخدام القوة. أوباما تحدث أول أمس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن الطفلة من سديروت التي تذهب إلى النوم وهي خائفة من رعب صاروخ يقتلها في الليل. قلقه يمس شغاف القلب، ولكن معظم الإسرائيليين يؤمنون بأن حملة «رصاص مصهور» هدأت روع أطفال سديروت أكثر بكثير من المسيرة السلمية التي يقترحها أوباما، وهم يؤمنون بأن الرد على الصواريخ هو القصف على غزة، وليس الاتفاقات مع أبو مازن.
الهدوء الأمني في الأشهر الأخيرة يوهن الاهتمام الذي يبديه الجمهور الإسرائيلي بمشاكل الخارجية والأمن. الاستطلاعات التي يقرأها نتنياهو تشير إلى ميل واضح: معظم الإسرائيليين قلقون اليوم من المشاكل الداخلية، من التعليم ومن العنف، أكثر بكثير مما من المستوطنات وحتى من التهديد الإيراني. الجمهور يريد أن تحسن الحكومة جودة حياته، وليس مؤتمرات سلام أخرى.
شيء واحد فقط يقلق الإسرائيليين حسب الاستطلاعات: التخوف من الحظر السياسي والمقاطعة الدولية. تقرير «غولدستون» والمحكمة الدولية في لاهاي يثيران قلقاً واهتماماً أكثر بكثير من خطابات السلام لأوباما. ولكن طالما كانت العلاقات مع العالم على ما يرام، فليس هناك ما يدعو إلى الخروج عن اللا مبالاة والانصات إلى الرئيس الأميركي. الحجة القديمة لليسار، في أن التعليم والامن الشخصي لن يتحسنا إلا إذا تخلصنا من المستوطنات ومن الاحتلال، لا تقنع الجمهور الإسرائيلي. حجة اليمين في أننا عندما خرجنا من غزة ساء الوضع الداخلي فقط، مقبولة أكثر.
القيادة وليس التنفيس
أوباما لا يثير حماسة الفلسطينيين أيضاً. وعوده بحث حل الدولتين يستقبل بانعدام ثقة. استطلاع نشره هذا الأسبوع «المعهد الدولي للسلام» برئاسة تريه لارسون، الوسيط السابق من اتفاقات «أوسلو»، اظهر أن 70 في المئة من الفلسطينيين لا يؤيدون أوباما. 56 في المائة قالوا ان أوباما لن يحقق تقدماً لإقامة فلسطين المستقلة. وهذا في استطلاع أغلبية المستطلعين فيه اعربوا عن تأييدهم لعباس وليس لـ «حماس».
أوباما محق بقوله ان النجاح منوط بالاحساس بالالحاح. ولكن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يشعرون بالالحاح، وأوباما لا يقنعهم بأنهم مخطئون. أوباما عبر عن خيبة أمله على مسمع نتنياهو وعباس، بالتوبيخ العلني وبمحادثاته المغلقة معهما، وقرر جدولاً زمنياً عاجلاً للمحادثات على استئناف المفاوضات. مظاهر خيبة الأمل وانعدام الصبر لديه تعبر عن تقدير صادق للواقع، ولكن رئيس القوة العظمى انتخب كي يقود، لا أن ينفس أو أن يتنافس معنا، نحن المحللين.
ومن أجل القيادة، فإن عليه أن يخط طريقاً واضحاً بحيث يفهمه كل واحد في إسرائيل وفي المناطق ويكون بوسعه أن يؤيده. في هذا الاختبار فشل أوباما حتى الآن. هبوطه في الاستطلاعات وفقدانه الهالة المسيحانية، التي تمتع بها مع انتخابه، نبع من غموض وتعقيد الرسائل لدرجة ضياع النية. كان من الصعب التماثل مع «التغيير» ومع «نعم، نستطيع» من عهد الحملة الانتخابية، ولكن ليس مع الصيغ المركبة التي عرضها أوباما في خطته في المجال الصحي، أو مع الأهداف غير الواضحة للحرب في أفغانستان.
المبادئ التي عرضها أوباما لحل النزاع في الشرق الأوسط، في القمة الثلاثية يوم الثلاثاء وفي خطابه أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة في اليوم التالي، لم تتطلب ذكاء خاصاً: فقد بدت وكأنها «اقطع والصق» لتصريحات سلفه، جورج بوش. وقد عانت من المرض العضال لمبادرات السلام الأميركية في المنطقة، «الغموض البناء»، على حد تعبير هنري كيسنجر. وبدلاً من اقتراح حلول عملية لمشاكل حقيقية، يتحدثون بالشعارات التي تظهر كمرضية لمطالب الطرفين الخصمين. هكذا أميركا تبقى في الوسط، وتظهر المبالاة والتدخل بالحد الادنى من المخاطرة أو الثمن السياسي.
من دون مضمون
وهاكم مثالان. أوباما قال، في أعقاب بوش، إن الدولة الفلسطينية ستؤدي إلى «انهاء الاحتلال الذي بدأ في 1967». في اللحظة الأولى يبدو هذا كشعار اليسار الإسرائيلي، «كفى للاحتلال»، وكرد مناسب لتطلعات الفلسطينيين. نتنياهو ورفاقه من اليمين، الذين يرفضون بشكل عام الادعاء بأنه يوجد احتلال، يفترض بهم أن يغضبوا وأن يشعروا بالإهانة. ولكن ليس لديهم أي داع للانفعال، إذ ان الصيغة الأميركية لا تقول في واقع الأمر أي شيء. فهي لا تدعي بأن الاحتلال ليس على ما يرام أو ليس مناسباً، بل فقط أنه سينتهي من تلقاء ذاته إذا ما قامت دولة فلسطينية في حدود ما. هذا يبقي مساحة هائلة للمرونة الإقليمية والاجرائية، دون عرض حل حقاً.
أوباما، «شدد»، على تعبيره على أن أميركا «لا تقبل بشرعية استمرار المستوطنات». لا شك أن مثل هذا القول لن يحقق له مؤيدين في مجلس «يشع» للمستوطنين أو في خيمة الاحتجاج لليمين، ولكنه فارغ من المضمون ومشوش بالضبط مثل أحاديثه عن انهاء الاحتلال. يمكن أن يفهم منه مثلاً أن الولايات المتحدة تقبل شرعية المستوطنات التي بنيت حتى الآن. كما ليس واضحاً ما معنى «انعدام الشرعية». هل هذا يعني أنه ينبغي حل المستوطنات؟ عدم إضافة المنازل لها، أن المستوطنين اناس أشرار، أم أن الرئيس الأميركي بالاجمال يريد لمعارضته للاستيطان أن تسجل في البروتوكول دون أن يدخل في شقاق مع إسرائيل ومع مؤيديها في أميركا؟
في صيغه الغامضة، يعترف أوباما بأن ليس لديه فكرة عن كيفية حل النزاع، ولا يوجد غطاء لادعائه بأن الحل ممكن. الخطوات العملية التي عرضها تعزز الاشتباه بأن ليس لديه حقا ما يقترحه. أوباما تخلى عن «الخطوات البانية للثقة» التي أمل في أن يحققها تجميد المستوطنات مقابل طيران العال في سماء الدول العربية وفتح ممثليات إسرائيلية في دول الخليج، ويدعو الآن الأطراف إلى استئناف المفاوضات في أسرع وقت ممكن «من دون شروط مسبقة».
نتنياهو يرى في ذلك انتصاراً: البناء في المستوطنات سيستمر، وإسرائيل ستدخل في المحادثات دون أن تضمن شيئاً للفلسطينيين. لا خطر على سلامة الائتلاف وعلى وحدة «الليكود». أوباما أيضاً قزم مخاطرته السياسية حين كلف بدفع المفاوضات إلى الأمام خصمته، وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وها هي طريق ناعمة لالقاء تبعة الفشل المتوقع عليها والمس بفرصها للمنافسة المتكررة ضد أوباما.
وهناك من يدعي بأن أوباما ببساطة اخطأ بإطلاق الدعوات إلى القمة. تصوروا ماذا كان سيحصل في الرأي العام الإسرائيلي، كما قال هذا الأسبوع مستشار سياسي قديم، لو أننا بدلاً من عباس رأينا إلى جانب نتنياهو بشار الاسد.
الوف بن
«هآرتس»
أكثر من أي زعماء آخرين، على أوباما أن يعرف ان الثورات تحتاج إلى جنود، إلى اناس يرفعون العلم ويحدثون التغيير. وقد انتخب إلى الرئاسة لأن دعوته إلى التغيير أثارت حماسة ملايين الأميركيين الذين آمنوا به وساروا وراءه. هذا لم يحصل له في الشرق الأوسط. هنا أوباما يعتبر كلجوج مزعج يكرر الشعارات من عهود أسلافه، وليس كثوري مثير للحماسة. ليس لديه جنود وليس لديه مؤمنون، وهذا ما يسمح لرئيس وزراء إسرائيل ولرئيس السلطة الفلسطينية بإبعاده عنهما وتسويف الوقت بمناورات استنزاف وتبادل اتهامات.
ادعاء أوباما بأن حل النزاع ممكن، غير مقبول من معظم الإسرائيليين. أوباما لم ينجح في أن يجند حتى ولو مؤيد واحد في الساحة العامة أو في الساحة السياسية في إسرائيل ليقف أمام نتنياهو ويدعوه إلى قبول مبادرة الرئيس والاندفاع إلى الامام نحو «حل الدولتين». الإسرائيليون لا يعتقدون بأن إقامة دولة أبو مازن ستحسن وضعهم في شيء. لفكرة التقسيم لا يوجد اليوم الكثير من المؤيدين. اليسار العميق، الايديولوجي يكافح ضد الجيش الإسرائيلي باسم النزعة السلمية، ويسعى إلى دولة ثنائية القومية باسم المساواة والليبرالية. أما اليمين فيسعى إلى دولة ثنائية القومية باسم وحدة البلاد، تحقيق الوعد التوراتي والأمن الذي تمنحه التلال المشرفة.
الوسط السياسي الإسرائيلي، الذي يمتد من ليمور لفنات وجدعون ساعر عبر تسيبي ليفني وشاؤول موفاز، وحتى شمعون بيرس وايهود باراك، يؤيد ظاهراً التقسيم، أما عملياً فيقبل تقدير نتنياهو وأفيغدور ليبرمان بأن حل النزاع ليس ممكناً، وأن العرب لن يعترفوا أبداً بالدولة اليهودية، وأن الاستراتيجية الوحيدة لإسرائيل هي الردع المسنود باستخدام القوة. أوباما تحدث أول أمس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن الطفلة من سديروت التي تذهب إلى النوم وهي خائفة من رعب صاروخ يقتلها في الليل. قلقه يمس شغاف القلب، ولكن معظم الإسرائيليين يؤمنون بأن حملة «رصاص مصهور» هدأت روع أطفال سديروت أكثر بكثير من المسيرة السلمية التي يقترحها أوباما، وهم يؤمنون بأن الرد على الصواريخ هو القصف على غزة، وليس الاتفاقات مع أبو مازن.
الهدوء الأمني في الأشهر الأخيرة يوهن الاهتمام الذي يبديه الجمهور الإسرائيلي بمشاكل الخارجية والأمن. الاستطلاعات التي يقرأها نتنياهو تشير إلى ميل واضح: معظم الإسرائيليين قلقون اليوم من المشاكل الداخلية، من التعليم ومن العنف، أكثر بكثير مما من المستوطنات وحتى من التهديد الإيراني. الجمهور يريد أن تحسن الحكومة جودة حياته، وليس مؤتمرات سلام أخرى.
شيء واحد فقط يقلق الإسرائيليين حسب الاستطلاعات: التخوف من الحظر السياسي والمقاطعة الدولية. تقرير «غولدستون» والمحكمة الدولية في لاهاي يثيران قلقاً واهتماماً أكثر بكثير من خطابات السلام لأوباما. ولكن طالما كانت العلاقات مع العالم على ما يرام، فليس هناك ما يدعو إلى الخروج عن اللا مبالاة والانصات إلى الرئيس الأميركي. الحجة القديمة لليسار، في أن التعليم والامن الشخصي لن يتحسنا إلا إذا تخلصنا من المستوطنات ومن الاحتلال، لا تقنع الجمهور الإسرائيلي. حجة اليمين في أننا عندما خرجنا من غزة ساء الوضع الداخلي فقط، مقبولة أكثر.
القيادة وليس التنفيس
أوباما لا يثير حماسة الفلسطينيين أيضاً. وعوده بحث حل الدولتين يستقبل بانعدام ثقة. استطلاع نشره هذا الأسبوع «المعهد الدولي للسلام» برئاسة تريه لارسون، الوسيط السابق من اتفاقات «أوسلو»، اظهر أن 70 في المئة من الفلسطينيين لا يؤيدون أوباما. 56 في المائة قالوا ان أوباما لن يحقق تقدماً لإقامة فلسطين المستقلة. وهذا في استطلاع أغلبية المستطلعين فيه اعربوا عن تأييدهم لعباس وليس لـ «حماس».
أوباما محق بقوله ان النجاح منوط بالاحساس بالالحاح. ولكن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يشعرون بالالحاح، وأوباما لا يقنعهم بأنهم مخطئون. أوباما عبر عن خيبة أمله على مسمع نتنياهو وعباس، بالتوبيخ العلني وبمحادثاته المغلقة معهما، وقرر جدولاً زمنياً عاجلاً للمحادثات على استئناف المفاوضات. مظاهر خيبة الأمل وانعدام الصبر لديه تعبر عن تقدير صادق للواقع، ولكن رئيس القوة العظمى انتخب كي يقود، لا أن ينفس أو أن يتنافس معنا، نحن المحللين.
ومن أجل القيادة، فإن عليه أن يخط طريقاً واضحاً بحيث يفهمه كل واحد في إسرائيل وفي المناطق ويكون بوسعه أن يؤيده. في هذا الاختبار فشل أوباما حتى الآن. هبوطه في الاستطلاعات وفقدانه الهالة المسيحانية، التي تمتع بها مع انتخابه، نبع من غموض وتعقيد الرسائل لدرجة ضياع النية. كان من الصعب التماثل مع «التغيير» ومع «نعم، نستطيع» من عهد الحملة الانتخابية، ولكن ليس مع الصيغ المركبة التي عرضها أوباما في خطته في المجال الصحي، أو مع الأهداف غير الواضحة للحرب في أفغانستان.
المبادئ التي عرضها أوباما لحل النزاع في الشرق الأوسط، في القمة الثلاثية يوم الثلاثاء وفي خطابه أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة في اليوم التالي، لم تتطلب ذكاء خاصاً: فقد بدت وكأنها «اقطع والصق» لتصريحات سلفه، جورج بوش. وقد عانت من المرض العضال لمبادرات السلام الأميركية في المنطقة، «الغموض البناء»، على حد تعبير هنري كيسنجر. وبدلاً من اقتراح حلول عملية لمشاكل حقيقية، يتحدثون بالشعارات التي تظهر كمرضية لمطالب الطرفين الخصمين. هكذا أميركا تبقى في الوسط، وتظهر المبالاة والتدخل بالحد الادنى من المخاطرة أو الثمن السياسي.
من دون مضمون
وهاكم مثالان. أوباما قال، في أعقاب بوش، إن الدولة الفلسطينية ستؤدي إلى «انهاء الاحتلال الذي بدأ في 1967». في اللحظة الأولى يبدو هذا كشعار اليسار الإسرائيلي، «كفى للاحتلال»، وكرد مناسب لتطلعات الفلسطينيين. نتنياهو ورفاقه من اليمين، الذين يرفضون بشكل عام الادعاء بأنه يوجد احتلال، يفترض بهم أن يغضبوا وأن يشعروا بالإهانة. ولكن ليس لديهم أي داع للانفعال، إذ ان الصيغة الأميركية لا تقول في واقع الأمر أي شيء. فهي لا تدعي بأن الاحتلال ليس على ما يرام أو ليس مناسباً، بل فقط أنه سينتهي من تلقاء ذاته إذا ما قامت دولة فلسطينية في حدود ما. هذا يبقي مساحة هائلة للمرونة الإقليمية والاجرائية، دون عرض حل حقاً.
أوباما، «شدد»، على تعبيره على أن أميركا «لا تقبل بشرعية استمرار المستوطنات». لا شك أن مثل هذا القول لن يحقق له مؤيدين في مجلس «يشع» للمستوطنين أو في خيمة الاحتجاج لليمين، ولكنه فارغ من المضمون ومشوش بالضبط مثل أحاديثه عن انهاء الاحتلال. يمكن أن يفهم منه مثلاً أن الولايات المتحدة تقبل شرعية المستوطنات التي بنيت حتى الآن. كما ليس واضحاً ما معنى «انعدام الشرعية». هل هذا يعني أنه ينبغي حل المستوطنات؟ عدم إضافة المنازل لها، أن المستوطنين اناس أشرار، أم أن الرئيس الأميركي بالاجمال يريد لمعارضته للاستيطان أن تسجل في البروتوكول دون أن يدخل في شقاق مع إسرائيل ومع مؤيديها في أميركا؟
في صيغه الغامضة، يعترف أوباما بأن ليس لديه فكرة عن كيفية حل النزاع، ولا يوجد غطاء لادعائه بأن الحل ممكن. الخطوات العملية التي عرضها تعزز الاشتباه بأن ليس لديه حقا ما يقترحه. أوباما تخلى عن «الخطوات البانية للثقة» التي أمل في أن يحققها تجميد المستوطنات مقابل طيران العال في سماء الدول العربية وفتح ممثليات إسرائيلية في دول الخليج، ويدعو الآن الأطراف إلى استئناف المفاوضات في أسرع وقت ممكن «من دون شروط مسبقة».
نتنياهو يرى في ذلك انتصاراً: البناء في المستوطنات سيستمر، وإسرائيل ستدخل في المحادثات دون أن تضمن شيئاً للفلسطينيين. لا خطر على سلامة الائتلاف وعلى وحدة «الليكود». أوباما أيضاً قزم مخاطرته السياسية حين كلف بدفع المفاوضات إلى الأمام خصمته، وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وها هي طريق ناعمة لالقاء تبعة الفشل المتوقع عليها والمس بفرصها للمنافسة المتكررة ضد أوباما.
وهناك من يدعي بأن أوباما ببساطة اخطأ بإطلاق الدعوات إلى القمة. تصوروا ماذا كان سيحصل في الرأي العام الإسرائيلي، كما قال هذا الأسبوع مستشار سياسي قديم، لو أننا بدلاً من عباس رأينا إلى جانب نتنياهو بشار الاسد.
الوف بن
«هآرتس»