رسائل المشاهير... أسرار وأزمات
برقيات على يخت المحروسة... قرارات وأوامر ووداع / الأخيرة

من الرسائل

نص رسالة الإبحار

الملكة فريدة







| القاهرة - من وليد طوغان |
يلاحق الناس... النجوم والمشاهير... في أعمالهم وحياتهم العامة، وكثيرا في حياتهم الخاصة. يسألون عن أسرارهم وتحركاتهم... غرامياتهم وزيجاتهم، وماذا يفعلون... وكيف يعيشون.
إنها «الملاحقة»... التي قد تؤذي النجوم والمشاهير أحيانا... خصوصا إذا كانت في أمور خاصة جدا.
ولعل من بين خصوصيات النجوم والمشاهير «سياسيون وديبلوماسيون وإعلاميون وفنانون ورياضيون وأدباء»... خطاباتهم «رسائلهم»... خصوصا في أمورهم الشخصية أو العائلية، أو حتى في حياتهم المهنية والعملية.
وفي هذه الرسائل... وكونها تخص نجوما ومشاهير سوف تتوالى المفاجآت... وقد تكون المفاجآت غرامية ملتهبة، أو خلافات حادة، أو طلبات غريبة.
و«الراي» تقلب في كثير من رسائل وخطابات النجوم «الورقية» طبعا، لأن ما قصدناهم لم يكونوا على صلة بـ «الإيميل» أو الفاكس في الغالب.
وجدنا في هذه الرسائل... غزلا وعشقا وهياما، كما عثرنا على ألغاز ومفاجآت وأسرار، وأحزان وأفراح وآمال وأحلام ومحطات إخفاق.
وفيها أيضا أسرار شخصية واجتماعية، ولم تسلم من السياسة ومعارك الديبلوماسية والأعمال المخابراتية، ودقائق أسرار الثورات.
ووجدناها مغموسة في دقائق الأمور في الزواج الأول، وفي الطلاق، وحكايات الزواج الثاني، والعلاقات المجتمعية، والأحداث الطريفة والغريبة.
ولا يسلم الأمر... من رسائل سببت حين إرسالها أزمات، أو حتى عندما كشف عنها بعد سنوات طوال، أو كشفت عن أسرار، أو غيرت في مسار حدث أو في سيرة شخص ذاتية.
بالفعل... في رسائل المشاهير والنجوم... الكثير من الحكايات، التي يمكن الوقوف عندها، والسطور التي لا يمكن إغفالها، والأشخاص الذين لا يمكن أن نمر عليهم مرور الكرام.
إنها رسائل وتوقيعات... لا يمكن إهمالها، ولهذا اقتربنا منها، وقلبنا في كلماتها، وعثرنا على أصولها، أو حتى صور منها، ولعل في إعادة النظر إفادة، وهذا ما قد تجده في السطور التالية:
لم تنشر - حتى الآن - أسرار رحلة إبعاد - ملك مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 - الملك فاروق عن مصر... ربما لأن أحدا لم يكن مصاحبا للملك في هذه الرحلة الخطيرة غير أسرته وبعض حاشيته من الأجانب وقائد اليخت «المحروسة»، ولكن بعدها بسنوات نشرت الصحافة المصرية جانبا من أهم أسرار الرحلة، ونشرت حكاية المصري الوحيد الذي جازف بعمره وأرسل برقية وداع إلى الملك فوق ظهر اليخت المحروسة.
والحكاية... أن الملك فاروق رفض الجلوس بعد تحرك المحروسة من ميناء الإسكندرية، وظل واقفا على قدميه ونظراته تحتضن الإسكندرية... آخر ما تبقى من عرشه. عيناه مجهدتان تبحلقان في القصر والمعالم المطلة من المدينة الجميلة، ولم يستطع أحد أن يجرؤ بالحديث مع فاروق... فهذه اللحظة تاريخية بكل المقاييس، ويعيشها الملك السابق بكل دقات قلبه.
فقد كان لا يشعر بزوجته الملكة الشابة التي اكتفت بكابينتها منذ وطئت قدماها اليخت، ولم يفكر في طفله الصغير «أحمد» وليّ العهد الذي حظي باللقب الملكي، وهو لايزال في «الكافولة»... كل ما كان يشغل بال الملك الكبير هو الإسكندرية... حبيبته التي طردته الثورة من أحضانها. ومن أحضان مصر كلها.
الإسكندرية تختفي
فجأة يلتقط جهاز استقبال اليخت برقية «الغريب» - الرسالة بطلة هذه الحلقة - إنها كانت موقعة من أحد المصريين الذين لا يشغلون مواقع حكومية أو رسمية أو عسكرية... مواطن مصري يتاجر في الأقطان، ويندهش قائد المحروسة من كلمات البرقية، يعلو حاجباه... كيف مرت هذه البرقية من كل سبل الرقابة وسمح رجال الثورة بوصولها إلى الملك؟
ربما وصلت في غفلة من النظام الجديد... بل هذا هو المؤكد... لكن كيف جرؤ هذا المصري بكلمات البرقية، وكان المصري الوحيد الذي أعلن رأيه في فاروق صراحة.
أمسك قائد المحروسة بالبرقية وقدمها إلى الملك.
وكانت كلماتها تقول: «مع السلامة يا جلالة الملك»... من عبدالحميد أباظة
أربع كلمات فقط تضمنتها البرقية، لكن معناها كان واضحا ومحسوسا وبليغا، ويكفي أن صاحبها كان يعرف أن حبل المشنقة قد يلتف حول رقبته ثمنا لهذه الكلمات الأربع، ويكفي أنه قال الكلمة التي احتبست في حناجر جميع المصريين بالرغم من تأييدهم للثورة «مع السلامة يا جلالة الملك».
بكى فاروق من كلمات البرقية التي وصلته بعد ساعة ونصف الساعة من زمن إبحار اليخت من الاسكندرية إلى نابولي، ودموع الملك تشق الصخر، فالذي كان بالأمس ملكا وقائدا أصبح اليوم باكيا مجروحا تسعده برقية وداع من رجل لا يتذكر الملك ملامحه، بل يشك في أنه قد سمع اسمه من قبل.
وأصبحت الإسكندرية في حجم التفاحة البعيدة، وإذا بدموع الملك تتدفق من عينيه بلا انقطاع... إنها لحظة الوداع الأخيرة للإسكندرية التي لاتزال ملابس الملك فاروق الشتوية فيها... داخل حجرات القصر، ولم تسعفه مدة الإنذار بالرحيل على حملها معه.
واختفت الإسكندرية. وجلس الملك، وكان مهموما لكنه يحاول أن يمتص الصدمة، وقال لقائد المحروسة أمير البحار جلال علوبة: وحشتني مصر من دلوقتي يا جلال... أمال هعمل إيه بعد كده».
لمعت دمعة في عين قائد اليخت، حاول أن يخفيها عن الملك الذي أضحى في شوق إلى تراب وطنه «المطرود منه»، وسأله الملك فجأة عن صيغة البرقية الصادرة إليه بترحيل الملك. والتي أرسلتها الثورة إلى قائد اليخت في الساعة الثالثة مساء السبت 26 من يوليو العام 1952 على أن تبدأ رحلة إبعاد الملك عن مصر في تمام السادسة من مساء نفس اليوم.
وتوقف الملك أمام صيغة البرقية التي تقول: من القيادة العامة للقوات المسلحة... إلى اللواء جلال بك علوبة... قائد عام اليخوت الملكية:
«عليكم الإبحار باليخت الملكي المحروسة اليوم الساعة «1800»... لنقل حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول... إلى خارج البلاد بعد تنازله عن العرش. والعودة بهذا اليخت سليما إلى ميناء الإسكندرية مباشرة».
الفريق محمد نجيب - القائد العام بالقوات المسلحة.
وأعاد الملك قراءة... «جلالة الملك فاروق الأول» عدة مرات، لكنه كان يبعد عينيه عن الكلمات التي تليها... «إلى خارج البلاد».
ناريمان أيضا تبكي
ظلت ناريمان ملكة البلاد «المخلوعة» تلتزم الصمت والدموع معا، وضاعت أحلامها وتبخرت في لحظة زمن. لم تهنأ بعرش مصر سوى اشهر، ولو تركها الزمن عدة سنوات أخرى - كضرتها - الملكة السابقة فريدة، لأصبحت ناريمان ملكة مصر وحرم الملك وأم ولي العهد... «الملك القادم».
لكنها فجأة خسرت جميع الأوراق المضمونة دفعة واحدة، وأصبحت أسوأ نساء مصر حظا في هذا اليوم الذي دخلت به ومعه صفحات التاريخ.
فهي المرأة الوحيدة التي خرجت من حكم مصر مطرودة دون أن تقترف ذنبا... سوى أنها حرم الملك، لقد حذرته كثيرا. بل تشاجرت معه ليضع حدا لفساد حاشيته، ولكنه لم يستوعب الدرس، الآن أصبحا فوق يخت واحد... يواجهان مصيرا واحدا. ويعد في حياة الملوك والملكات عارا لا يمسحه الزمن.
اقترب منها الملك. حاول أن يهدئ من روعها، في نفس الوقت الذي يلتقط فيه جهاز استقبال المحروسة برقية جديدة.
البرقية من رئيس مجلس قيادة الثورة الفريق محمد نجيب... تخطر قائد اليخت بأن المدعوين محمد حسن والطيار عاكف قد هربا داخل صندوق من الصناديق الموجودة فوق ظهر اليخت، كما أن الملك قام بتهريب سبائك ذهبية في صندوق آخر، البرقية تأمره بالتحفظ على الشخصين وسبائك الذهب.
- يقول اللواء علوبة: «عندما كنا ننقل حاجات وأشياء الملك إلى المحروسة التقط أحد المصريين الصحافيين صورة لأحد حراس القصر، وهو ينقل صندوقين مغلقين إلى اليخت، والحقيقة أنها كانت صناديق مياه غازية، لكن الصحافة ادعت أن بها سبائك ذهبية، كما أن البعض أشاع عن محمد حسن والطيار عاكف أنهما قد تم تهريبهما في اليخت ليتفاديا انتقام الثورة منهما، ولهذا قمت بالرد على مجلس قيادة الثورة بالبرقية التالية:
إلى سعادة قائد عام القوات المسلحة.
ردا على إشارة سعادتكم... الصناديق المذكورة تحتوي على مشروبات روحية ومرطبات وعددها «42» صندوقا ولا يوجد بها أشياء ثمينة أو ذهب، كما أن محمد حسن والطيار عاكف لم يكونا ضمن الركاب على اليخت.
أمير البحار جلال علوبة.
تكلفة ترحيل فاروق
كم تكلفت رحلة ترحيل فاروق وأسرته إلى إيطاليا وما كشف مصروفاتها.
يقول اللواء جلال علوبة «قائد المحروسة» في رسائله لأهله: إن مجلس قيادة الثورة خصص مبلغ 10 آلاف جنيه كنفقات لرحلة ترحيل الملك إلى إيطاليا، لكن الغريب أن الملك الذي أشاعوا عنه البذخ والإسراف والطغيان لم ينفق طوال رحلته إلى إيطاليا، وخلال ثلاثة أيام كاملة - ومعه عدد كبير من حاشيته وأفراد أسرته - غير مئتين واثنين وثلاثين جنيها، وخمسمئة وخمسة وتسعين مليما، وكان كشف المصروفات الذي قدمه أمير البحار جلال علوبة لمجلس قيادة الثورة بعد عودته يتضمن هذا بالأرقام والتفاصيل.
ثم تم اقتطاع مبلغ 10 جنيهات ثمن أدوية لأفراد اليخت «فيض البحار»... فأصبح إجمالي المصروفات 242.595 جنيه مصري، وتمت إعادة باقي المبلغ المخصص «عشرة آلاف جنيه» إلى مجلس قيادة الثورة.
الرسالة الأخيرة
وكان فاروق مقتنعا بوجود فساد في حكمه، لكنه لم يعتقد أن يصل حد التطهير إليه شخصيا، وأن يتمرد عليه ضباطه. ويخونوا القسم الذي منحهم شرف العسكرية. وكان يطلق عليه «يمين الطاعة والولاء لجلالة الملك» يؤديه الضباط العسكريون فور انتهاء تعليمهم وقبل بدء تسلم وظائفهم في الجيش.
وكان القسم يقول بالنص والحرف: «أقسم بالله ثلاثا. وبكتبه. ورسله... وبذمتي وشرفي... أن أكون خادما مخلصا... وأمينا لحفيد محمد علي الكبير... حضرة صاحب الجلالة مليكنا «فاروق الأول» ولحكومته السنية... مطيعا لجميع أوامره الكريمة، ولجميع الأوامر الحقة التي تصدر لي من رؤسائي، منفذا لأوامر جلالته في البر والبحر والجو داخل وخارج وادي النيل، معاديا من يعاديه، مسالما من يسالمه، مدافعا عن حقوق بلاده. محافظا على سلاحي، وعلم بلادي، لا أتركه من يدي قط حتى أذوق الممات والله على ما أقول شهيد».
ورافق الملك في رحلة إبعاده عن مصر بخلاف زوجته الملكة ناريمان وابنه الطفل ولي العهد «أحمد فاروق» وشقيقاته الأميرات الثلاث الصغيرات، طاقم من حاشيته الأجانب الذين تسببوا في أول خلاف بين مجلس قيادة الثورة والملك الطريد.
وتسببوا أيضا في سيل من الرسائل والبرقيات بين الثورة من مصر وبين فاروق على ظهر «المحروسة» حتى أنهت البرقية الأخيرة للملك... معركة كادت أن تنشب قبل وصوله إلى إيطاليا.
بداية الحكاية برقية من مجلس الثورة إلى قائد اليخت المحروسة، والبرقية تطلب عدم نزول أفراد أو مهمات مع اليخت، وبالنسبة للأفراد ضرورة التأكد من جنسياتهم وعودتهم إلى الإسكندرية.رفض الأجانب من حاشية الملك العودة إلى الإسكندرية،
ولجأوا إلى الملك... بكوا بين يديه... توسلوا أن يبقيهم معه مهما كان الثمن، وقالوا له بدموعهم إنه في قلوبهم، ودماؤهم وحبه يجري في عروقهم، أما مصر فلم تعد مأمونة أو مضمونة وربما انتقموا منهم هناك وأذلوهم وداسوا على أنوفهم.
صمت الملك برهة ثم أعلن قراره، ورفض عودة الأجانب إلى الإسكندرية، وكانت الدماء تغلي في عروقه وأعصابه تشتاط غضبا. والتوتر ينطق فوق ملامحه، واستكثر أن يرفضوا له طلبه الأخير... وخاصة أن الأمر لا يتعلق به أو بأفراد أسرته، وإنما بالضعفاء العزل من أعضاء حاشيته الذين لجأوا إليه، وطلبوا حمايته ونصرته.
وكانت الحاشية تتكون من مجموعة من الرجال والآنسات هم من واقع برقية رد اليخت المحروسة على مجلس قيادة الثورة: يعقول نظير «خادم ألباني الجنسية» - يحمل رخصة سلاح ألبانية - عابدين سليمان «خادم ألباني الجنسية» - يحمل رخصة سلاح ألبانية - شاكر آدم «خادم ألباني الجنسية» - يحمل رخصة سلاح ألبانية - رستم عبدالرحيم «خادم ألباني الجنسية» - يحمل رخصة سلاح ألبانية - إدوارد كافاتسي «خادم إيطالي» - لا يحمل جواز سفر - جوزيب جارو «حلاق إيطالي» لا يحمل جواز سفر - فبيترو ديلافالي «حلاق إيطالي» لا يحمل جواز سفر - آنسة سيمون باكوريه» «مربية فرنسية معها جواز سفر - آنسة جانيت دي مايرن فرن «مربية سويسرية» «معها جواز سفر - «آنسة آن كلا رشير ميتز «مربية إنكليزية» معها جواز سفر - آنسة فيوليت جرو «خادمة سويسرية» لا تحمل جواز سفر - آنسة روجين بيكارد «خادمة فرنسية» معها جواز سفر.
واحتدمت الأزمة بين الملك والثورة بعد أيام ثلاثة فقط من عزله، وفي البحر قبل وصوله إلى إيطاليا، لكن يبدو أن ضباط مجلس قيادة الثورة قد اختاروا التنازل عن هذا «العناد» في آخر لحظة.
في البداية أرسلوا برقية إلى اليخت المحروسة تؤكد أن القضية مطروحة على مجلس الوزراء لمناقشتها وتقرير اللازم، ثم كانت البرقية الثانية بحسم الموضوع وكان نصها: من القيادة العامة إلى اليخت المحروسة... ردا على إشارتكم المبلغة لنا. رجاء العلم بأن سعادة القائد العام قد وافق على طلبكم.
وعند إبلاغ الملك بموافقة الحكومة المصرية على بقاء الأجانب من أفراد حاشيته معه بكى متأثرا، وقال الملك عن برقية مجلس قيادة الثورة بإعادة الأجانب إلى الإسكندرية: «كانت جافة».
وكان نص البرقية يقول: إلى قائد اليخت المحروسة... يصير تنفيذ تعليماتنا بخصوص إنزال الملك السابق وابنه وبناته وزوجته. وملابسهم الخاصة. وعدم السماح لأي فرد آخر بالنزول، ولا بنزول أي مصاغ خاص أو جواهر أو سبائك ذهب أو تحف أو أوان ثمينة والرجوع إلى الموانئ المصرية فورا والإفادة.
الفريق محمد نجيب - القائد العام بالقوات المسلحة.
لكن كل حاشية الملك نزلوا إيطاليا، لأنه رفض إلا أن يفعل هذا... وكان هذا هو طلب فاروق الأخير.
يلاحق الناس... النجوم والمشاهير... في أعمالهم وحياتهم العامة، وكثيرا في حياتهم الخاصة. يسألون عن أسرارهم وتحركاتهم... غرامياتهم وزيجاتهم، وماذا يفعلون... وكيف يعيشون.
إنها «الملاحقة»... التي قد تؤذي النجوم والمشاهير أحيانا... خصوصا إذا كانت في أمور خاصة جدا.
ولعل من بين خصوصيات النجوم والمشاهير «سياسيون وديبلوماسيون وإعلاميون وفنانون ورياضيون وأدباء»... خطاباتهم «رسائلهم»... خصوصا في أمورهم الشخصية أو العائلية، أو حتى في حياتهم المهنية والعملية.
وفي هذه الرسائل... وكونها تخص نجوما ومشاهير سوف تتوالى المفاجآت... وقد تكون المفاجآت غرامية ملتهبة، أو خلافات حادة، أو طلبات غريبة.
و«الراي» تقلب في كثير من رسائل وخطابات النجوم «الورقية» طبعا، لأن ما قصدناهم لم يكونوا على صلة بـ «الإيميل» أو الفاكس في الغالب.
وجدنا في هذه الرسائل... غزلا وعشقا وهياما، كما عثرنا على ألغاز ومفاجآت وأسرار، وأحزان وأفراح وآمال وأحلام ومحطات إخفاق.
وفيها أيضا أسرار شخصية واجتماعية، ولم تسلم من السياسة ومعارك الديبلوماسية والأعمال المخابراتية، ودقائق أسرار الثورات.
ووجدناها مغموسة في دقائق الأمور في الزواج الأول، وفي الطلاق، وحكايات الزواج الثاني، والعلاقات المجتمعية، والأحداث الطريفة والغريبة.
ولا يسلم الأمر... من رسائل سببت حين إرسالها أزمات، أو حتى عندما كشف عنها بعد سنوات طوال، أو كشفت عن أسرار، أو غيرت في مسار حدث أو في سيرة شخص ذاتية.
بالفعل... في رسائل المشاهير والنجوم... الكثير من الحكايات، التي يمكن الوقوف عندها، والسطور التي لا يمكن إغفالها، والأشخاص الذين لا يمكن أن نمر عليهم مرور الكرام.
إنها رسائل وتوقيعات... لا يمكن إهمالها، ولهذا اقتربنا منها، وقلبنا في كلماتها، وعثرنا على أصولها، أو حتى صور منها، ولعل في إعادة النظر إفادة، وهذا ما قد تجده في السطور التالية:
لم تنشر - حتى الآن - أسرار رحلة إبعاد - ملك مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 - الملك فاروق عن مصر... ربما لأن أحدا لم يكن مصاحبا للملك في هذه الرحلة الخطيرة غير أسرته وبعض حاشيته من الأجانب وقائد اليخت «المحروسة»، ولكن بعدها بسنوات نشرت الصحافة المصرية جانبا من أهم أسرار الرحلة، ونشرت حكاية المصري الوحيد الذي جازف بعمره وأرسل برقية وداع إلى الملك فوق ظهر اليخت المحروسة.
والحكاية... أن الملك فاروق رفض الجلوس بعد تحرك المحروسة من ميناء الإسكندرية، وظل واقفا على قدميه ونظراته تحتضن الإسكندرية... آخر ما تبقى من عرشه. عيناه مجهدتان تبحلقان في القصر والمعالم المطلة من المدينة الجميلة، ولم يستطع أحد أن يجرؤ بالحديث مع فاروق... فهذه اللحظة تاريخية بكل المقاييس، ويعيشها الملك السابق بكل دقات قلبه.
فقد كان لا يشعر بزوجته الملكة الشابة التي اكتفت بكابينتها منذ وطئت قدماها اليخت، ولم يفكر في طفله الصغير «أحمد» وليّ العهد الذي حظي باللقب الملكي، وهو لايزال في «الكافولة»... كل ما كان يشغل بال الملك الكبير هو الإسكندرية... حبيبته التي طردته الثورة من أحضانها. ومن أحضان مصر كلها.
الإسكندرية تختفي
فجأة يلتقط جهاز استقبال اليخت برقية «الغريب» - الرسالة بطلة هذه الحلقة - إنها كانت موقعة من أحد المصريين الذين لا يشغلون مواقع حكومية أو رسمية أو عسكرية... مواطن مصري يتاجر في الأقطان، ويندهش قائد المحروسة من كلمات البرقية، يعلو حاجباه... كيف مرت هذه البرقية من كل سبل الرقابة وسمح رجال الثورة بوصولها إلى الملك؟
ربما وصلت في غفلة من النظام الجديد... بل هذا هو المؤكد... لكن كيف جرؤ هذا المصري بكلمات البرقية، وكان المصري الوحيد الذي أعلن رأيه في فاروق صراحة.
أمسك قائد المحروسة بالبرقية وقدمها إلى الملك.
وكانت كلماتها تقول: «مع السلامة يا جلالة الملك»... من عبدالحميد أباظة
أربع كلمات فقط تضمنتها البرقية، لكن معناها كان واضحا ومحسوسا وبليغا، ويكفي أن صاحبها كان يعرف أن حبل المشنقة قد يلتف حول رقبته ثمنا لهذه الكلمات الأربع، ويكفي أنه قال الكلمة التي احتبست في حناجر جميع المصريين بالرغم من تأييدهم للثورة «مع السلامة يا جلالة الملك».
بكى فاروق من كلمات البرقية التي وصلته بعد ساعة ونصف الساعة من زمن إبحار اليخت من الاسكندرية إلى نابولي، ودموع الملك تشق الصخر، فالذي كان بالأمس ملكا وقائدا أصبح اليوم باكيا مجروحا تسعده برقية وداع من رجل لا يتذكر الملك ملامحه، بل يشك في أنه قد سمع اسمه من قبل.
وأصبحت الإسكندرية في حجم التفاحة البعيدة، وإذا بدموع الملك تتدفق من عينيه بلا انقطاع... إنها لحظة الوداع الأخيرة للإسكندرية التي لاتزال ملابس الملك فاروق الشتوية فيها... داخل حجرات القصر، ولم تسعفه مدة الإنذار بالرحيل على حملها معه.
واختفت الإسكندرية. وجلس الملك، وكان مهموما لكنه يحاول أن يمتص الصدمة، وقال لقائد المحروسة أمير البحار جلال علوبة: وحشتني مصر من دلوقتي يا جلال... أمال هعمل إيه بعد كده».
لمعت دمعة في عين قائد اليخت، حاول أن يخفيها عن الملك الذي أضحى في شوق إلى تراب وطنه «المطرود منه»، وسأله الملك فجأة عن صيغة البرقية الصادرة إليه بترحيل الملك. والتي أرسلتها الثورة إلى قائد اليخت في الساعة الثالثة مساء السبت 26 من يوليو العام 1952 على أن تبدأ رحلة إبعاد الملك عن مصر في تمام السادسة من مساء نفس اليوم.
وتوقف الملك أمام صيغة البرقية التي تقول: من القيادة العامة للقوات المسلحة... إلى اللواء جلال بك علوبة... قائد عام اليخوت الملكية:
«عليكم الإبحار باليخت الملكي المحروسة اليوم الساعة «1800»... لنقل حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول... إلى خارج البلاد بعد تنازله عن العرش. والعودة بهذا اليخت سليما إلى ميناء الإسكندرية مباشرة».
الفريق محمد نجيب - القائد العام بالقوات المسلحة.
وأعاد الملك قراءة... «جلالة الملك فاروق الأول» عدة مرات، لكنه كان يبعد عينيه عن الكلمات التي تليها... «إلى خارج البلاد».
ناريمان أيضا تبكي
ظلت ناريمان ملكة البلاد «المخلوعة» تلتزم الصمت والدموع معا، وضاعت أحلامها وتبخرت في لحظة زمن. لم تهنأ بعرش مصر سوى اشهر، ولو تركها الزمن عدة سنوات أخرى - كضرتها - الملكة السابقة فريدة، لأصبحت ناريمان ملكة مصر وحرم الملك وأم ولي العهد... «الملك القادم».
لكنها فجأة خسرت جميع الأوراق المضمونة دفعة واحدة، وأصبحت أسوأ نساء مصر حظا في هذا اليوم الذي دخلت به ومعه صفحات التاريخ.
فهي المرأة الوحيدة التي خرجت من حكم مصر مطرودة دون أن تقترف ذنبا... سوى أنها حرم الملك، لقد حذرته كثيرا. بل تشاجرت معه ليضع حدا لفساد حاشيته، ولكنه لم يستوعب الدرس، الآن أصبحا فوق يخت واحد... يواجهان مصيرا واحدا. ويعد في حياة الملوك والملكات عارا لا يمسحه الزمن.
اقترب منها الملك. حاول أن يهدئ من روعها، في نفس الوقت الذي يلتقط فيه جهاز استقبال المحروسة برقية جديدة.
البرقية من رئيس مجلس قيادة الثورة الفريق محمد نجيب... تخطر قائد اليخت بأن المدعوين محمد حسن والطيار عاكف قد هربا داخل صندوق من الصناديق الموجودة فوق ظهر اليخت، كما أن الملك قام بتهريب سبائك ذهبية في صندوق آخر، البرقية تأمره بالتحفظ على الشخصين وسبائك الذهب.
- يقول اللواء علوبة: «عندما كنا ننقل حاجات وأشياء الملك إلى المحروسة التقط أحد المصريين الصحافيين صورة لأحد حراس القصر، وهو ينقل صندوقين مغلقين إلى اليخت، والحقيقة أنها كانت صناديق مياه غازية، لكن الصحافة ادعت أن بها سبائك ذهبية، كما أن البعض أشاع عن محمد حسن والطيار عاكف أنهما قد تم تهريبهما في اليخت ليتفاديا انتقام الثورة منهما، ولهذا قمت بالرد على مجلس قيادة الثورة بالبرقية التالية:
إلى سعادة قائد عام القوات المسلحة.
ردا على إشارة سعادتكم... الصناديق المذكورة تحتوي على مشروبات روحية ومرطبات وعددها «42» صندوقا ولا يوجد بها أشياء ثمينة أو ذهب، كما أن محمد حسن والطيار عاكف لم يكونا ضمن الركاب على اليخت.
أمير البحار جلال علوبة.
تكلفة ترحيل فاروق
كم تكلفت رحلة ترحيل فاروق وأسرته إلى إيطاليا وما كشف مصروفاتها.
يقول اللواء جلال علوبة «قائد المحروسة» في رسائله لأهله: إن مجلس قيادة الثورة خصص مبلغ 10 آلاف جنيه كنفقات لرحلة ترحيل الملك إلى إيطاليا، لكن الغريب أن الملك الذي أشاعوا عنه البذخ والإسراف والطغيان لم ينفق طوال رحلته إلى إيطاليا، وخلال ثلاثة أيام كاملة - ومعه عدد كبير من حاشيته وأفراد أسرته - غير مئتين واثنين وثلاثين جنيها، وخمسمئة وخمسة وتسعين مليما، وكان كشف المصروفات الذي قدمه أمير البحار جلال علوبة لمجلس قيادة الثورة بعد عودته يتضمن هذا بالأرقام والتفاصيل.
ثم تم اقتطاع مبلغ 10 جنيهات ثمن أدوية لأفراد اليخت «فيض البحار»... فأصبح إجمالي المصروفات 242.595 جنيه مصري، وتمت إعادة باقي المبلغ المخصص «عشرة آلاف جنيه» إلى مجلس قيادة الثورة.
الرسالة الأخيرة
وكان فاروق مقتنعا بوجود فساد في حكمه، لكنه لم يعتقد أن يصل حد التطهير إليه شخصيا، وأن يتمرد عليه ضباطه. ويخونوا القسم الذي منحهم شرف العسكرية. وكان يطلق عليه «يمين الطاعة والولاء لجلالة الملك» يؤديه الضباط العسكريون فور انتهاء تعليمهم وقبل بدء تسلم وظائفهم في الجيش.
وكان القسم يقول بالنص والحرف: «أقسم بالله ثلاثا. وبكتبه. ورسله... وبذمتي وشرفي... أن أكون خادما مخلصا... وأمينا لحفيد محمد علي الكبير... حضرة صاحب الجلالة مليكنا «فاروق الأول» ولحكومته السنية... مطيعا لجميع أوامره الكريمة، ولجميع الأوامر الحقة التي تصدر لي من رؤسائي، منفذا لأوامر جلالته في البر والبحر والجو داخل وخارج وادي النيل، معاديا من يعاديه، مسالما من يسالمه، مدافعا عن حقوق بلاده. محافظا على سلاحي، وعلم بلادي، لا أتركه من يدي قط حتى أذوق الممات والله على ما أقول شهيد».
ورافق الملك في رحلة إبعاده عن مصر بخلاف زوجته الملكة ناريمان وابنه الطفل ولي العهد «أحمد فاروق» وشقيقاته الأميرات الثلاث الصغيرات، طاقم من حاشيته الأجانب الذين تسببوا في أول خلاف بين مجلس قيادة الثورة والملك الطريد.
وتسببوا أيضا في سيل من الرسائل والبرقيات بين الثورة من مصر وبين فاروق على ظهر «المحروسة» حتى أنهت البرقية الأخيرة للملك... معركة كادت أن تنشب قبل وصوله إلى إيطاليا.
بداية الحكاية برقية من مجلس الثورة إلى قائد اليخت المحروسة، والبرقية تطلب عدم نزول أفراد أو مهمات مع اليخت، وبالنسبة للأفراد ضرورة التأكد من جنسياتهم وعودتهم إلى الإسكندرية.رفض الأجانب من حاشية الملك العودة إلى الإسكندرية،
ولجأوا إلى الملك... بكوا بين يديه... توسلوا أن يبقيهم معه مهما كان الثمن، وقالوا له بدموعهم إنه في قلوبهم، ودماؤهم وحبه يجري في عروقهم، أما مصر فلم تعد مأمونة أو مضمونة وربما انتقموا منهم هناك وأذلوهم وداسوا على أنوفهم.
صمت الملك برهة ثم أعلن قراره، ورفض عودة الأجانب إلى الإسكندرية، وكانت الدماء تغلي في عروقه وأعصابه تشتاط غضبا. والتوتر ينطق فوق ملامحه، واستكثر أن يرفضوا له طلبه الأخير... وخاصة أن الأمر لا يتعلق به أو بأفراد أسرته، وإنما بالضعفاء العزل من أعضاء حاشيته الذين لجأوا إليه، وطلبوا حمايته ونصرته.
وكانت الحاشية تتكون من مجموعة من الرجال والآنسات هم من واقع برقية رد اليخت المحروسة على مجلس قيادة الثورة: يعقول نظير «خادم ألباني الجنسية» - يحمل رخصة سلاح ألبانية - عابدين سليمان «خادم ألباني الجنسية» - يحمل رخصة سلاح ألبانية - شاكر آدم «خادم ألباني الجنسية» - يحمل رخصة سلاح ألبانية - رستم عبدالرحيم «خادم ألباني الجنسية» - يحمل رخصة سلاح ألبانية - إدوارد كافاتسي «خادم إيطالي» - لا يحمل جواز سفر - جوزيب جارو «حلاق إيطالي» لا يحمل جواز سفر - فبيترو ديلافالي «حلاق إيطالي» لا يحمل جواز سفر - آنسة سيمون باكوريه» «مربية فرنسية معها جواز سفر - آنسة جانيت دي مايرن فرن «مربية سويسرية» «معها جواز سفر - «آنسة آن كلا رشير ميتز «مربية إنكليزية» معها جواز سفر - آنسة فيوليت جرو «خادمة سويسرية» لا تحمل جواز سفر - آنسة روجين بيكارد «خادمة فرنسية» معها جواز سفر.
واحتدمت الأزمة بين الملك والثورة بعد أيام ثلاثة فقط من عزله، وفي البحر قبل وصوله إلى إيطاليا، لكن يبدو أن ضباط مجلس قيادة الثورة قد اختاروا التنازل عن هذا «العناد» في آخر لحظة.
في البداية أرسلوا برقية إلى اليخت المحروسة تؤكد أن القضية مطروحة على مجلس الوزراء لمناقشتها وتقرير اللازم، ثم كانت البرقية الثانية بحسم الموضوع وكان نصها: من القيادة العامة إلى اليخت المحروسة... ردا على إشارتكم المبلغة لنا. رجاء العلم بأن سعادة القائد العام قد وافق على طلبكم.
وعند إبلاغ الملك بموافقة الحكومة المصرية على بقاء الأجانب من أفراد حاشيته معه بكى متأثرا، وقال الملك عن برقية مجلس قيادة الثورة بإعادة الأجانب إلى الإسكندرية: «كانت جافة».
وكان نص البرقية يقول: إلى قائد اليخت المحروسة... يصير تنفيذ تعليماتنا بخصوص إنزال الملك السابق وابنه وبناته وزوجته. وملابسهم الخاصة. وعدم السماح لأي فرد آخر بالنزول، ولا بنزول أي مصاغ خاص أو جواهر أو سبائك ذهب أو تحف أو أوان ثمينة والرجوع إلى الموانئ المصرية فورا والإفادة.
الفريق محمد نجيب - القائد العام بالقوات المسلحة.
لكن كل حاشية الملك نزلوا إيطاليا، لأنه رفض إلا أن يفعل هذا... وكان هذا هو طلب فاروق الأخير.