وقفات بعد الرحيل

تصغير
تكبير
• الوقفة الأولى: حال السلف وحالنا:
ها هي أيام رمضان قد انقضت، ولياليه قد تولت، انقضى رمضان وذهب ليعود في عام مقبل، انقضى رمضان شهر الصيام والقيام، شهر المغفرة والرحمة، انقضى رمضان وكأنه ما كان.
آية رمضان ماذا أودع فيك صالحات، وماذا كتبت فيك من رحمات، كم من صحائف بيضت، وكم من قلوب عتقت، وكم حسنات كتبت.
انقضى رمضان وفي قلوب الصالحين لوعة، وفي نفوس الابرار حرقة وكيف لا يكون ذلك، وها أبواب الجنان تغلق، وأبواب النار تفتح، ومردة الجنة تطلق بعد رمضان.
انقضى رمضان: فياليت شهري من المقبول فنهنيه ومن المطرود فنعزيه.
انقضى رمضان فماذا بعد رمضان؟
لقد كان سلف هذه الأمة يعيشون بين الخوف والرجاء.
كانوا يجتهدون في العمل فإذا ما انقضى وقع الهم على أحدهم: أقبل الله من ذلك أم رده عليه.
هذه حال السلف هذه الأمة فما هو حالنا؟
والله ان حالنا لعجيب غريب... فوالله لا صلاتنا كصلاتهم ولا صومنا كصومهم، ولا صدقتنا كصدقتهم، ولا ذكرنا كذكرهم.
لقد كانوا يجتهدون في العمل غاية الاجتهاد، ويتقنونه ويحسنونه، ثم إذا انقضى خاف ان يرد الله عليه عمله.
وأحدنا يعمل العمل القليل ولا يتقنه ولا يحسنه، ثم ينصرف وحاله كأنه قد ضمن القبول والجنة.
فيا أخي عليك أن تعيش بين الخوف والرجاء، اذا تذكرت تقصيرك في صيامك وقيامك، خفت أن يرد الله عليك ذلك، وإذا نظرت الى سعة رحمة الله، وأن الله يقبل القليل ويعطي عليه الكثير، رجوت أن يتقبلك الله في المقبولين.
• الوقفة الثانية: علامات القبول.
إن لكل شيء علامة، وقد ذكر العلماء أن من علامات قبول الحسنة أن يتبعها العبد بحسنة أخرى.
فما هو حالك بعد رمضان؟ هل تخرجت في مدرسة التقوى في رمضان فأصبحت من المتقين؟
هل تخرجت في رمضان وعندك عزم الاستمرار على التوبة والاستقامة؟
هل أنت أحسن حالاً بعد رمضان منك قبل رمضان؟ إن كنت كذلك فاحمد الله، وإن كنت غير ذلك فابك على نفسك يامسكين فربما أن أعمالك لم تقبل منك، وربما انك من المحرومين وأنت لا تشعر.
• الورقة الثالثة: أقسام الناس بعد رمضان:
1 - الصنف الأول: قوم كانوا على خير وطاعة، فلما جاء رمضان شمروا عن سواعدهم، وضاعفوا من جهدهم وجعلوا رمضان غنيمة ربانية، ومنحة إلهية، استكثروا من الخيرات، وتعرضوا للرحمات، وتداركوا مافات، فلعله أن تكون قد أصابتهم نفحة من النفحات.
فما انقضى رمضان الا وقد حصلوا زاداً عظيماً، علت رتبهم عند الله، وزادت درجتهم في الجنات، وابتعدوا عن النيران.
علموا الا مستراح الا تحت شجرة طوبى، فاتبعوا هذه النفوس في الطاعات.
علموا أن الصالحات ليست حكراً على رمضان، فلا تراهم إلا صوماً قوماً، حافظوا على صيام الست من شوال، حافظوا على صيام الاثنين والخميس والايام البيض.
دمعتهم على خدودهم في جوف الليل، وعند الأسحار استغفار اشد من استغفار أهل الأوزار، يعيشون بين الخوف والرجاء، حالهم كما قال الله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم الى ربهم راجعون».
في السنن من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فقلت يارسول الله: أهم الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر ويخافون من الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يا ابنة الصديق، ولكنهم أقوام يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون أن يرد الله عليهم ذلك» فهؤلاء المقبولون هؤلاء هم السابقون هؤلاء الذين عتقت رقابهم، وبيضت صحائفهم، فطوبى ثم طوبى لهم.
2 - الصنف الثاني: قوم كانوا قبل رمضان في غفلة وسهو ولعب، فلما أقبل رمضان أقبلوا على الطاعة والعبادة صاموا وقاموا، قرأوا القرآن وتصدقوا ودمعت عيونهم وخشعت قلوبهم، ولكن ما أن ولّى رمضان حتى عادوا الى ما كانوا عليه، عادوا الى غفلتهم، عادوا الى ذنوبهم، فهؤلاء نقول لهم : من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انقضى وفات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
إن الذي أمرك بالعبادة في رمضان هو الذي أمرك بها في غير رمضان... فيا من عدت الى ذنوبك ومعاصيك وغفلتك تمهل قليلاً، وتفكّر قليلاً: كيف تعود الى السيئات، وربما قد طهرك الله منها... كيف تعود الى المعاصي وربما محاها الله من صحيفتك.... أيعتقك الله من النار فتعود اليها؟ {أيبيض الله صحيفتك من الأوزار وأنت تسودها مرة أخرى؟».
فيا عبدالله... آه لو تدري اي مصيبة وقعت فيها... آه لو تدري اي بلاء نترك بك، لقد استبدلت بالقرب بعداً، وبالحب بغضاً.
يا عبدالله... اياك أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً... لا تهدم ما بنيت، لا تسود ما بيضت، لا ترجع الى الغفلة والمعصية فوالله انك لا تضر الا نفسك... انك لا تدري متى تموت، لا تدري متى تغادر الدنيا... فاحذر أن تأتيك منية وأنت قد عدت الى الذنوب والمعاصي وتذكر «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فغير من حالك، اترك الذنوب، اقبل على ربك حتى يقبل الله عليك.
3 - الصنف الثالث: قوم دخل رمضان وخرج رمضان، وحالهم كحالهم، لم يتغير منهم شيء، ولم يتبدل من أمرهم، بل ربما زادت آثامهم، وعظمت ذنوبهم، واسودت صحائفهم، وزادت رقابهم الى النار غلا. هؤلاء هم الخاسرون حقاً، عاشوا عيشة البهائم، لم يعرفوا لماذا خلقوا عوضاً أن يعرفوا قدر رمضان وحرمة رمضان، وهؤلاء منهم من يتبجح ويجاهر بالفطر في نهار رمضان. فهؤلاء ليس أمامنا حيلة معهم الا ان ندعوهم الى التوبة النصوح، التوبة الصادقة، ومن تاب تاب الله عليه.
وهذه كلمات من كلمات سلف هذه الأمة: قال أبوالدرداء: لو أن أحدكم أراد سفراً، أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه؟ قالوا: بلى. قال: سفر يوم القيامة أبعد، فخذوا ما يصلحكم... حجوا لعظائم الأمور، صوموا يوماً شديد حره لحر يوم النشور، صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، تصدقوا بالسر ليوم قد عسر.
وقال الحسن البصري: إن الله جعل رمضان مضماراً لخلقه، يتسابقون فيه بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخافوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي فيه المحسنون ويخسر المبطلون.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي