التهنئة بالعيد تحمل التواصل القلبي، ودفء المشاعر، وتدخل السرور، وتصل الأرحام، وتجدد دماء العلاقات بين المسلمين رجالاً ونساء... صغاراً وكباراً.
وعيدكم مبارك. وكل عام وأنتم بخير. وتقبل الله منا ومنكم. كلمات جامعة مانعة رقيقة بسيطة تحمل جميع دلالات التهنئة بالعيد. ومنذ عقدين كانت التهاني بين المتباعدين في المسافات... تتم عن طريق الانتظار في طوابير التلفون للتهنئة للأحباب في بلاد الغربة، أو عن طريق رسائل البريد المُعدّة قبل المناسبة بأيام، وكم حمل ساعي البريد في كل بلد ملايين الرسائل تحمل التهنئة بالعيد، واليوم لم يعد يحمل إلا القليل النادر بسبب سرعة الاتصال عبر الانترنت، والتلفون المحمول الذي أصبحت رسائل التهنئة عبره هي الأسرع والأجمل، وفي إحصائية بسيطة وصل عدد رسائل التهنئة، في مناسبة العيد عبر المحمول، في مصر إلى أكثر من 150 مليون رسالة.
واللافت بشدة هو تحول التهنئة بالعيد عبر رسائل التلفون المحمول إلى أداة للتهنئة والتعبير السياسي أيضاً، فالتهاني عبر رسائل التليفون تحمل كل ما يستطيع المرسل أن يعبر عنه في جمل قصيرة جياشة تبالغ في المدح والتعبيرات، ونحن العرب كرماء في ذلك لأقصى درجة وهو ما يدخل السرور والغبطة على نفس المرسل إليه، وأحياناً يطير فرحاً وهو غير مصدق كلمات الإطراء في الرسالة.
لكن يأبى السياسيون إلا أن تكون لهم بصمة في التهنئة خاصة أصحاب الرأي المعارض فنجد الإسلاميين باختلاف تنوعاتهم تحمل رسائلهم تنوعات آرائهم فمنهم من يتمنى تحكيم الشريعة، ومنهم من يتمنى النصر للمسلمين في فلسطين وأفغانستان، ومنهم من يتمنى طرد المحتل في العراق وأفغانستان، وكثير من الرسائل تتمنى النصر على اليهود، والصلاة في المسجد الأقصى، والكثير مما شابه ذلك، ولا يفوتني الإشارة إلى رسائل «جماعة الإخوان» التي تحمل بصمتهم المعارضة الخاصة. أما غيرهم من السياسيين فلهم أيضاً بصماتهم، ففي مصر الأحزاب السياسية رغم عدم وجودها الفعال في الشارع، إلا أن بعضها يستغل المناسبة فيرسل رسالة تحمل بصمته السياسية ليذكر الناس بوجوده، وأيضاً «حركة كفاية» ورغم ما دخل عليها من ضعف إلا أنها لم تترك المناسبة إلا وأرسلت شعاراتها المعارضة عبر الرسائل.
لكن يبقى أنه في كل مناسبة تسود رسالة تحمل مشكلة عامة يتم تداولها بكثرة، ومن ذلك مشكلة القمامة التي ظهرت أخيراً في مصر بسبب مشاكل إدارية بين الشركات والأجهزة المختصة فتراكمت القمامة في القاهرة والجيزة بشكل لافت جداً، فحملت رسائل التهنئة بالعيد الحدث، مثل: كل عام ومصر نظيفة من غير حكومة نظيف، وكل عام ومصر أكثر نظافة من غير حكومة نظيف، وهكذا.
وبعيداً عن السياسيين دخل الشباب على خط الرسائل السياسية المخلوطة بالتهنئة يتحدثون فيها عن التغيير والفساد المنتشر، وغير ذلك من أمنياتهم عبر رسالة تهنئة قصيرة.
وأخيراً قيل سابقاً ان النكتة السياسية الساخرة هي آلية معارضة لا تجد منفذاً لها إلا بلورة معارضتها في نكتة نتيجة حالة الاستبداد وكبت الرأي. واليوم وإلى جانب النكتة السياسية ظهرت الرسائل القصيرة لتعبر عن وسيلة جديدة للتعبير عن الرأي رغم وجود الكم الهائل من الصحف والقنوات الفضائية. وكل عام وأنتم بخير.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
[email protected]