أرض السحر في مصر... معتقدات وخرافات
الكرنك... معبد الطلاسم والتعاويذ السحرية / 14

مواد جاهزة للعمل

تحديد أماكن السحر






| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
الخرافة والسحر... والدجل والشعوذة... ليس لها وطن... أو قارة أو دولة... وإنما هي معتقدات قد تختلف من مكان الى آخر، ولكن داخل أي مجتمع تجد هذه الأشياء أماكن بذاتها قد تكون أحياء أو قرى أو حتى مدنا... تشتهر فيها، وتجد من يروج لها، ومن يقبل عليها.
وفي مصر - مثلها في ذلك مثل كل الدول - أماكن للسحر والسحرة والدجل والدجالين والشعوذة والمشعوذين وقد يشتهر مكان بشيء، قد لا تكون في غيره، حتى إن هناك «قرى أو أحياء» تعمل في غالبيتها ـ وإن كان عددها قليلا - في السحر، ويفد إليها الناس من كل صوب وحدب، قد تكون شهيرة «خارجيا»، أكثر من كونها معروفة «داخليا».
وأيضا... تختلف الطقوس ما بين مجتمع وآخر، في مصر، فالوسائل قد تكون في بحري «الشمال»، مختلفة عن الصعيد «الجنوب»، والأكيد أن للقبائل وسكان الصحراء طقوسا غير سكان الحضر.
والخرافة في مصر. عُنيت بها دراسات وأبحاث كثيرة... حاولنا التعرف عليها والاقتراب منها، حتى إنها تمكنت من تحديد «274» خرافة موجودة بالفعل في القرى والمدن والتجمعات المصرية، ولعل أشهرها خرافة «الربط» - أي تجميد العلاقة الزوجية - وأيضاً أعمال الزواج والتطليق والحب والكراهية.
والدراسات والأبحاث... عن الخرافة في مصر... لم تهتم بها دراسات مصرية وفقط، ولكن اهتمت بها دراسات غربية أيضا، ووصل الأمر أن الباحثين عاشوا وعايشوا أماكن السحر واقتربوا من السحرة، وتعرفوا على خرافات العلاج بالسحر وأدوات وأدوية السحرة... وفي السطور التالية الكثير من الحكايات عن أرض السحر في قرى وأحياء ومدن مصر.
يعتقد المصريون أن هناك العديد من التمائم السحرية. التي توجد على نقوش جدران بعض المعابد الأثرية، والتي يمكن أن تكون بمثابة طلاسم، خاصة إذا ما تم حلها فيمكنهم الحصول على الذهب المخبأ من قبل الأجداد.
كما أن هناك بعض الزائرين من غير المصريين. يقصدون تلك المعابد طلبا لمعرفة المزيد عن السحر والشعوذة التي تمكنهم إما لزيادة القوة والتأثير... أو التماسا لأن يصبح ذلك الشخص لديه قوة التأثير على الآخرين من خلال ما يستمده من قوة الطلاسم الموجودة على جدران المعابد. حتى إن بعض المصريين، وخاصة في الصعيد. يقومون بتزيين جدران منازلهم ببعض النقوش التي يعتقدون أنها تمدهم بقوة أو تقيهم من أعين الحاسدين.
يعتبر معبد الكرنك في مدينة الأقصر بصعيد مصر، والذي ينتصب شامخا منذ أكثر من 3500 عام قبل الميلاد بمثابة التميمة الفرعونية الأشهر والأكبر، والتي تعاقب على كتابة رموزها وأسرارها، بل صناعة طقوسها التي صنعها المصريون القدماء، إذ إن ملوك كل عصر كانوا يقومون بإضافة منجزاتهم، وحضارتهم في هذا الموقع الفريد حتى أصبح الموقع مجموعة معابد في معبد واحد.
نقوش المعابد
ويذكر الأثريون أن هناك نقوشا على المقصورة بالمعبد، وترجع إلى عصر «تحتمس الثالث»، وهو ابن زوج «حتشبسوت»، والذي أراد الانتقام منها اعتقادا منه بأنها انتزعت الملك منه، فما كان منه إلا أن قام بتشويه آثارها في المقصورة، بل سعى إلى إزالتها وتعد المقصورة الحمراء من بين الآثار التي أجهدت فريق الترميم الأثري كثيرا إلى أن نجح في ترميمها.
ومن أهم منشآت المعابد استراحتا المراكب المقدسة، اللتان بناهما كل من سيتي الثاني ورمسيس الثالث، وكانتا متصلتين بنهر النيل، بالإضافة لطريق «الكباش» الشهير، الذي تتخذ تماثيله شكل تمثال «أبوالهول»، الأشهر بهضبة الأهرامات بالجيزة.
لم تسلم معابد الكرنك طيلة تاريخها من الخرافات والشعوذة، وما يتردد عن عالم العفاريت والسحر، ومن هذه الخرافات أو الأساطير السحرية التي تم تناقلها عبر السنين الأولى للفتح الإسلامي لمصر، تلك الأسطورة المرتبطة بمسلة حتشبسوت الموجودة بساحة المعابد. والاعتقاد بأنها مصنوعة من الذهب الخالص، وأنه يجوز التقرب بها، وبالرغم من أن المسلة لم يكن يوجد عليها أثر للذهب. إلا أنهم كانوا يتصورون أن أجدادهم الفراعنة قد بنوا المسلة من الذهب، وأنه نظرا لعلمهم فقد أخفوه بسحرهم عن الناس لعدم سرقته.
وكان هناك اعتقاد راسخ في أن الكتل الحجرية الجيرية والجرانيتية الضخمة، الموضوعة على الأرض بالمعابد صيغت من الذهب، فضلا عن الاعتقاد بأنه يمكن الاستماع إلى صوت معدني عند الدق فوق هذه الأحجار، وكان الناس مقتنعين إلى حد كبير بصحة وجود الأساطير عند ضرب الأحجار واستماعهم إلى أصوات معينة، كما كان المغامرون الذين يبحثون عن هذه الكنوز يتهافتون بكثرة على معابد الكرنك ليجربوا حظهم بتلاوة تعاويذ سحرية، وهو ما دفع آخرين إلى الخوف من الأماكن المهجورة في المعابد بدعوى أنها تؤوي عفاريت.
مكان المنفى
وعندما شكلت السنوات الأولى من القرن الـ 16 مرحلة التوسع للإمبراطورية العثمانية ودخول السلطان سليم الأول مصر في العام 1517 تسبب ذلك في هجرة كثيرين من أهل الصعيد، وأصبح بمثابة منفى، ومكان يسود فيه الجهل والفقر، وساد الاعتقاد بأن آثار المعابد العتيقة المتناثرة في الصعيد، ومن بينها معبد الكرنك هي أماكن للسحر والشعوذة، وكان ذلك من أخطر ما عانى منه معبد الكرنك.
ومن هنا فقد قام أهالي المنطقة - بصعيد مصر - بحماية المنازل من العين الشريرة، وفق تلك النقوش، فهناك نقوش كثيرة تستخدم لهذا الغرض، وأحيانا يلصق صحن بالجدار أعلى المدخل الرئيسي، وربما يتم إدخال نقش قديم جيء به من وسط ركام قديم في الجزء المحيط بالباب، وربما يتم تعليق قرون الأغنام، وغيرها من الحيوانات على المدخل كتعويذة لحماية البيت من العين الشريرة - وفق ما يطلقه السحرة والدجالون - كما تعلق «عروسة الفلة» على باب البيت لنفس الغرض، وداخل المنزل ترى على جدران غرفة المعيشة رسومات يضعها صاحب البيت لمنع العين الشريرة، والواقع أن الوسائل التي يتم اللجوء إليها لحماية المنازل أو الحقول والحيوانات والناس. من كل الأعمار. من هذه القوة المخيفة جدا.
ليست المعابد فقط، ونقوشها بالأقصر هي التي تحوي نقوشا وتعاويذ سحرية، لكن هناك من يؤمن بأن الأضرحة بالمساجد والكنائس لديها تلك القدرة السحرية التي تمكن الطفل العاجز عن الحركة. من القدرة على المشي مرة أخرى، وتلك الاعتقادات رسخها السحرة، والدجالون... في قرى الصعيد.
فقد ذكرت إحدى السيدات بالمنطقة إنه كان لها طفل دون الثامنة، وكان يعجز عن المشي، وبالطبع ولأن الأهالي هناك كما في القرى المصرية الأخرى يؤمنون بالقرينة - الجنية - فقد كانت الأم تؤمن أن قرينتها قد أرسلت عفريتا ليلبسه، ولعلاج هذه الحالة تطلب المساعدة من إحدى جاراتها، وقد نصحها المشعوذون بأن تجلس أم الطفل على الأرض، وتضع في «حجره» بعض التمر والكشك.
وبعد ذلك تذهب الجارة والطفل إلى المسجد، ومعهما التمر والكشك، ويوم الجمعة هو اليوم المفضل لهذه الزيارة، بحيث يكون الوصول عند الظهر أثناء الصلاة، وتترك المرأة الطفل عند باب المسجد، وتجلس هي بعيدا عنه، وعندما يبدأ المصلون في الخروج من المسجد، يرمون التمر والكشك على جلباب الطفل فيأخذ كل منهم نصيبه منه، ويصيب - تكالب الناس على التمر والكشك - الطفل بالفزع، ويبدأ الطفل في الصراخ، وعند سماع المرأة التي أحضرته. لصراخه تذهب وتأخذه بين ذراعيها، وتعود به للبيت.
ويعتقد أهالي القرية أن صرخات الطفل المرعوب تخيف العفريت، الذي في ساقيه، وبعد ذلك يصبح قادرا على المشي ويستعمل الأقباط في صعيد مصر نفس طريقة العلاج فأطفالهم الذين يعانون من الحالة نفسها، ويلاحظ أيضا أنهم يأخذونهم إلى المسجد، وليس إلى الكنيسة. حيث يقول أحد الأقباط، وكان أحد أطفاله - في وقت ما - يعاني من عجزه عن المشي، لكن الطفل شفي من تلك الحالة عندما أخذ طفله بالطريقة ذاتها المذكورة إلى مسجد القرية، والغريب أن الأب يؤكد أنه ذهب به لعدة أطباء في القاهرة وأسيوط. لكنهم عجزوا جميعا عن علاجه.
السحر الفرعوني
ويعتبر السحر الفعلي الفرعوني... هو أصل السحر في العالم، ويعتقد السحرة أن ملوك العالم الآخر يعلمون جيدا، كيف كانت قوة الفراعنة في السيطرة عليهم، والاستفادة منهم، ولذلك يطلقون على ذلك - السحر الأسود - الذي عن طريقه يمكن السيطرة على أي شيء. حيث انتقل السحر هنا من المعابد، ومنطقة الصعيد ليصبح منتشرا في إحدى ضواحي القاهرة النائية، وبالقرب من منطقة عين شمس «شرق القاهرة».
وتبدأ الحكاية عندما دار خلاف ومعركة شرسة بين أصحاب أحد المنازل ومنزل آخر يجاوره وتسكن فيه 6 أسر، فقد رغب صاحب المنزل الأول في ضم المنزل الآخر إليه، ومن هنا كانت الرغبة العارمة في ضم ذلك المنزل إليه، لكن أهالي المنزل الآخر رفضوا ذلك بشدة، وعندما باءت جميع محاولات صاحب المنزل الآخر بالفشل لإقناع صاحب المنزل الآخر، والذي يدعى «سلطان مرزوق» بأن يبيع له منزله فحاول صاحب المنزل الآخر إخراج هؤلاء، ولكن بطريقته الخاصة.
بعد مرور عدة سنوات... ضاق صاحب العقار الأول ذرعا من العقار المجاور له، وبكل سكانه فلجأ إلى الساحر المشهور في تلك المنطقة، والذي يمارس السحر السفلي الأسود، وكان ذلك المشعوذ أو الساحر ماهرا في تسخير الجان، وبالطبع الأعمال السفلية، لذلك فقد قامم ذلك الساحر، وبإيعاز من صاحب المنزل الأول بعمل بعض الأوراق والأحجبة الخاصة بناء على طلب الرجل، وأرشد الساحر ذلك الرجل بدفن تلك الأحجبة والأوراق بدفنها عند بوابة المنزل، الذي يريد الحصول عليه، وبالفعل قام الرجل وفعل ذلك.
وكان للرجل ما تمنى حيث استجاب ملوك الجن - كما يعتقد الرجل - لحجاب ذلك المشعود الذي يستخدم السحر الفرعوني ولجيوشه العتيدة - كما يزعم - فانقلبت الحياة رأسا على عقب. بين سكان ذلك العقار الثاني، حيث زادت بينهم المشاكل والأزمات حتى باتت أصواتهم مسموعة لدى الجار صاحب العقار الأول، وكانت الفترة التي تنشط فيها الأزمات بين هؤلاء الجيران هي فترة ما بعد آذان العشاء كل يوم، وحتى الصباح التالي، ولا يعلم الجيران بالضبط فالذي يدفعهم لعمل ذلك فهناك قوة غريبة تدفعهم لاختلاق المشكلات فيما بينهم، وأيضا هناك أشياء غريبة أخرى باتت تحدث لهم ولم يكن في استطاعتهم تفسيرها داخل المنزل.
يحكي سكان المنزل المنكوب بالسحر الأسود، إنهم كانوا يسمعون داخل منزلهم، وفي كل شقة أصواتا صادرة من المطبخ... حيث كانوا يسمعون صوت أحد يغسل الصحون، بالرغم من عدم وجود أحد بالمطبخ، كما كانوا يسمعون أصواتا لأكواب تتكسر، وذلك بعد الساعة الواحدة صباحا. الغريب أنهم كانوا يسمعون أصوات خيول تجري وسيوفا تضرب، وكأن هناك حرب، ويبدأ المنزل بعد ذلك في الاهتزاز من وقع احترا الخيول التي تجري فيه لكنهم لا يرون شيئا، وكان ذلك يحدث فوق سطح المنزل، وعلى السلالم ولم يكن أحد سوى سكان ذلك المنزل المنكوب يسمع تلك الأصوات.
ويحكي صاحب المنزل أنه في إحدى الليالي الغريبة - تجرأ - وقام بفتح باب شقته، وحتى يعطي لنفسه القدرة على مواجهة ذلك الخوف، الذي بداخله ويملأ نفسه قام بترديد بعض آيات الذكر الحكيم لعله يجد شيئا يستطيع أن يعرف من خلاله سبب ما يحدث.
وبالفعل استطاع من خلال القرآن الكريم... استجماع نفسه، والسيطرة على الخوف بداخله وبدأ يسأل السؤال الطبيعي: من الذي يقوم بذلك. هل يوجد أحد بالمنزل؟
وكان الجواب غريبا إذ إنه سمع صوت شخص غير مرئي، ولكن الصوت كان أجش وقال:«نحن جنود فرعون مصر الخالد».
والأكثر غرابة أن صاحب المنزل «سلطان» كان يرى على جدران المنزل خيالات لعربات تجرها الخيول وترقص عليها كائنات غريبة تحمل السلاح البدائي، وتقوم تلك الكائنات بالغناء، وهي تحارب، وكان المشهد شديد الرعب... لدرجة أنه ألجم صاحب المنزل، الذي أخذ يرى المشاهد المخيفة للحرب، ونداءات قتلى الحرب السوداء. تهز أركان المنزل الذي لم تكن مساحته تتعدى 100 متر.
لكن الانفراجة لتلك المشاهد وذهاب الجيوش إلى حيث أتت لم يكن لينقشع إلا مع بداية انطلاق آذان الفجر معلنا عن بدء الصلاة، ومنذ آذان العشاء، وحتى آذان الفجر كل يوم كانت قلوب صاحب المنزل، والسكان ترتجف خوفا من تلك الأمور الغريبة التي تحدث لهم دون أن يجدوا لها مبررا مقبولا لديهم، وخاصة أنهم بالإضافة لتلك المشاهد الغريبة من الحروب على الحائط والأصوات الغريبة كانت هناك روائح تنبعث من دخان. يأتي من تطاير ألسنة لهب لا يعلمون بالضبط من أين تأتي.
حالة الرعب والهلع سيطرت على أصحاب المنزل فلم يكونوا يتصورون أن ذلك يأتي من خلال ما قام به الجار السيئ من تحالفه مع ذلك الساحر الشرير، الذي يستخدم السحر الفرعوني، ويسير ذلك الجيش الذي يأتي منذ أزمنة بعيدة ليرهب أصحاب المنزل ويجبرهم على الرحيل، تلك الأمور التي عجز السكان عن تفسيرها لذلك فقد قرر السكان ترك المنزل الذي باتوا على يقين. من أنه قد أصبح مسكونا من قبل الأشباح وسيطرت عليه جنود عفاريت الجان التي أخذت على عاتقها مهمة تفريغ ذلك المسكن من قاطنيه.
المنزل المنكوب
وبالفعل حدث ما أراده. ذلك الرجل صاحب العقار الأول مع الساحر، وانتقل جميع سكان المنزل للإقامة في أماكن أخرى يشعرون فيها بأمان أكثر، وقد ذهب هؤلاء السكان عند أقاربهم وبقي المنزل فارغا إلا من الجنود التي تدخله ليلا وتحوله إلى ساحة حرب وكر وفر. ويضرمون النار في الهشيم ثم لا يذهبون إلا مع الساعات الأولى من النهار.
أما صاحب المنزل المنكوب «سلطان» فقد أنفق المئات، بل الآلاف من الجنيهات في محاولة للسيطرة على ما يحدث في منزله فذهب إلى السحرة والشيوخ الذين يعرفه في المنطقة أو المناطق المجاورة.
والغريب أن هؤلاء السحرة كانوا يفرون بمجرد الدخول إلى المنزل المنكوب بالسحر الأسود، وقد تكاتف أهالي المنزل مع صاحبه فقد تطوعوا لجلب العديد من السحرة والمشعوذين. الذين كانوا يدعون قدرتهم على تسخير الجان، لكن الغريب أن تلك المحاولات اللاهثة باءت بالفشل لذلك فقد قرر صاحب المنزل المنكوب «سلطان» أن يبيع منزله إلى صاحب المنزل المجاور، والذي كان يلح عليه بشدة للحصول على العقار، وبالفعل تحقق لذلك الرجل ما أراد.
لكن الغريب ولشدة ذلك الطلسم الذي كان قد وضعه ذلك الساحر، وأعطاه للرجل صاحب العقار الأول، وبعد أن قام بالفعل بشرائه، لم يتمكن من دخول المنزل، فقد انقلب السحر على الساحر - فقد اتخذ جنود فرعون أو جنود الجان ذلك المنزل ساحة لحربهم المزعومة - ومنعت أي شخص من الإنس لدخول ذلك المنزل حتى من قام بوضع ذلك الطلسم على أعتاب ذلك المنزل فهو لم يكن حماية خاصة فقد أصابه ما أصاب سكان المنزل من قبل.
بيت الفراعنة
وكلما مر الوقت زاد الأمر تعقيدا فأمر جنود فرعون داخل المنزل المنكوب كان يلقي بالرعب والرهبة داخل نفوس ذلك المكان النائي، حتى إنهم قد أطلقوا على ذلك المنزل اسم «بيت الفراعنة».
لكن صاحب المنزل المتحالف مع المشعوذ أخذ يبحث عن آخر قوي... يستطيع أن يخرج ذلك الجيش من المنزل، الذي طالما حلم بالحصول عليه بعض سكان المنطقة، ودلوا ذلك الرجل على شبح قوي يستطيع أن يسيطر على ذلك الجيش ويطرده، وكان ذلك الشبح يسمى - الشيخ اليماني. وهو معالج روحاني. كما يسميه الناس - إنه يعالج بالقرآن الكريم ويشتهر بقدرته على التعامل في مثل تلك الأمور.
وما كان من الشيخ اليماني. إلا أن توجه إلى المنزل الذي احتله جنود الفراعنة وجلس الشيخ في الطابق الأرضي من المنزل، وأخذ يقرأ القرآن الكريم على زجاجة بها مياه، ثم قام برش الماء في جميع أركان المنزل وأخذ يردد بعض الكلمات التي يؤكد فيها أن الشياطين سينالهم فزع وقتال شديد.
وهنا بدأت تسمع أصوات صراخ، وبكاء من أهالي المنطقة... فقد شاهدوا شيئا غريبا، حيث بدأت الشياطين في الاحتراق وأخذت الأدخنة الكثيفة تصعد من شرفة احدى الشقق الموجودة داخل المنزل، والأهالي في المنطقة كانوا في حالة من الرعب والهلع.
وهنا اجتمع كل أهالي المنطقة لإقامة صلاة الظهر داخل المنزل المنكوب، وعثر صاحب المنزل على أوراق السحر الأسود والأحجبة التي وضعت على الجانب الأيسر من المنزل، وكانت تلك الأوراق قد تم دفنها على عمق متر ونصف المتر من عتبات المنزل تحت الأرض، وبذلك تخلص الأهالي من هؤلاء الجنود الذين كانوا يسببون لهم الفزع والرعب. طيلة أشهر من جراء فعلة ذلك الرجل مع الساحر، الذي يمتلك قوة السحر الفرعوني.
الخرافة والسحر... والدجل والشعوذة... ليس لها وطن... أو قارة أو دولة... وإنما هي معتقدات قد تختلف من مكان الى آخر، ولكن داخل أي مجتمع تجد هذه الأشياء أماكن بذاتها قد تكون أحياء أو قرى أو حتى مدنا... تشتهر فيها، وتجد من يروج لها، ومن يقبل عليها.
وفي مصر - مثلها في ذلك مثل كل الدول - أماكن للسحر والسحرة والدجل والدجالين والشعوذة والمشعوذين وقد يشتهر مكان بشيء، قد لا تكون في غيره، حتى إن هناك «قرى أو أحياء» تعمل في غالبيتها ـ وإن كان عددها قليلا - في السحر، ويفد إليها الناس من كل صوب وحدب، قد تكون شهيرة «خارجيا»، أكثر من كونها معروفة «داخليا».
وأيضا... تختلف الطقوس ما بين مجتمع وآخر، في مصر، فالوسائل قد تكون في بحري «الشمال»، مختلفة عن الصعيد «الجنوب»، والأكيد أن للقبائل وسكان الصحراء طقوسا غير سكان الحضر.
والخرافة في مصر. عُنيت بها دراسات وأبحاث كثيرة... حاولنا التعرف عليها والاقتراب منها، حتى إنها تمكنت من تحديد «274» خرافة موجودة بالفعل في القرى والمدن والتجمعات المصرية، ولعل أشهرها خرافة «الربط» - أي تجميد العلاقة الزوجية - وأيضاً أعمال الزواج والتطليق والحب والكراهية.
والدراسات والأبحاث... عن الخرافة في مصر... لم تهتم بها دراسات مصرية وفقط، ولكن اهتمت بها دراسات غربية أيضا، ووصل الأمر أن الباحثين عاشوا وعايشوا أماكن السحر واقتربوا من السحرة، وتعرفوا على خرافات العلاج بالسحر وأدوات وأدوية السحرة... وفي السطور التالية الكثير من الحكايات عن أرض السحر في قرى وأحياء ومدن مصر.
يعتقد المصريون أن هناك العديد من التمائم السحرية. التي توجد على نقوش جدران بعض المعابد الأثرية، والتي يمكن أن تكون بمثابة طلاسم، خاصة إذا ما تم حلها فيمكنهم الحصول على الذهب المخبأ من قبل الأجداد.
كما أن هناك بعض الزائرين من غير المصريين. يقصدون تلك المعابد طلبا لمعرفة المزيد عن السحر والشعوذة التي تمكنهم إما لزيادة القوة والتأثير... أو التماسا لأن يصبح ذلك الشخص لديه قوة التأثير على الآخرين من خلال ما يستمده من قوة الطلاسم الموجودة على جدران المعابد. حتى إن بعض المصريين، وخاصة في الصعيد. يقومون بتزيين جدران منازلهم ببعض النقوش التي يعتقدون أنها تمدهم بقوة أو تقيهم من أعين الحاسدين.
يعتبر معبد الكرنك في مدينة الأقصر بصعيد مصر، والذي ينتصب شامخا منذ أكثر من 3500 عام قبل الميلاد بمثابة التميمة الفرعونية الأشهر والأكبر، والتي تعاقب على كتابة رموزها وأسرارها، بل صناعة طقوسها التي صنعها المصريون القدماء، إذ إن ملوك كل عصر كانوا يقومون بإضافة منجزاتهم، وحضارتهم في هذا الموقع الفريد حتى أصبح الموقع مجموعة معابد في معبد واحد.
نقوش المعابد
ويذكر الأثريون أن هناك نقوشا على المقصورة بالمعبد، وترجع إلى عصر «تحتمس الثالث»، وهو ابن زوج «حتشبسوت»، والذي أراد الانتقام منها اعتقادا منه بأنها انتزعت الملك منه، فما كان منه إلا أن قام بتشويه آثارها في المقصورة، بل سعى إلى إزالتها وتعد المقصورة الحمراء من بين الآثار التي أجهدت فريق الترميم الأثري كثيرا إلى أن نجح في ترميمها.
ومن أهم منشآت المعابد استراحتا المراكب المقدسة، اللتان بناهما كل من سيتي الثاني ورمسيس الثالث، وكانتا متصلتين بنهر النيل، بالإضافة لطريق «الكباش» الشهير، الذي تتخذ تماثيله شكل تمثال «أبوالهول»، الأشهر بهضبة الأهرامات بالجيزة.
لم تسلم معابد الكرنك طيلة تاريخها من الخرافات والشعوذة، وما يتردد عن عالم العفاريت والسحر، ومن هذه الخرافات أو الأساطير السحرية التي تم تناقلها عبر السنين الأولى للفتح الإسلامي لمصر، تلك الأسطورة المرتبطة بمسلة حتشبسوت الموجودة بساحة المعابد. والاعتقاد بأنها مصنوعة من الذهب الخالص، وأنه يجوز التقرب بها، وبالرغم من أن المسلة لم يكن يوجد عليها أثر للذهب. إلا أنهم كانوا يتصورون أن أجدادهم الفراعنة قد بنوا المسلة من الذهب، وأنه نظرا لعلمهم فقد أخفوه بسحرهم عن الناس لعدم سرقته.
وكان هناك اعتقاد راسخ في أن الكتل الحجرية الجيرية والجرانيتية الضخمة، الموضوعة على الأرض بالمعابد صيغت من الذهب، فضلا عن الاعتقاد بأنه يمكن الاستماع إلى صوت معدني عند الدق فوق هذه الأحجار، وكان الناس مقتنعين إلى حد كبير بصحة وجود الأساطير عند ضرب الأحجار واستماعهم إلى أصوات معينة، كما كان المغامرون الذين يبحثون عن هذه الكنوز يتهافتون بكثرة على معابد الكرنك ليجربوا حظهم بتلاوة تعاويذ سحرية، وهو ما دفع آخرين إلى الخوف من الأماكن المهجورة في المعابد بدعوى أنها تؤوي عفاريت.
مكان المنفى
وعندما شكلت السنوات الأولى من القرن الـ 16 مرحلة التوسع للإمبراطورية العثمانية ودخول السلطان سليم الأول مصر في العام 1517 تسبب ذلك في هجرة كثيرين من أهل الصعيد، وأصبح بمثابة منفى، ومكان يسود فيه الجهل والفقر، وساد الاعتقاد بأن آثار المعابد العتيقة المتناثرة في الصعيد، ومن بينها معبد الكرنك هي أماكن للسحر والشعوذة، وكان ذلك من أخطر ما عانى منه معبد الكرنك.
ومن هنا فقد قام أهالي المنطقة - بصعيد مصر - بحماية المنازل من العين الشريرة، وفق تلك النقوش، فهناك نقوش كثيرة تستخدم لهذا الغرض، وأحيانا يلصق صحن بالجدار أعلى المدخل الرئيسي، وربما يتم إدخال نقش قديم جيء به من وسط ركام قديم في الجزء المحيط بالباب، وربما يتم تعليق قرون الأغنام، وغيرها من الحيوانات على المدخل كتعويذة لحماية البيت من العين الشريرة - وفق ما يطلقه السحرة والدجالون - كما تعلق «عروسة الفلة» على باب البيت لنفس الغرض، وداخل المنزل ترى على جدران غرفة المعيشة رسومات يضعها صاحب البيت لمنع العين الشريرة، والواقع أن الوسائل التي يتم اللجوء إليها لحماية المنازل أو الحقول والحيوانات والناس. من كل الأعمار. من هذه القوة المخيفة جدا.
ليست المعابد فقط، ونقوشها بالأقصر هي التي تحوي نقوشا وتعاويذ سحرية، لكن هناك من يؤمن بأن الأضرحة بالمساجد والكنائس لديها تلك القدرة السحرية التي تمكن الطفل العاجز عن الحركة. من القدرة على المشي مرة أخرى، وتلك الاعتقادات رسخها السحرة، والدجالون... في قرى الصعيد.
فقد ذكرت إحدى السيدات بالمنطقة إنه كان لها طفل دون الثامنة، وكان يعجز عن المشي، وبالطبع ولأن الأهالي هناك كما في القرى المصرية الأخرى يؤمنون بالقرينة - الجنية - فقد كانت الأم تؤمن أن قرينتها قد أرسلت عفريتا ليلبسه، ولعلاج هذه الحالة تطلب المساعدة من إحدى جاراتها، وقد نصحها المشعوذون بأن تجلس أم الطفل على الأرض، وتضع في «حجره» بعض التمر والكشك.
وبعد ذلك تذهب الجارة والطفل إلى المسجد، ومعهما التمر والكشك، ويوم الجمعة هو اليوم المفضل لهذه الزيارة، بحيث يكون الوصول عند الظهر أثناء الصلاة، وتترك المرأة الطفل عند باب المسجد، وتجلس هي بعيدا عنه، وعندما يبدأ المصلون في الخروج من المسجد، يرمون التمر والكشك على جلباب الطفل فيأخذ كل منهم نصيبه منه، ويصيب - تكالب الناس على التمر والكشك - الطفل بالفزع، ويبدأ الطفل في الصراخ، وعند سماع المرأة التي أحضرته. لصراخه تذهب وتأخذه بين ذراعيها، وتعود به للبيت.
ويعتقد أهالي القرية أن صرخات الطفل المرعوب تخيف العفريت، الذي في ساقيه، وبعد ذلك يصبح قادرا على المشي ويستعمل الأقباط في صعيد مصر نفس طريقة العلاج فأطفالهم الذين يعانون من الحالة نفسها، ويلاحظ أيضا أنهم يأخذونهم إلى المسجد، وليس إلى الكنيسة. حيث يقول أحد الأقباط، وكان أحد أطفاله - في وقت ما - يعاني من عجزه عن المشي، لكن الطفل شفي من تلك الحالة عندما أخذ طفله بالطريقة ذاتها المذكورة إلى مسجد القرية، والغريب أن الأب يؤكد أنه ذهب به لعدة أطباء في القاهرة وأسيوط. لكنهم عجزوا جميعا عن علاجه.
السحر الفرعوني
ويعتبر السحر الفعلي الفرعوني... هو أصل السحر في العالم، ويعتقد السحرة أن ملوك العالم الآخر يعلمون جيدا، كيف كانت قوة الفراعنة في السيطرة عليهم، والاستفادة منهم، ولذلك يطلقون على ذلك - السحر الأسود - الذي عن طريقه يمكن السيطرة على أي شيء. حيث انتقل السحر هنا من المعابد، ومنطقة الصعيد ليصبح منتشرا في إحدى ضواحي القاهرة النائية، وبالقرب من منطقة عين شمس «شرق القاهرة».
وتبدأ الحكاية عندما دار خلاف ومعركة شرسة بين أصحاب أحد المنازل ومنزل آخر يجاوره وتسكن فيه 6 أسر، فقد رغب صاحب المنزل الأول في ضم المنزل الآخر إليه، ومن هنا كانت الرغبة العارمة في ضم ذلك المنزل إليه، لكن أهالي المنزل الآخر رفضوا ذلك بشدة، وعندما باءت جميع محاولات صاحب المنزل الآخر بالفشل لإقناع صاحب المنزل الآخر، والذي يدعى «سلطان مرزوق» بأن يبيع له منزله فحاول صاحب المنزل الآخر إخراج هؤلاء، ولكن بطريقته الخاصة.
بعد مرور عدة سنوات... ضاق صاحب العقار الأول ذرعا من العقار المجاور له، وبكل سكانه فلجأ إلى الساحر المشهور في تلك المنطقة، والذي يمارس السحر السفلي الأسود، وكان ذلك المشعوذ أو الساحر ماهرا في تسخير الجان، وبالطبع الأعمال السفلية، لذلك فقد قامم ذلك الساحر، وبإيعاز من صاحب المنزل الأول بعمل بعض الأوراق والأحجبة الخاصة بناء على طلب الرجل، وأرشد الساحر ذلك الرجل بدفن تلك الأحجبة والأوراق بدفنها عند بوابة المنزل، الذي يريد الحصول عليه، وبالفعل قام الرجل وفعل ذلك.
وكان للرجل ما تمنى حيث استجاب ملوك الجن - كما يعتقد الرجل - لحجاب ذلك المشعود الذي يستخدم السحر الفرعوني ولجيوشه العتيدة - كما يزعم - فانقلبت الحياة رأسا على عقب. بين سكان ذلك العقار الثاني، حيث زادت بينهم المشاكل والأزمات حتى باتت أصواتهم مسموعة لدى الجار صاحب العقار الأول، وكانت الفترة التي تنشط فيها الأزمات بين هؤلاء الجيران هي فترة ما بعد آذان العشاء كل يوم، وحتى الصباح التالي، ولا يعلم الجيران بالضبط فالذي يدفعهم لعمل ذلك فهناك قوة غريبة تدفعهم لاختلاق المشكلات فيما بينهم، وأيضا هناك أشياء غريبة أخرى باتت تحدث لهم ولم يكن في استطاعتهم تفسيرها داخل المنزل.
يحكي سكان المنزل المنكوب بالسحر الأسود، إنهم كانوا يسمعون داخل منزلهم، وفي كل شقة أصواتا صادرة من المطبخ... حيث كانوا يسمعون صوت أحد يغسل الصحون، بالرغم من عدم وجود أحد بالمطبخ، كما كانوا يسمعون أصواتا لأكواب تتكسر، وذلك بعد الساعة الواحدة صباحا. الغريب أنهم كانوا يسمعون أصوات خيول تجري وسيوفا تضرب، وكأن هناك حرب، ويبدأ المنزل بعد ذلك في الاهتزاز من وقع احترا الخيول التي تجري فيه لكنهم لا يرون شيئا، وكان ذلك يحدث فوق سطح المنزل، وعلى السلالم ولم يكن أحد سوى سكان ذلك المنزل المنكوب يسمع تلك الأصوات.
ويحكي صاحب المنزل أنه في إحدى الليالي الغريبة - تجرأ - وقام بفتح باب شقته، وحتى يعطي لنفسه القدرة على مواجهة ذلك الخوف، الذي بداخله ويملأ نفسه قام بترديد بعض آيات الذكر الحكيم لعله يجد شيئا يستطيع أن يعرف من خلاله سبب ما يحدث.
وبالفعل استطاع من خلال القرآن الكريم... استجماع نفسه، والسيطرة على الخوف بداخله وبدأ يسأل السؤال الطبيعي: من الذي يقوم بذلك. هل يوجد أحد بالمنزل؟
وكان الجواب غريبا إذ إنه سمع صوت شخص غير مرئي، ولكن الصوت كان أجش وقال:«نحن جنود فرعون مصر الخالد».
والأكثر غرابة أن صاحب المنزل «سلطان» كان يرى على جدران المنزل خيالات لعربات تجرها الخيول وترقص عليها كائنات غريبة تحمل السلاح البدائي، وتقوم تلك الكائنات بالغناء، وهي تحارب، وكان المشهد شديد الرعب... لدرجة أنه ألجم صاحب المنزل، الذي أخذ يرى المشاهد المخيفة للحرب، ونداءات قتلى الحرب السوداء. تهز أركان المنزل الذي لم تكن مساحته تتعدى 100 متر.
لكن الانفراجة لتلك المشاهد وذهاب الجيوش إلى حيث أتت لم يكن لينقشع إلا مع بداية انطلاق آذان الفجر معلنا عن بدء الصلاة، ومنذ آذان العشاء، وحتى آذان الفجر كل يوم كانت قلوب صاحب المنزل، والسكان ترتجف خوفا من تلك الأمور الغريبة التي تحدث لهم دون أن يجدوا لها مبررا مقبولا لديهم، وخاصة أنهم بالإضافة لتلك المشاهد الغريبة من الحروب على الحائط والأصوات الغريبة كانت هناك روائح تنبعث من دخان. يأتي من تطاير ألسنة لهب لا يعلمون بالضبط من أين تأتي.
حالة الرعب والهلع سيطرت على أصحاب المنزل فلم يكونوا يتصورون أن ذلك يأتي من خلال ما قام به الجار السيئ من تحالفه مع ذلك الساحر الشرير، الذي يستخدم السحر الفرعوني، ويسير ذلك الجيش الذي يأتي منذ أزمنة بعيدة ليرهب أصحاب المنزل ويجبرهم على الرحيل، تلك الأمور التي عجز السكان عن تفسيرها لذلك فقد قرر السكان ترك المنزل الذي باتوا على يقين. من أنه قد أصبح مسكونا من قبل الأشباح وسيطرت عليه جنود عفاريت الجان التي أخذت على عاتقها مهمة تفريغ ذلك المسكن من قاطنيه.
المنزل المنكوب
وبالفعل حدث ما أراده. ذلك الرجل صاحب العقار الأول مع الساحر، وانتقل جميع سكان المنزل للإقامة في أماكن أخرى يشعرون فيها بأمان أكثر، وقد ذهب هؤلاء السكان عند أقاربهم وبقي المنزل فارغا إلا من الجنود التي تدخله ليلا وتحوله إلى ساحة حرب وكر وفر. ويضرمون النار في الهشيم ثم لا يذهبون إلا مع الساعات الأولى من النهار.
أما صاحب المنزل المنكوب «سلطان» فقد أنفق المئات، بل الآلاف من الجنيهات في محاولة للسيطرة على ما يحدث في منزله فذهب إلى السحرة والشيوخ الذين يعرفه في المنطقة أو المناطق المجاورة.
والغريب أن هؤلاء السحرة كانوا يفرون بمجرد الدخول إلى المنزل المنكوب بالسحر الأسود، وقد تكاتف أهالي المنزل مع صاحبه فقد تطوعوا لجلب العديد من السحرة والمشعوذين. الذين كانوا يدعون قدرتهم على تسخير الجان، لكن الغريب أن تلك المحاولات اللاهثة باءت بالفشل لذلك فقد قرر صاحب المنزل المنكوب «سلطان» أن يبيع منزله إلى صاحب المنزل المجاور، والذي كان يلح عليه بشدة للحصول على العقار، وبالفعل تحقق لذلك الرجل ما أراد.
لكن الغريب ولشدة ذلك الطلسم الذي كان قد وضعه ذلك الساحر، وأعطاه للرجل صاحب العقار الأول، وبعد أن قام بالفعل بشرائه، لم يتمكن من دخول المنزل، فقد انقلب السحر على الساحر - فقد اتخذ جنود فرعون أو جنود الجان ذلك المنزل ساحة لحربهم المزعومة - ومنعت أي شخص من الإنس لدخول ذلك المنزل حتى من قام بوضع ذلك الطلسم على أعتاب ذلك المنزل فهو لم يكن حماية خاصة فقد أصابه ما أصاب سكان المنزل من قبل.
بيت الفراعنة
وكلما مر الوقت زاد الأمر تعقيدا فأمر جنود فرعون داخل المنزل المنكوب كان يلقي بالرعب والرهبة داخل نفوس ذلك المكان النائي، حتى إنهم قد أطلقوا على ذلك المنزل اسم «بيت الفراعنة».
لكن صاحب المنزل المتحالف مع المشعوذ أخذ يبحث عن آخر قوي... يستطيع أن يخرج ذلك الجيش من المنزل، الذي طالما حلم بالحصول عليه بعض سكان المنطقة، ودلوا ذلك الرجل على شبح قوي يستطيع أن يسيطر على ذلك الجيش ويطرده، وكان ذلك الشبح يسمى - الشيخ اليماني. وهو معالج روحاني. كما يسميه الناس - إنه يعالج بالقرآن الكريم ويشتهر بقدرته على التعامل في مثل تلك الأمور.
وما كان من الشيخ اليماني. إلا أن توجه إلى المنزل الذي احتله جنود الفراعنة وجلس الشيخ في الطابق الأرضي من المنزل، وأخذ يقرأ القرآن الكريم على زجاجة بها مياه، ثم قام برش الماء في جميع أركان المنزل وأخذ يردد بعض الكلمات التي يؤكد فيها أن الشياطين سينالهم فزع وقتال شديد.
وهنا بدأت تسمع أصوات صراخ، وبكاء من أهالي المنطقة... فقد شاهدوا شيئا غريبا، حيث بدأت الشياطين في الاحتراق وأخذت الأدخنة الكثيفة تصعد من شرفة احدى الشقق الموجودة داخل المنزل، والأهالي في المنطقة كانوا في حالة من الرعب والهلع.
وهنا اجتمع كل أهالي المنطقة لإقامة صلاة الظهر داخل المنزل المنكوب، وعثر صاحب المنزل على أوراق السحر الأسود والأحجبة التي وضعت على الجانب الأيسر من المنزل، وكانت تلك الأوراق قد تم دفنها على عمق متر ونصف المتر من عتبات المنزل تحت الأرض، وبذلك تخلص الأهالي من هؤلاء الجنود الذين كانوا يسببون لهم الفزع والرعب. طيلة أشهر من جراء فعلة ذلك الرجل مع الساحر، الذي يمتلك قوة السحر الفرعوني.