قصار ولكن ... عظماء
الحبيب بورقيبة... الثائر الديكتاتور / 14

مع جمال عبدالناصر

مع زين العابدين بن علي

الحبيب بورقيبة







|القاهرة - من أحمد نصير|
«كل قصير مكير ... احذروا كل من اقترب من الأرض ... كل قصير خطير، القصير يا حكمة يا نقمة»... كثيرة هي تلك الأمثال التي تتحدث عن قصار القامة في مجتمعاتنا العربية، بعضها سخرت منهم وأغلبها حذرت من دهائهم ومكرهم وقدرتهم على المراوغة والمناورة.
لكن التاريخ يؤكد أن «كل قصير عظيم»... أو بالأحرى أن أغلب العظماء كانوا من قصار القامة، سواء من الزعماء أو القادة العسكريين أو الأدباء والمفكرين ومشاهير الفن والرياضة.
ومن أبرز الشخصيات المشهورة بقصر القامة... الفرعون المصري توت عنخ آمون، والقائد المغولي هولاكو، وإمبراطور فرنسا نابليون الأول ولويس السابع عشر، والسلطان العثماني سليم الأول، والملكة فيكتوريا، ونلسون وستالين وهتلر وموسوليني وفرانكو وغاندي ونلسون مانديلا وخروتشوف وأيزنهاور وغاغارين «أول من صعد إلى الفضاء» وغيرهم.
أما نجوم الفن والرياضة فأبرزهم بيكاسو ودافنشي وأسطورة الكوميديا تشارلي شابلن والمطرب المصري الراحل عبدالحليم حافظ وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والسندريللا سعاد حسني وغيرهم، ومن لاعبي كرة القدم: الأسطورة ماردونا واللاعب الأرجنتيني الساحر ميسي وغيرهما.
وهناك من الأدباء فولتير ويحيى حقي وإبراهيم المازني وإبراهيم ناجي وأمير الشعراء أحمد شوقي والأديب أحمد حسن الزيات.
الكاتب الصحافي المصري أنيس منصور قال : كان لأستاذنا العقاد نكتة خشنة يقولها أحيانا... يقول: الناس عندما يرونني أنا والمازني يقولون : هؤلاء العشرة، أي رقم 10 ـ أي العقاد هو الواحد والمازني هو الصفر لقصر قامته... وكان العقاد يضحك لذلك كثيرا.
وأضاف: لم نقرأ أو نسمع أن قصار القامة كانوا يعانون من هذا العيب في الطفولة أو في سنوات المجد... فقط الرئيس الفرنسي ساركوزي هو الذي قال: أنا قصير مثل نابليون... وكانت أم الرئيس ساركوزي هي التي تقول: إن ابني يخلع حذاء عالي الكعب من أجل حذاء آخر أعلى كعبا!... لعلها تقصد كعب الجميلات حوله!
غير أن علماء النفس يقولون إن: هتلر وموسوليني وفرانكو وستالين وغيرهم من قصار القامة عمدوا إلى تحصيل قوة الشخصية وجمع النفوذ السياسي في سلطتهم بعد أن عز عليهم أن يغيروا ما وهبتهم الطبيعة إياه من أجسام وقامات.
وعبر سطور «الراي»... نروي حكايات عدد من هؤلاء ومسيرة صعودهم، وكيف أصبحوا عظماء وإن اختلف البعض حولهم... فتابعونا حلقة بعد أخرى.
ولد الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية والزعيم الوطني المناضل ضد الاستعمار الفرنسي لبلاده... في حيّ الطرابلسية بمدينة المنستير الساحلية في 3 أغسطس العام 1903... لعائلة من الطبقة المتوسطة فأبوه ضابط متقاعد في حرس الباي.
كان بورقيبة قصير القامة... وقد تسبب ذلك في قطع علاقته مع مصر الناصرية... حيث يقول الكاتب اللبناني سمير عطا الله في مقال بصحيفة «الشرق الأوسط»: رأى بورقيبة في مصر الناصرية بادئ الأمر حليفا طبيعيا، لكنه أفاق ذات يوم على إذاعة «صوت العرب» يمنحه الألقاب التي أسبغها على جميع الخصوم: «خائن ـ رجعي ـ عميل ـ منحرف» وأضاف إلى كل ذلك لقبا جسمانيا عندما تبين له ان رئيس تونس قصير القامة، فلقبه بالقزم.
لكن مجلة «الإكسبرس» الفرنسية قالت عندما كتبت سيرته: إنه «مثل جميع عظماء التاريخ، قصير القامة». وكان في ذهنها طبعا نابليون وتاليران.
ويقول الكاتب صلاح الدين الجورشي في مقال على موقع إسلام أون لاين الإلكتروني بعنوان « بورقيبة.... جامع المتناقضات» : كان بورقيبة أصغر 8 إخوة وأخوات تلقـى تعليمه الثـانوي بالمعهد الصادقي في معهد كارنو بتونس ثم توجه إلى باريس العام 1924 بعد حصوله على البكالوريا والتحق بكلية الحقوق والعلوم السياسية وحصل على الإجازة في العام 1927 وعاد إلى تونس ليشتغل بالمحاماة.
زوجة فرنسية
تزوج الحبيب بورقيبة للمرة الأولى من الفرنسية ماتيلدا... وكانت تبلغ من العمر عندما تعرفت عليه 36 عاما وكانت أرملة أحد الضباط الفرنسيين الذين ماتوا في الحرب العالمية الأولى وكانت تكبره بنحو 12 عاما و هي التي أنجبت له ابنه الوحيد الحبيب بورقيبة الابن، غير أنه طلقها بعد 22 عاما من الزواج.
ثم تزوج بورقيبة للمرة الثانية من وسيلة بنت عمار - رسميا - في «12 أبريل العام 1962» وهي تونسية في احتفال كبير بقصر المرسى ووسيلة بنت عمار هي ثائرة تونسية قادت عددا من عمليات النضال الوطني ضد الاستعمار حتى ألقي القبض عليها العام 1948 وتم سجنها.
تعرف بورقيبة على وسيلة في القاهرة ـ حين كان يقيم في منفاه ـ بإحدى الشقق في شارع نوال بمنطقة الدقي في الجيزة.
ويشير الكاتب محمد بوزينة في كتابه «مشاهير التونسيين»... إلى أن الحبيب بورقيبة انضم إلى الحزب الحر الدستوري في تونس العام 1933 واستقال منه في العام نفسه ليؤسس في 2 مارس العام 1934 بقصر هلال الحزب الحر الدستوري الجديد والذي رافقه في تأسيسه محمود الماطري والطاهر صفر والبحري قيقة.
تم اعتقال بورقيبة في 3 سبتمبر العام 1934 لنشاطه النضالي كما أنه أبعد إلى أقصى الجنوب التونسي ولم يفرج عنه إلا في مايو العام 1936.
ثم سافر بورقيبة إلى فرنسا مرة أخرى غير أنه وبعد سقوط حكومة الجبهة الشعبية تم اعتقاله في 10 أبريل لعام 1938 إثر تظاهرة شعبية قمعتها الشرطة الفرنسية بوحشية في 8 و9 أبريل 1938 وبعدها تم نقل بورقيبة إلى مرسيليا وبقي فيها حتى 10 ديسمبر العام 1942.
عندما تم نقل بورقيبة إلى سجن في ليون، ثم إلى حصن «سان نيكولا» حيث اكتشفته القوات الألمانية التي غزت فرنسا قامت بنقله إلى نيس ثم إلى روما ومن هناك أعيد إلى تونس حرا طليقا في «7» أبريل العام 1943.
وبعدما عاد بورقيبة إلى تونس قرر الهروب إلى المنفى الاختياري ـ إلى القاهرة ـ في مارس 1945ومن هناك توجه إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل أن يعود مجددا إلى تونس في 8 سبتمبر العام 1948 ليسافر من جديد إلى فرنسا العام 1950... بهدف تقديم مشروع إصلاحات للحكومة الفرنسية قبل أن يتنقل بين القاهرة والهند وإندونيسيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة والمغرب قبل أن يرجع إلى تونس في الثاني من يناير العام 1952معلنا انعدام ثقة التونسيين بفرنسا.
اعتقال ومفاوضات
عندما اندلعت الثورة المسلحة التونسية في 18 يناير العام 1952 اعتقل الزعيم الحبيب بورقيبة وزملاؤه في الحزب وتنقل بين السجون في تونس وفرنسا ثم شرعت فرنسا في التفاوض معه فعاد إلى تونس في الأول من يونيو العام 1955 ليستقبله الشعب استقبال الأبطال ويتمكن من تحريك الجماهير لتوقع فرنسا في «3» يونيو العام 1955 المعاهدة التي منحت تونس استقلالها الداخلي.
وهي الاتفاقية التي عارضها الزعيم صالح بن يوسف واصفا إياها بأنها خطوة إلى الوراء ما أدى إلى نشأة ما يعرف بالصراع «البورقيبي - اليوسفي» ويتهمه خصومه السياسيون بالتهاون والتخاذل.
وفي «20» مارس العام 1956 ... تم توقيع وثيقة الاستقلال التام وألف بورقيبة أول حكومة بعد الاستقلال. وصدرت في 13 أغسطس العام 1956 مجلة «الأحوال الشخصية» التي تعتبر من أهم أعمال الزعيم بورقيبة... حيث إنها تضمنت أحكاما ثورية كمنع تعدد الزوجات وجعل الطلاق بأيدي المحاكم ولا تزال هذه المجلة تحظى إلى اليوم بسمعة تكاد تكون أسطورية.
إعلان الجمهورية
في 25 يونيو العام 1957 ... تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فخلع الملك محمد الأمين وتم اختيار الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية. وتواصلت في العهد الجمهوري أعمال استكمال السيادة، فتم جلاء آخر جندي فرنسي عن التراب التونسي في 15 أكتوبر 1963 وتم جلاء المستعمرين عن الأراضي الزراعية كما تم إقرار العديد من الإجراءات لتحديث البلاد كإقرار مجانية التعليم وإجباريته وتوحيد القضاء.
وفي 3 مارس العام 1965 ... ألقى الرئيس الحبيب بورقيبة خطابه التاريخي في أريحا الذي دعا فيه اللاجئين الفلسطينيين إلى عدم التمسك بالعاطفة وإلى الاعتراف بقرار التقسيم لسنة 1947.
وفي الستينات... تم وضع سياسة التعاضد في تونس... وهي سياسة تتمثل في تجميع الأراضي وقد حققت هذه السياسة فشلا ذريعا دفع بورقيبة إلى تبني سياسة ليبرالية منذ بداية السبعينات قادها الوزير الأول (رئيس الوزراء) الهادي نويرة.
وفي 27 ديسمبر العام 1974 تم تنقيح الدستور وأسندت رئاسة الدولة مدى الحياة إلى بورقيبة، وقد وقعت في تونس يوم 26 يناير العام 1978 مظاهرات وأحداث مؤلمة إثر خلاف بين الحكومة ونقابة العمال سقط فيها مئات القتلى.
وفي 13 نوفمبر العام 1979 انتقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وانتخب الشاذلي القليبي أمينا عاما لها.
كما وقعت في 3 يناير 1984 مظاهرات وحوادث مؤلمة عرفت بـ «ثورة الخبز» التي سقط خلالها الضحايا بالمئات. وشهدت صراعات دموية حادة بين التونسيين ورجال الأمن بسبب زيادة سعر الخبز واستخدمت فيها القوة ضد المتظاهرين ولم تهدأ تلك الثورة إلا بعد تراجع الحكومة عن الزيادة بعد يوم واحد فقط من إقرارها واستدعي زين العابدين بن علي من وارسو ليشغل منصب مدير عام الأمن الوطني.
وفي الأول من أكتوبر العام 1985 شن الطيران الإسرائيلي غارة جوية على مقر القيادة الفلسطينية في الضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية، وهي الغارة التي دانها مجلس الأمن الدولي في 14 أكتوبر من العام ذاته.
انقلاب ونهاية
وفي 7 نوفمبر العام 1987 وأمام الحالة الصحية المتردية للرئيس بورقيبة قام الوزير الأول زين العابدين بن علي بإعلان نفسه رئيسا جديدا للجمهورية فيما عرف بـ «تحول السابع من نوفمبر»، وبعد هذا التغيير أقام الحبيب بورقيبة بمسقط رأسه «المنستير» إلى حين وفاته في 6 أبريل العام2000.
ألقاب مثيرة
ألقاب كثيرة أطلقت على الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة مثل «الزعيم» و«المجاهد الأكبر» و«صانع الأمة»... لكن الألقاب المثيرة هي تلك التي لا وجود لها في القاموس السياسي مثل «الرئيس الأبدي» و«الباي الجمهوري» أي الأمير الجمهوري في حين أطلق البعض عليه لقب «أتاتورك المغرب العربي».
وحسب الكاتب التونسي الصافي سعيد صاحب كتاب: «بورقيبة... سيرة شبه محرمة»... فقد كان الزعيم التونسي «أكثر من رئيس وأكبر من ملك بكثير، جمع بين يديه دفعة واحدة سلطات الباي والمقيم العام الفرنسي ما بأنفسهم» لم يكن دمويا على طريقة الأنظمة العسكرية والفاشية لكنه قرر إعدام العديد من معارضيه ببرودة شديدة حدث ذلك مع «اليوسفيين» في مطلع الاستقلال وعندما تدخل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات طالبا تخفيف العقوبة على الشبان الذين قادوا عملية «قفصة» الشهيرة أصدر بورقيبة أوامره من الغد بتنفيذ حكم الإعدام على 16 منهم.
وأوضح سعيد أن بورقيبة أظهر شراسة شديدة في مواجهة خصومه السياسيين حتى لو كانوا رفاقه في الكفاح حيث استغَلَّ تأسيسه للدولة واحتكاره لها ليُجْهِزَ على المؤسسة الزيتونية الإسلامية بالرغم من ضعفها ويطارد من عُرِفُوا باليوسفيين الذين وقفوا مع الكاتب العام للحزب صالح بن يوسف فقتل العديد منهم واعتقل الآلاف ولم يُغْلق هذا الملف إلا بعد اغتيال زعيمهم اللاجئ في ألمانيا.
كما استغل محاولة الانقلاب التي استهدفته العام 1962 ليجمد الحزب الشيوعي ويعطل جميع الصحف المعارضة والمستقلة ويلغي الحريات الأساسية ويقيم نظام الحزب الواحد مستعينا في ذلك بالاتحاد العام التونسي للشغل الذي تحالف مع الحزب الدستوري إلى درجة قبول التدخل في شؤونه وفرض الوصاية عليه وعلى قيادته.
ومع تبني الاشتراكية في الستينات غاب المجتمع المدني وهيمنت على البلاد أحادية في التسيير وفي التفكير وفي الإعلام وفي التنظيم.
وأضاف : على صعيد السياسة الخارجية تحالف بورقيبة مع الغرب وكان من أوائل السياسيين العرب الذين رحبوا بالسياسة الأميركية في المنطقة ففي خطاب ألقاه في شهر مايو 1968 قال «إننا نعتبر أن نفوذ الولايات المتحدة الأميركية يشكل عنصر استقرار يحمي العالم من نوع من الأنظمة الاستبدادية... دون أن يدخل في نزاع مع الاتحاد السوفيتي رافضا رفضا قاطعا إقامة علاقات اقتصادية وعسكرية معه معتبرا أن دخول خرطوشة واحدة من هذا المعسكر قادرة على أن تفتح الباب واسعا أمام الخبراء والأفكار «الهدامة» بل إنه صرح أكثر من مرة في خطبه الرسمية بأن «المعسكر الاشتراكي لن يستمر طويلا في الحياة وأن سقوطه أمر محتم».
علاقات جيدة
وبنى بورقيبة علاقات جيدة مع الأنظمة الملكية والخليجية... غير أن علاقاته مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ـ شهدت توترات مستمرة ـ حيث اختلف معه في الخطاب والأيديولوجيا ومواقف من قضايا جوهرية مثل: الوحدة والقومية وفلسطين.
وذات مرة قال: «لو خُيرت بين الجامعة العربية والحلف الأطلسي لاخترت هذا الأخير». كما كان حذرا من حزب البعث وحال دون امتداداته التنظيمية داخل تونس ثم تجدد صراعه مع القذافي ورأى فيه شابا «متهورا» في السياسة.
وكان يخشى أن تُطَوَّق تونس بتحالف ـ ليبي - جزائري ـ لهذا وثّق علاقاته مع فرنسا والولايات المتحدة وعندما تسربت مجموعة معارضة مسلحة ذات توجه عروبي ومدعومة من الجزائر وسيطرت على مدينة قفصة في يناير 1980 استنجد بباريس وواشنطن... حيث قدما له مساعدات عسكرية ولوجستية مكَّنَت النظام التونسي من إنهاء التمرد بأقل التكاليف.
وأشار إلى أنه «طيلة حكمه استعان بورقيبة بالوزراء الأول «لباهي الأدغم والهادي نويرة ومحمد مزالي ورشيد صفر» وأخيرا زين العابدين بن علي وكلهم ينتمون إلى الساحل التونسي الذي كان أبناؤه يهيمنون على الحياة السياسية بتونس في عهده.
وقد منع بورقيبة تعدد الزوجات بعد توليه رئاسة تونس بـ 3 أشهر فقط من خلال مجلة «الأحوال الشخصية» التي أصدرها كما منع الحجاب منعا باتا وأصر على تطبيق هذا القرار.
«كل قصير مكير ... احذروا كل من اقترب من الأرض ... كل قصير خطير، القصير يا حكمة يا نقمة»... كثيرة هي تلك الأمثال التي تتحدث عن قصار القامة في مجتمعاتنا العربية، بعضها سخرت منهم وأغلبها حذرت من دهائهم ومكرهم وقدرتهم على المراوغة والمناورة.
لكن التاريخ يؤكد أن «كل قصير عظيم»... أو بالأحرى أن أغلب العظماء كانوا من قصار القامة، سواء من الزعماء أو القادة العسكريين أو الأدباء والمفكرين ومشاهير الفن والرياضة.
ومن أبرز الشخصيات المشهورة بقصر القامة... الفرعون المصري توت عنخ آمون، والقائد المغولي هولاكو، وإمبراطور فرنسا نابليون الأول ولويس السابع عشر، والسلطان العثماني سليم الأول، والملكة فيكتوريا، ونلسون وستالين وهتلر وموسوليني وفرانكو وغاندي ونلسون مانديلا وخروتشوف وأيزنهاور وغاغارين «أول من صعد إلى الفضاء» وغيرهم.
أما نجوم الفن والرياضة فأبرزهم بيكاسو ودافنشي وأسطورة الكوميديا تشارلي شابلن والمطرب المصري الراحل عبدالحليم حافظ وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والسندريللا سعاد حسني وغيرهم، ومن لاعبي كرة القدم: الأسطورة ماردونا واللاعب الأرجنتيني الساحر ميسي وغيرهما.
وهناك من الأدباء فولتير ويحيى حقي وإبراهيم المازني وإبراهيم ناجي وأمير الشعراء أحمد شوقي والأديب أحمد حسن الزيات.
الكاتب الصحافي المصري أنيس منصور قال : كان لأستاذنا العقاد نكتة خشنة يقولها أحيانا... يقول: الناس عندما يرونني أنا والمازني يقولون : هؤلاء العشرة، أي رقم 10 ـ أي العقاد هو الواحد والمازني هو الصفر لقصر قامته... وكان العقاد يضحك لذلك كثيرا.
وأضاف: لم نقرأ أو نسمع أن قصار القامة كانوا يعانون من هذا العيب في الطفولة أو في سنوات المجد... فقط الرئيس الفرنسي ساركوزي هو الذي قال: أنا قصير مثل نابليون... وكانت أم الرئيس ساركوزي هي التي تقول: إن ابني يخلع حذاء عالي الكعب من أجل حذاء آخر أعلى كعبا!... لعلها تقصد كعب الجميلات حوله!
غير أن علماء النفس يقولون إن: هتلر وموسوليني وفرانكو وستالين وغيرهم من قصار القامة عمدوا إلى تحصيل قوة الشخصية وجمع النفوذ السياسي في سلطتهم بعد أن عز عليهم أن يغيروا ما وهبتهم الطبيعة إياه من أجسام وقامات.
وعبر سطور «الراي»... نروي حكايات عدد من هؤلاء ومسيرة صعودهم، وكيف أصبحوا عظماء وإن اختلف البعض حولهم... فتابعونا حلقة بعد أخرى.
ولد الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية والزعيم الوطني المناضل ضد الاستعمار الفرنسي لبلاده... في حيّ الطرابلسية بمدينة المنستير الساحلية في 3 أغسطس العام 1903... لعائلة من الطبقة المتوسطة فأبوه ضابط متقاعد في حرس الباي.
كان بورقيبة قصير القامة... وقد تسبب ذلك في قطع علاقته مع مصر الناصرية... حيث يقول الكاتب اللبناني سمير عطا الله في مقال بصحيفة «الشرق الأوسط»: رأى بورقيبة في مصر الناصرية بادئ الأمر حليفا طبيعيا، لكنه أفاق ذات يوم على إذاعة «صوت العرب» يمنحه الألقاب التي أسبغها على جميع الخصوم: «خائن ـ رجعي ـ عميل ـ منحرف» وأضاف إلى كل ذلك لقبا جسمانيا عندما تبين له ان رئيس تونس قصير القامة، فلقبه بالقزم.
لكن مجلة «الإكسبرس» الفرنسية قالت عندما كتبت سيرته: إنه «مثل جميع عظماء التاريخ، قصير القامة». وكان في ذهنها طبعا نابليون وتاليران.
ويقول الكاتب صلاح الدين الجورشي في مقال على موقع إسلام أون لاين الإلكتروني بعنوان « بورقيبة.... جامع المتناقضات» : كان بورقيبة أصغر 8 إخوة وأخوات تلقـى تعليمه الثـانوي بالمعهد الصادقي في معهد كارنو بتونس ثم توجه إلى باريس العام 1924 بعد حصوله على البكالوريا والتحق بكلية الحقوق والعلوم السياسية وحصل على الإجازة في العام 1927 وعاد إلى تونس ليشتغل بالمحاماة.
زوجة فرنسية
تزوج الحبيب بورقيبة للمرة الأولى من الفرنسية ماتيلدا... وكانت تبلغ من العمر عندما تعرفت عليه 36 عاما وكانت أرملة أحد الضباط الفرنسيين الذين ماتوا في الحرب العالمية الأولى وكانت تكبره بنحو 12 عاما و هي التي أنجبت له ابنه الوحيد الحبيب بورقيبة الابن، غير أنه طلقها بعد 22 عاما من الزواج.
ثم تزوج بورقيبة للمرة الثانية من وسيلة بنت عمار - رسميا - في «12 أبريل العام 1962» وهي تونسية في احتفال كبير بقصر المرسى ووسيلة بنت عمار هي ثائرة تونسية قادت عددا من عمليات النضال الوطني ضد الاستعمار حتى ألقي القبض عليها العام 1948 وتم سجنها.
تعرف بورقيبة على وسيلة في القاهرة ـ حين كان يقيم في منفاه ـ بإحدى الشقق في شارع نوال بمنطقة الدقي في الجيزة.
ويشير الكاتب محمد بوزينة في كتابه «مشاهير التونسيين»... إلى أن الحبيب بورقيبة انضم إلى الحزب الحر الدستوري في تونس العام 1933 واستقال منه في العام نفسه ليؤسس في 2 مارس العام 1934 بقصر هلال الحزب الحر الدستوري الجديد والذي رافقه في تأسيسه محمود الماطري والطاهر صفر والبحري قيقة.
تم اعتقال بورقيبة في 3 سبتمبر العام 1934 لنشاطه النضالي كما أنه أبعد إلى أقصى الجنوب التونسي ولم يفرج عنه إلا في مايو العام 1936.
ثم سافر بورقيبة إلى فرنسا مرة أخرى غير أنه وبعد سقوط حكومة الجبهة الشعبية تم اعتقاله في 10 أبريل لعام 1938 إثر تظاهرة شعبية قمعتها الشرطة الفرنسية بوحشية في 8 و9 أبريل 1938 وبعدها تم نقل بورقيبة إلى مرسيليا وبقي فيها حتى 10 ديسمبر العام 1942.
عندما تم نقل بورقيبة إلى سجن في ليون، ثم إلى حصن «سان نيكولا» حيث اكتشفته القوات الألمانية التي غزت فرنسا قامت بنقله إلى نيس ثم إلى روما ومن هناك أعيد إلى تونس حرا طليقا في «7» أبريل العام 1943.
وبعدما عاد بورقيبة إلى تونس قرر الهروب إلى المنفى الاختياري ـ إلى القاهرة ـ في مارس 1945ومن هناك توجه إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل أن يعود مجددا إلى تونس في 8 سبتمبر العام 1948 ليسافر من جديد إلى فرنسا العام 1950... بهدف تقديم مشروع إصلاحات للحكومة الفرنسية قبل أن يتنقل بين القاهرة والهند وإندونيسيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة والمغرب قبل أن يرجع إلى تونس في الثاني من يناير العام 1952معلنا انعدام ثقة التونسيين بفرنسا.
اعتقال ومفاوضات
عندما اندلعت الثورة المسلحة التونسية في 18 يناير العام 1952 اعتقل الزعيم الحبيب بورقيبة وزملاؤه في الحزب وتنقل بين السجون في تونس وفرنسا ثم شرعت فرنسا في التفاوض معه فعاد إلى تونس في الأول من يونيو العام 1955 ليستقبله الشعب استقبال الأبطال ويتمكن من تحريك الجماهير لتوقع فرنسا في «3» يونيو العام 1955 المعاهدة التي منحت تونس استقلالها الداخلي.
وهي الاتفاقية التي عارضها الزعيم صالح بن يوسف واصفا إياها بأنها خطوة إلى الوراء ما أدى إلى نشأة ما يعرف بالصراع «البورقيبي - اليوسفي» ويتهمه خصومه السياسيون بالتهاون والتخاذل.
وفي «20» مارس العام 1956 ... تم توقيع وثيقة الاستقلال التام وألف بورقيبة أول حكومة بعد الاستقلال. وصدرت في 13 أغسطس العام 1956 مجلة «الأحوال الشخصية» التي تعتبر من أهم أعمال الزعيم بورقيبة... حيث إنها تضمنت أحكاما ثورية كمنع تعدد الزوجات وجعل الطلاق بأيدي المحاكم ولا تزال هذه المجلة تحظى إلى اليوم بسمعة تكاد تكون أسطورية.
إعلان الجمهورية
في 25 يونيو العام 1957 ... تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فخلع الملك محمد الأمين وتم اختيار الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية. وتواصلت في العهد الجمهوري أعمال استكمال السيادة، فتم جلاء آخر جندي فرنسي عن التراب التونسي في 15 أكتوبر 1963 وتم جلاء المستعمرين عن الأراضي الزراعية كما تم إقرار العديد من الإجراءات لتحديث البلاد كإقرار مجانية التعليم وإجباريته وتوحيد القضاء.
وفي 3 مارس العام 1965 ... ألقى الرئيس الحبيب بورقيبة خطابه التاريخي في أريحا الذي دعا فيه اللاجئين الفلسطينيين إلى عدم التمسك بالعاطفة وإلى الاعتراف بقرار التقسيم لسنة 1947.
وفي الستينات... تم وضع سياسة التعاضد في تونس... وهي سياسة تتمثل في تجميع الأراضي وقد حققت هذه السياسة فشلا ذريعا دفع بورقيبة إلى تبني سياسة ليبرالية منذ بداية السبعينات قادها الوزير الأول (رئيس الوزراء) الهادي نويرة.
وفي 27 ديسمبر العام 1974 تم تنقيح الدستور وأسندت رئاسة الدولة مدى الحياة إلى بورقيبة، وقد وقعت في تونس يوم 26 يناير العام 1978 مظاهرات وأحداث مؤلمة إثر خلاف بين الحكومة ونقابة العمال سقط فيها مئات القتلى.
وفي 13 نوفمبر العام 1979 انتقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وانتخب الشاذلي القليبي أمينا عاما لها.
كما وقعت في 3 يناير 1984 مظاهرات وحوادث مؤلمة عرفت بـ «ثورة الخبز» التي سقط خلالها الضحايا بالمئات. وشهدت صراعات دموية حادة بين التونسيين ورجال الأمن بسبب زيادة سعر الخبز واستخدمت فيها القوة ضد المتظاهرين ولم تهدأ تلك الثورة إلا بعد تراجع الحكومة عن الزيادة بعد يوم واحد فقط من إقرارها واستدعي زين العابدين بن علي من وارسو ليشغل منصب مدير عام الأمن الوطني.
وفي الأول من أكتوبر العام 1985 شن الطيران الإسرائيلي غارة جوية على مقر القيادة الفلسطينية في الضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية، وهي الغارة التي دانها مجلس الأمن الدولي في 14 أكتوبر من العام ذاته.
انقلاب ونهاية
وفي 7 نوفمبر العام 1987 وأمام الحالة الصحية المتردية للرئيس بورقيبة قام الوزير الأول زين العابدين بن علي بإعلان نفسه رئيسا جديدا للجمهورية فيما عرف بـ «تحول السابع من نوفمبر»، وبعد هذا التغيير أقام الحبيب بورقيبة بمسقط رأسه «المنستير» إلى حين وفاته في 6 أبريل العام2000.
ألقاب مثيرة
ألقاب كثيرة أطلقت على الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة مثل «الزعيم» و«المجاهد الأكبر» و«صانع الأمة»... لكن الألقاب المثيرة هي تلك التي لا وجود لها في القاموس السياسي مثل «الرئيس الأبدي» و«الباي الجمهوري» أي الأمير الجمهوري في حين أطلق البعض عليه لقب «أتاتورك المغرب العربي».
وحسب الكاتب التونسي الصافي سعيد صاحب كتاب: «بورقيبة... سيرة شبه محرمة»... فقد كان الزعيم التونسي «أكثر من رئيس وأكبر من ملك بكثير، جمع بين يديه دفعة واحدة سلطات الباي والمقيم العام الفرنسي ما بأنفسهم» لم يكن دمويا على طريقة الأنظمة العسكرية والفاشية لكنه قرر إعدام العديد من معارضيه ببرودة شديدة حدث ذلك مع «اليوسفيين» في مطلع الاستقلال وعندما تدخل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات طالبا تخفيف العقوبة على الشبان الذين قادوا عملية «قفصة» الشهيرة أصدر بورقيبة أوامره من الغد بتنفيذ حكم الإعدام على 16 منهم.
وأوضح سعيد أن بورقيبة أظهر شراسة شديدة في مواجهة خصومه السياسيين حتى لو كانوا رفاقه في الكفاح حيث استغَلَّ تأسيسه للدولة واحتكاره لها ليُجْهِزَ على المؤسسة الزيتونية الإسلامية بالرغم من ضعفها ويطارد من عُرِفُوا باليوسفيين الذين وقفوا مع الكاتب العام للحزب صالح بن يوسف فقتل العديد منهم واعتقل الآلاف ولم يُغْلق هذا الملف إلا بعد اغتيال زعيمهم اللاجئ في ألمانيا.
كما استغل محاولة الانقلاب التي استهدفته العام 1962 ليجمد الحزب الشيوعي ويعطل جميع الصحف المعارضة والمستقلة ويلغي الحريات الأساسية ويقيم نظام الحزب الواحد مستعينا في ذلك بالاتحاد العام التونسي للشغل الذي تحالف مع الحزب الدستوري إلى درجة قبول التدخل في شؤونه وفرض الوصاية عليه وعلى قيادته.
ومع تبني الاشتراكية في الستينات غاب المجتمع المدني وهيمنت على البلاد أحادية في التسيير وفي التفكير وفي الإعلام وفي التنظيم.
وأضاف : على صعيد السياسة الخارجية تحالف بورقيبة مع الغرب وكان من أوائل السياسيين العرب الذين رحبوا بالسياسة الأميركية في المنطقة ففي خطاب ألقاه في شهر مايو 1968 قال «إننا نعتبر أن نفوذ الولايات المتحدة الأميركية يشكل عنصر استقرار يحمي العالم من نوع من الأنظمة الاستبدادية... دون أن يدخل في نزاع مع الاتحاد السوفيتي رافضا رفضا قاطعا إقامة علاقات اقتصادية وعسكرية معه معتبرا أن دخول خرطوشة واحدة من هذا المعسكر قادرة على أن تفتح الباب واسعا أمام الخبراء والأفكار «الهدامة» بل إنه صرح أكثر من مرة في خطبه الرسمية بأن «المعسكر الاشتراكي لن يستمر طويلا في الحياة وأن سقوطه أمر محتم».
علاقات جيدة
وبنى بورقيبة علاقات جيدة مع الأنظمة الملكية والخليجية... غير أن علاقاته مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ـ شهدت توترات مستمرة ـ حيث اختلف معه في الخطاب والأيديولوجيا ومواقف من قضايا جوهرية مثل: الوحدة والقومية وفلسطين.
وذات مرة قال: «لو خُيرت بين الجامعة العربية والحلف الأطلسي لاخترت هذا الأخير». كما كان حذرا من حزب البعث وحال دون امتداداته التنظيمية داخل تونس ثم تجدد صراعه مع القذافي ورأى فيه شابا «متهورا» في السياسة.
وكان يخشى أن تُطَوَّق تونس بتحالف ـ ليبي - جزائري ـ لهذا وثّق علاقاته مع فرنسا والولايات المتحدة وعندما تسربت مجموعة معارضة مسلحة ذات توجه عروبي ومدعومة من الجزائر وسيطرت على مدينة قفصة في يناير 1980 استنجد بباريس وواشنطن... حيث قدما له مساعدات عسكرية ولوجستية مكَّنَت النظام التونسي من إنهاء التمرد بأقل التكاليف.
وأشار إلى أنه «طيلة حكمه استعان بورقيبة بالوزراء الأول «لباهي الأدغم والهادي نويرة ومحمد مزالي ورشيد صفر» وأخيرا زين العابدين بن علي وكلهم ينتمون إلى الساحل التونسي الذي كان أبناؤه يهيمنون على الحياة السياسية بتونس في عهده.
وقد منع بورقيبة تعدد الزوجات بعد توليه رئاسة تونس بـ 3 أشهر فقط من خلال مجلة «الأحوال الشخصية» التي أصدرها كما منع الحجاب منعا باتا وأصر على تطبيق هذا القرار.