ملخصات لمحاضر اليوميات اللبنانية المثقلة بالمخاوف
لبنان في نفق بلا أفق يتنافس فيه الفراغ السياسي مع خطر التوترات الأمنية


|بيروت - من وسام أبو حرفوش|
لبنان في نفق بلا افق. بهذه العبارة يمكن اختزال ما تختزنه الايام المقبلة على لبنان من اخطار، حدّها الادنى البقاء من دون حكومة الى حين انقشاع الخيط الابيض من الاسود في الواقع الاقليمي «الغامض»، وحدّها الاقصى حصول تطورات امنية من النوع الذي يفضي الى تغييرات جذرية في النظام برمته.
هذا الكلام لم يعد مجرد استشراف لـ «احتمالات»، بقدر ما يعبّر عن تحديات فعلية يتم التداول بها في بيروت، استناداً الى الوقائع السياسية الجديدة والى تقارير امنية «تجمع» على ان لبنان المرشح لـ «فراغ» قد يمتد طويلاً يمكن ان ينزلق نحو توترات امنية ذات طابع مذهبي، يصعب التكهن بحجم ارتداداتها السياسية على التركيبة الحاكمة.
فمع معاودة تكليفه تشكيل الحكومة بأكثرية 37 صوتاً ومقاطعته من المعارضة عبر امتناعها عن التسمية، سيبدأ الرئيس سعد الحريري بعد عيد الفطر جولة جديدة من المفاوضات لقيام حكومة، لم يتح له تشكيلها في الجولة السابقة التي استمرت 37 يوماً، مما دفعه في حينه الى الاعتذار الذي تلته استشارات فمعاودة تكليف ايذاناً ببدء معركة «التأليف».
وبعد «ملابسات» التكليف وقبل مفاوضات التأليف قفزت الى الصدارة مجموعة من الاسئلة الصعبة، منها: لماذا انضم رئيس البرلمان نبيه بري (الشريك في المعارضة) الى حلف الذين لم يسموا الرئيس المكلف؟ من اين سيبدأ الحريري في مقاربته لملف تشكيل الحكومة؟ ما الذي تغير في مواقف الافرقاء من هذا الاستحقاق؟ وتالياً هي ستولد الحكومة؟
في بيروت الاسئلة المحلية غالباً ما تجر اسئلة اقليمية وهي ترتبط الآن بالتداعيات المحتملة على لبنان من جراء عودة رياح «الحرب الباردة» الى العلاقات العربية - العربية وانتهاء «شهر العسل» السوري الاميركي، واقتراب موعد المفاوضات الايرانية الغربية واعلان باراك اوباما مبادرته حول الشرق الاوسط في 30 الشهر الجاري.
كل هذه الاسئلة هي الآن ودفعة واحدة على الطاولة داخل نفق بلا ضوء ينتظر فيه الجميع، الاكثرية القلقة والمتوجسة من مسار ارغامي بالسياسة والامن يجعل البلاد مجرد رهينة، و«حزب الله» الممسك بالداخل وعينه على «ساعة التوقيت» لحرب يزداد اقتناعاً بأنها آتية لا محالة.
ففي «جلسة اكثرية» تزامنت مع انتهاء الحريري من تلاوة كلمة قبوله التكليف الثاني لتشكيل الحكومة، بدا الجو داكناً. فالرئيس المكلف الذي سمي بأصوات الاكثرية «لا أكثر» لم يلزم نفسه بأي صيغة مسبقة للحكومة وأوحى بوجود مروحة من الخيارات امامه، على عكس ما يرغب «الطرف الآخر» المصر على حكومة «الوحدة الوطنية».
وفي تقويم لما يجري قال اكثري بارز لـ «الراي» ان موقف الرئيس بري في الامتناع عن تسمية الحريري لم يكن مفاجئاً، «ومن السذاجة الاعتقاد بأنه كان رداً على مواقف اطلقها الحريري في احد الافطارات الرمضانية. انه جاء استجابة لقرار سوري لا اكثر ولا اقل».
سورية، في رأي المصدر الاكثري، عطلت قيام الحكومة لأن الحريري لم يلب رغبتها بالتعرف عليه في زيارة لها قبل تشكيل الحكومة، ولأن المملكة العربية السعودية اوقفت الحوار معها بعدما اكتشفت وكأنه يجري من طرف واحد وبلا افق.
وإذ يشير المصدر عينه الى ان الاكثرية في وضع غير مريح، فإنه يعتبر ان اعتذار الحريري بعد 37 يوماً على تكليفه الاول كان قراراً لا بد منه، لوقف «عداد الوقت» من جهة ولوقف عملية الابتزاز التي تعرض لها في ظل «كلمة سر» اقليمية بعرقلة ولادة الحكومة.
لم يتغير شيء بعد التكليف الثاني، في اعتقاد هذا المصدر، غير ان «عداد الوقت» لتشكيل الحكومة بدأ من جديد، وسط اقتناع الحريري الذي كان مد يده بـ «حسن نية» في الجولة السابقة بضرورة تصحيح بعض «الاخطاء التكتيكية» في الحوار مع المعارضة، مكنتها من محاصرته.
من هذه الاخطاء الحوار بـ «المفرق» مع المعارضة، فبعدما اخذ «حزب الله» ما اراد ومعه حركة «امل» كالاطار السياسي للحكومة على قاعدة 5، 01، 51، تم الاختباء وراء الشروط التعجيزية للعماد ميشال عون لمنع قيام الحكومة استجابة لرغبة اقليمية بعدم الافراج عنها.
هذا الاقتناع ربما تعزز «ليلة الاعتذار» عندما استقبل الحريري معاوني الرئيس بري والامين العام لـ «حزب الله» النائب علي حسن خليل والحاج حسين خليل، اذ بدا ان ممثلي «الحركة الشيعية» اخذا على عاتقهما حشر الرئيس المكلف في الزاوية.
ولم يكن انضمام بري الى «حزب الله» في عدم تسمية «رئيس مكلف» في الاستشارات الاخيرة سوى امتداد لهذا الموقف، الذي سارعت الصحافة السورية على تظهير «ابعاده» من خلال القول ان تكليف الحريري «ناقص الميثاقية» كونه لم يسم من الشيعة.
هذا الانقسام السياسي على خلفية مذهبية استحضر «جرس الانذار» من جديد في اطار الدعوة للتنبه من خطر اضطرابات سنية شيعية توقظ «الفتنة النائمة»، خصوصاً في الحديث عن «اشكالات متنقلة» والخشية من توترات محتملة.
وعبّرت مصادر قريبة من الاكثرية لـ «الراي» عن خشيتها من توتيرات مبرمجة في ضوء تقارير تتحدث عن احتمال تحريك بعض البؤر في المخيمات الفلسطينية كالبداوي وجبل محسن باب التبانة وسعد نايل تعلبايا، وهي اسماء لمناطق شهدت توترات في الماضي.
ولفتت هذه المصادر الى التلويح اليومي عبر صحيفة «الوطن» السورية للحريري على قاعدة اما الاذعان لدفتر الشروط واما الفراغ الحكومي المفتوح على اضطرابات امنية، مشيرة الى توجس من «اضطرابات موضعية» محتملة.
وتوقفت تلك المصادر بريبة امام مواقف تضمر تهديداً من مسؤولين في «حزب الله» كقولهم اما حكومة وحدة وطنية واما لا استقرار، وذهابهم الى حد تشبيه اللحظة الراهنة بتلك التي سبقت انتخاب رئيس الجمهورية، في اشارة غير مباشرة الى احداث 7 مايو 8002 التي عمد خلالها «حزب الله» عبر عملية عسكرية في بيروت وبعض الجبل الى كسر موازين القوى وفرض «الثلث المعطل» في الحكومة من خلال ما عرف بـ «اتفاق الدوحة».
واللافت ان اوساط الاكثرية لا تملك «قراءة واحدة» لاحتمال لجوء «حزب الله» الى استخدام السلاح مرة جديدة في الداخل لفرض وقائع سياسية معينة رغم «اجماعها» على القول ان هذا الحزب الذي يتمتع بـ «فائض قوة» محلي وبتحالفات اقليمية «ثابتة» يريد في نهاية المطاف اجراء تعديلات جذرية على النظام القائم على المناصفة الاسلامية المسيحية واستبداله بصيغة قائمة على «المثالثة» السنية الشيعية المسيحية.
فبعض اوساط الاكثرية قالت لـ «الراي» ان لا ضمانات يمكن الاتكاء عليها يمكن ان تحول دون تكرار «حزب الله» لـ «مايو 7»، وخصوصاً في ضوء ربطه حكومة الوحدة الوطنية بالاستقرار، في الوقت الذي رأت اوساط اخرى في الاكثرية انه لن يكون في مقدور «حزب الله» الاطاحة باتفاق الطائف الا في حال قرر ركوب مغامرة كبيرة تتجاوز ما حدث في «7 مايو».
ولم تستبعد هذه المصادر اشتداد الحملة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان «التوافقي» للامعان في تعطيل دوره، فرغم الحذر الشديد الذي يميز اداء الرئيس، فان ثمة شكوكاً، في رأي المصادر عينها، حول تمكينه من اكمال ولايته الدستورية اذا استمرت المعارضة في التعاطي معه على قاعدة «إما معنا وإما ضدنا».
هذه الاستنتاجات تعبّر عن قلق عميق ينتاب الاكثرية المتهمة بالرهان على «خارج لا يمكن الرهان عليه»، فالولايات المتحدة محكومة بمصالحها وحركة المملكة العربية السعودية محدودة ومصر شبه محاصرة، مما يترك الساحة لسورية وايران رغم كل ما يشاع عن الاوضاع الصعبة لكل من دمشق وطهران نتيجة علاقاتهما المضطربة بالمجتمع الدولي.
ورغم ان اوساط الاكثرية تحاذر في اظهار مكامن الخلل في «قدرتها الذاتية»، فانها تقر بأن «الخروج السياسي» للزعيم الدرزي وليد جنبلاط من حركة «41 مارس» وانتقاله الى مكان آخر مع بقائه في الاكثرية، اصابها بخلل فادح لا يستهان به ولا يمكن تعويضه، وتعترف ايضاً بأنها فقدت عصب خطابها السياسي بعدما قررت ترك ملف سلاح «حزب الله» الى طاولة الحوار وتغليب خيار التهدئة عبر وقف الكلام عن «الدولة داخل الدولة».
واستناداً الى هذا الواقع فان تلك الاوساط تشكك في امكان قيام حكومة، اقله في امد قريب، فالجميع في حال ترقب داخل النفق نحن و«حزب الله»، تقول هذه الاوساط التي تعتقد بأنه سيكون من الصعب معرفة اتجاهات الريح الا بعد مجموعة من الاستحقاقات تلقي بثقلها على المنطقة ولبنان.
الترقب عينه تعكسه مصادر قريبة من «حزب الله» قالت لـ «الراي» ان الوضع الحالي في البلاد سيستمر على ما هو عليه في انتظار اتضاح طبيعة استحقاقين هما: اجتماع انقرة حول الملف النووي الايراني واحتمالات الحرب الاسرائيلية.
المصادر عينها لا تعير اهتماماً لما يشاع عن توترات محتملة في الداخل ولا للكلام عن وجود حكومة او عدم وجودها، وهي بدت غير متفاجئة بما قيل عن انتهاء «شهر العسل» بين سورية والولايات المتحدة الاميركية.
وفي تقدير تلك المصادر ان لبنان ذاهب الى تصعيد سياسي لا عسكري، فما من سبب يدفع «حزب الله» الى تكرار ما عرف بـ «مايو 7» وحده عدوان اسرائيلي على لبنان او على سورية او على سورية ولبنان قد يدفع الحزب الى «حماية ظهره».
والذين يتمتعون بدراية في قراءة موقف «حزب الله» وخياراته يقولون انه غير مهتم بوجود حكومة او عدمه الا من زاوية تلبية شروط حليفه المسيحي العماد ميشال عون، فهو بالنسبة الى الحزب اشبه بـ «ملف نووي لبناني» يوازي بأهميته الملف النووي الايراني على المستوى الاقليمي.
اما في شأن الكلام عن تغيير النظام، فان الحزب، بحسب هؤلاء، يعتبر تغيير الطائف بمثابة خيار مطروح لم يحن اوانه بعد، وثمة من تحدث من الحزب صراحة عن ضرورة احداث تغيير في النظام.
ما يهتم به «حزب الله» الآن، بحسب المصادر القريبة منه هو ما قد يفضي اليه اجتماع انقرة حول الملف النووي الايراني، لاسيما في ضوء تبدل الموقف الروسي من العقوبات المحتملة على طهران بعد تخلي الولايات المتحدة عن الدرع الصاروخية في بولونيا وتشيكيا.
ففي اعتقاد هذه المصادر ان مسألة تشديد العقوبات على ايران ستشكل مؤشراً الى مرحلة اقليمية جديدة لن تكون المنطقة برمتها بمنأى عن تداعياتها القريبة والبعيدة.
اما مسألة الحرب الاسرائيلية التي يتعاطى معها الحزب على انها حتمية، بحسب المصادر القريبة منه، فان المؤشرات توحي وكأنها تقترب، فلم يبق على السنة المقبلة سوى اشهر قليلة، في اشارة الى توقعات سابقة بأن اسرائيل تعد لحرب و«برية» هذه المرة في الـ 0102.
هذه هي في اختصار ملخصات لـ «المحاضر السياسية اليومية» في بيروت المتوغلة في نفق بلا ضوء... حتى اشعار آخر.
لبنان في نفق بلا افق. بهذه العبارة يمكن اختزال ما تختزنه الايام المقبلة على لبنان من اخطار، حدّها الادنى البقاء من دون حكومة الى حين انقشاع الخيط الابيض من الاسود في الواقع الاقليمي «الغامض»، وحدّها الاقصى حصول تطورات امنية من النوع الذي يفضي الى تغييرات جذرية في النظام برمته.
هذا الكلام لم يعد مجرد استشراف لـ «احتمالات»، بقدر ما يعبّر عن تحديات فعلية يتم التداول بها في بيروت، استناداً الى الوقائع السياسية الجديدة والى تقارير امنية «تجمع» على ان لبنان المرشح لـ «فراغ» قد يمتد طويلاً يمكن ان ينزلق نحو توترات امنية ذات طابع مذهبي، يصعب التكهن بحجم ارتداداتها السياسية على التركيبة الحاكمة.
فمع معاودة تكليفه تشكيل الحكومة بأكثرية 37 صوتاً ومقاطعته من المعارضة عبر امتناعها عن التسمية، سيبدأ الرئيس سعد الحريري بعد عيد الفطر جولة جديدة من المفاوضات لقيام حكومة، لم يتح له تشكيلها في الجولة السابقة التي استمرت 37 يوماً، مما دفعه في حينه الى الاعتذار الذي تلته استشارات فمعاودة تكليف ايذاناً ببدء معركة «التأليف».
وبعد «ملابسات» التكليف وقبل مفاوضات التأليف قفزت الى الصدارة مجموعة من الاسئلة الصعبة، منها: لماذا انضم رئيس البرلمان نبيه بري (الشريك في المعارضة) الى حلف الذين لم يسموا الرئيس المكلف؟ من اين سيبدأ الحريري في مقاربته لملف تشكيل الحكومة؟ ما الذي تغير في مواقف الافرقاء من هذا الاستحقاق؟ وتالياً هي ستولد الحكومة؟
في بيروت الاسئلة المحلية غالباً ما تجر اسئلة اقليمية وهي ترتبط الآن بالتداعيات المحتملة على لبنان من جراء عودة رياح «الحرب الباردة» الى العلاقات العربية - العربية وانتهاء «شهر العسل» السوري الاميركي، واقتراب موعد المفاوضات الايرانية الغربية واعلان باراك اوباما مبادرته حول الشرق الاوسط في 30 الشهر الجاري.
كل هذه الاسئلة هي الآن ودفعة واحدة على الطاولة داخل نفق بلا ضوء ينتظر فيه الجميع، الاكثرية القلقة والمتوجسة من مسار ارغامي بالسياسة والامن يجعل البلاد مجرد رهينة، و«حزب الله» الممسك بالداخل وعينه على «ساعة التوقيت» لحرب يزداد اقتناعاً بأنها آتية لا محالة.
ففي «جلسة اكثرية» تزامنت مع انتهاء الحريري من تلاوة كلمة قبوله التكليف الثاني لتشكيل الحكومة، بدا الجو داكناً. فالرئيس المكلف الذي سمي بأصوات الاكثرية «لا أكثر» لم يلزم نفسه بأي صيغة مسبقة للحكومة وأوحى بوجود مروحة من الخيارات امامه، على عكس ما يرغب «الطرف الآخر» المصر على حكومة «الوحدة الوطنية».
وفي تقويم لما يجري قال اكثري بارز لـ «الراي» ان موقف الرئيس بري في الامتناع عن تسمية الحريري لم يكن مفاجئاً، «ومن السذاجة الاعتقاد بأنه كان رداً على مواقف اطلقها الحريري في احد الافطارات الرمضانية. انه جاء استجابة لقرار سوري لا اكثر ولا اقل».
سورية، في رأي المصدر الاكثري، عطلت قيام الحكومة لأن الحريري لم يلب رغبتها بالتعرف عليه في زيارة لها قبل تشكيل الحكومة، ولأن المملكة العربية السعودية اوقفت الحوار معها بعدما اكتشفت وكأنه يجري من طرف واحد وبلا افق.
وإذ يشير المصدر عينه الى ان الاكثرية في وضع غير مريح، فإنه يعتبر ان اعتذار الحريري بعد 37 يوماً على تكليفه الاول كان قراراً لا بد منه، لوقف «عداد الوقت» من جهة ولوقف عملية الابتزاز التي تعرض لها في ظل «كلمة سر» اقليمية بعرقلة ولادة الحكومة.
لم يتغير شيء بعد التكليف الثاني، في اعتقاد هذا المصدر، غير ان «عداد الوقت» لتشكيل الحكومة بدأ من جديد، وسط اقتناع الحريري الذي كان مد يده بـ «حسن نية» في الجولة السابقة بضرورة تصحيح بعض «الاخطاء التكتيكية» في الحوار مع المعارضة، مكنتها من محاصرته.
من هذه الاخطاء الحوار بـ «المفرق» مع المعارضة، فبعدما اخذ «حزب الله» ما اراد ومعه حركة «امل» كالاطار السياسي للحكومة على قاعدة 5، 01، 51، تم الاختباء وراء الشروط التعجيزية للعماد ميشال عون لمنع قيام الحكومة استجابة لرغبة اقليمية بعدم الافراج عنها.
هذا الاقتناع ربما تعزز «ليلة الاعتذار» عندما استقبل الحريري معاوني الرئيس بري والامين العام لـ «حزب الله» النائب علي حسن خليل والحاج حسين خليل، اذ بدا ان ممثلي «الحركة الشيعية» اخذا على عاتقهما حشر الرئيس المكلف في الزاوية.
ولم يكن انضمام بري الى «حزب الله» في عدم تسمية «رئيس مكلف» في الاستشارات الاخيرة سوى امتداد لهذا الموقف، الذي سارعت الصحافة السورية على تظهير «ابعاده» من خلال القول ان تكليف الحريري «ناقص الميثاقية» كونه لم يسم من الشيعة.
هذا الانقسام السياسي على خلفية مذهبية استحضر «جرس الانذار» من جديد في اطار الدعوة للتنبه من خطر اضطرابات سنية شيعية توقظ «الفتنة النائمة»، خصوصاً في الحديث عن «اشكالات متنقلة» والخشية من توترات محتملة.
وعبّرت مصادر قريبة من الاكثرية لـ «الراي» عن خشيتها من توتيرات مبرمجة في ضوء تقارير تتحدث عن احتمال تحريك بعض البؤر في المخيمات الفلسطينية كالبداوي وجبل محسن باب التبانة وسعد نايل تعلبايا، وهي اسماء لمناطق شهدت توترات في الماضي.
ولفتت هذه المصادر الى التلويح اليومي عبر صحيفة «الوطن» السورية للحريري على قاعدة اما الاذعان لدفتر الشروط واما الفراغ الحكومي المفتوح على اضطرابات امنية، مشيرة الى توجس من «اضطرابات موضعية» محتملة.
وتوقفت تلك المصادر بريبة امام مواقف تضمر تهديداً من مسؤولين في «حزب الله» كقولهم اما حكومة وحدة وطنية واما لا استقرار، وذهابهم الى حد تشبيه اللحظة الراهنة بتلك التي سبقت انتخاب رئيس الجمهورية، في اشارة غير مباشرة الى احداث 7 مايو 8002 التي عمد خلالها «حزب الله» عبر عملية عسكرية في بيروت وبعض الجبل الى كسر موازين القوى وفرض «الثلث المعطل» في الحكومة من خلال ما عرف بـ «اتفاق الدوحة».
واللافت ان اوساط الاكثرية لا تملك «قراءة واحدة» لاحتمال لجوء «حزب الله» الى استخدام السلاح مرة جديدة في الداخل لفرض وقائع سياسية معينة رغم «اجماعها» على القول ان هذا الحزب الذي يتمتع بـ «فائض قوة» محلي وبتحالفات اقليمية «ثابتة» يريد في نهاية المطاف اجراء تعديلات جذرية على النظام القائم على المناصفة الاسلامية المسيحية واستبداله بصيغة قائمة على «المثالثة» السنية الشيعية المسيحية.
فبعض اوساط الاكثرية قالت لـ «الراي» ان لا ضمانات يمكن الاتكاء عليها يمكن ان تحول دون تكرار «حزب الله» لـ «مايو 7»، وخصوصاً في ضوء ربطه حكومة الوحدة الوطنية بالاستقرار، في الوقت الذي رأت اوساط اخرى في الاكثرية انه لن يكون في مقدور «حزب الله» الاطاحة باتفاق الطائف الا في حال قرر ركوب مغامرة كبيرة تتجاوز ما حدث في «7 مايو».
ولم تستبعد هذه المصادر اشتداد الحملة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان «التوافقي» للامعان في تعطيل دوره، فرغم الحذر الشديد الذي يميز اداء الرئيس، فان ثمة شكوكاً، في رأي المصادر عينها، حول تمكينه من اكمال ولايته الدستورية اذا استمرت المعارضة في التعاطي معه على قاعدة «إما معنا وإما ضدنا».
هذه الاستنتاجات تعبّر عن قلق عميق ينتاب الاكثرية المتهمة بالرهان على «خارج لا يمكن الرهان عليه»، فالولايات المتحدة محكومة بمصالحها وحركة المملكة العربية السعودية محدودة ومصر شبه محاصرة، مما يترك الساحة لسورية وايران رغم كل ما يشاع عن الاوضاع الصعبة لكل من دمشق وطهران نتيجة علاقاتهما المضطربة بالمجتمع الدولي.
ورغم ان اوساط الاكثرية تحاذر في اظهار مكامن الخلل في «قدرتها الذاتية»، فانها تقر بأن «الخروج السياسي» للزعيم الدرزي وليد جنبلاط من حركة «41 مارس» وانتقاله الى مكان آخر مع بقائه في الاكثرية، اصابها بخلل فادح لا يستهان به ولا يمكن تعويضه، وتعترف ايضاً بأنها فقدت عصب خطابها السياسي بعدما قررت ترك ملف سلاح «حزب الله» الى طاولة الحوار وتغليب خيار التهدئة عبر وقف الكلام عن «الدولة داخل الدولة».
واستناداً الى هذا الواقع فان تلك الاوساط تشكك في امكان قيام حكومة، اقله في امد قريب، فالجميع في حال ترقب داخل النفق نحن و«حزب الله»، تقول هذه الاوساط التي تعتقد بأنه سيكون من الصعب معرفة اتجاهات الريح الا بعد مجموعة من الاستحقاقات تلقي بثقلها على المنطقة ولبنان.
الترقب عينه تعكسه مصادر قريبة من «حزب الله» قالت لـ «الراي» ان الوضع الحالي في البلاد سيستمر على ما هو عليه في انتظار اتضاح طبيعة استحقاقين هما: اجتماع انقرة حول الملف النووي الايراني واحتمالات الحرب الاسرائيلية.
المصادر عينها لا تعير اهتماماً لما يشاع عن توترات محتملة في الداخل ولا للكلام عن وجود حكومة او عدم وجودها، وهي بدت غير متفاجئة بما قيل عن انتهاء «شهر العسل» بين سورية والولايات المتحدة الاميركية.
وفي تقدير تلك المصادر ان لبنان ذاهب الى تصعيد سياسي لا عسكري، فما من سبب يدفع «حزب الله» الى تكرار ما عرف بـ «مايو 7» وحده عدوان اسرائيلي على لبنان او على سورية او على سورية ولبنان قد يدفع الحزب الى «حماية ظهره».
والذين يتمتعون بدراية في قراءة موقف «حزب الله» وخياراته يقولون انه غير مهتم بوجود حكومة او عدمه الا من زاوية تلبية شروط حليفه المسيحي العماد ميشال عون، فهو بالنسبة الى الحزب اشبه بـ «ملف نووي لبناني» يوازي بأهميته الملف النووي الايراني على المستوى الاقليمي.
اما في شأن الكلام عن تغيير النظام، فان الحزب، بحسب هؤلاء، يعتبر تغيير الطائف بمثابة خيار مطروح لم يحن اوانه بعد، وثمة من تحدث من الحزب صراحة عن ضرورة احداث تغيير في النظام.
ما يهتم به «حزب الله» الآن، بحسب المصادر القريبة منه هو ما قد يفضي اليه اجتماع انقرة حول الملف النووي الايراني، لاسيما في ضوء تبدل الموقف الروسي من العقوبات المحتملة على طهران بعد تخلي الولايات المتحدة عن الدرع الصاروخية في بولونيا وتشيكيا.
ففي اعتقاد هذه المصادر ان مسألة تشديد العقوبات على ايران ستشكل مؤشراً الى مرحلة اقليمية جديدة لن تكون المنطقة برمتها بمنأى عن تداعياتها القريبة والبعيدة.
اما مسألة الحرب الاسرائيلية التي يتعاطى معها الحزب على انها حتمية، بحسب المصادر القريبة منه، فان المؤشرات توحي وكأنها تقترب، فلم يبق على السنة المقبلة سوى اشهر قليلة، في اشارة الى توقعات سابقة بأن اسرائيل تعد لحرب و«برية» هذه المرة في الـ 0102.
هذه هي في اختصار ملخصات لـ «المحاضر السياسية اليومية» في بيروت المتوغلة في نفق بلا ضوء... حتى اشعار آخر.