شريفة عبدالرضا جراغ / 2008 والانطلاقة الخليجية الجديدة
تتميز دول مجلس التعاون الخليجي بعمق الروابط الدينية والثقافية في ما بينها، وغيرها من العوامل التي ساهمت في تقارب وتوحد هذه الدول، والتي عززتها الرقعة الجغرافية التي تحتضن سكان هذه المنطقة فيسرت الاتصال والتواصل بين شعوبها وخلقت ترابطاً وتجانساً في الهوية والقيم بين شعوبها.
هذه الروابط والعوامل المشتركة بين دول الخليج هي التي حدت بقادة ورؤساء هذه الدول بالتوجه نحو إيجاد صيغة تعاونية في ما بينهم توجت مسيرتهم بقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العام 1981، والذي نص نظامه الأساسي في مادته الرابعة على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دول الخليج في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وذلك لما يربط هذه الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة قريبة من بعضها أساسها العقيدة الإسلامية، والإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف. ومع التطور الحاصل في مجالي الصناعة والاقتصاد برزت العديد من التحديات الاقتصادية الداخلية والخارجية أمام دول المجلس، ومن أبرز هذه التحديات، على سبيل المثال لا الحصر، ضرورة جعل المنطقة مركزاً مالياً إقليمياً ودولياً من خلال تنسيق أنشطة أسواق المال بين دول الخليج ووضع أسس مشتركة للتعاون بينها، حتى يكون باستطاعة الاقتصاد الخليجي التعامل مع انعكاسات وتداعيات العولمة الاقتصادية، إذ يتعاظم دور المؤسسات المالية الدولية في مجال الإصلاحات الاقتصادية، متزامناً مع تنامي نشاط الشركات متعددة الجنسيات واتساع سيطرتها واحتكارها للسلع ذات التطور التكنولوجي، مما يجعلها مهيمنة على الاستثمار، وبالتالي تفرض سيطرتها على المنطقة. ومما لا شك فيه أن إعلان قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمتهم الأخيرة عن إطلاق السوق الخليجية المشتركة تعتبر خطوة مهمة على طريق تعزيز الوحدة الاقتصادية بين دول المنطقة، كمجموعة مشتركة في مواجهة العالم الخارجي، إذ سيتمكن المواطن الخليجي في ظل هذا «السوق» من ممارسة العديد من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية بحرية على امتداد دول المجلس، كمزاولة المهن والحرف، وتأسيس الشركات، بالإضافة إلى العمل في القطاعات الحكومية والأهلية، وتملك العقار، وتنقل رؤوس الأموال، والاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، والتنقل والإقامة.
كما ستتيح السوق الاقتصادية المشتركة اتساع الرقعة الجغرافية أمام التجارة والاستثمار لما تكفله من حرية الحركة وتعظيم الفوائد، وهذا ما يعرف بالسوق الأوسع الذي يحقق كفاءة الإنتاج والاستخدام الأمثل للموارد، والذي ستستفيد منه الصناعة الخليجية بشكل كبير وهو ما سينعكس بشكل ايجابي على المواطن الخليجي.
خلاصة القول، قد يشكل الإعلان عن قيام السوق الخليجية الاقتصادية المشتركة الفرصة المناسبة لعودة الأموال الخليجية المهاجرة، لكن السؤال المهم: هل سيشهد العام الجديد «تفعيل» السوق الاقتصادية المشتركة بالشكل المطلوب؟
شريفة عبدالرضا جراغ
[email protected]