قصار ولكن ... عظماء
هتلر... الزعيم النازي القصير / 12

هتلر الأب

هتلر






|القاهرة - من أحمد نصير|
«كل قصير مكير ... احذروا كل من اقترب من الأرض ... كل قصير خطير، القصير يا حكمة يا نقمة»... كثيرة هي تلك الأمثال التي تتحدث عن قصار القامة في مجتمعاتنا العربية، بعضها سخرت منهم وأغلبها حذرت من دهائهم ومكرهم وقدرتهم على المراوغة والمناورة.
لكن التاريخ يؤكد أن «كل قصير عظيم»... أو بالأحرى أن أغلب العظماء كانوا من قصار القامة، سواء من الزعماء أو القادة العسكريين أو الأدباء والمفكرين ومشاهير الفن والرياضة.
ومن أبرز الشخصيات المشهورة بقصر القامة... الفرعون المصري توت عنخ آمون، والقائد المغولي هولاكو، وإمبراطور فرنسا نابليون الأول ولويس السابع عشر، والسلطان العثماني سليم الأول، والملكة فيكتوريا، ونلسون وستالين وهتلر وموسوليني وفرانكو وغاندي ونلسون مانديلا وخروتشوف وأيزنهاور وغاغارين «أول من صعد إلى الفضاء» وغيرهم.
أما نجوم الفن والرياضة فأبرزهم بيكاسو ودافنشي وأسطورة الكوميديا تشارلي شابلن والمطرب المصري الراحل عبدالحليم حافظ وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والسندريللا سعاد حسني وغيرهم، ومن لاعبي كرة القدم: الأسطورة ماردونا واللاعب الأرجنتيني الساحر ميسي وغيرهما.
وهناك من الأدباء فولتير ويحيى حقي وإبراهيم المازني وإبراهيم ناجي وأمير الشعراء أحمد شوقي والأديب أحمد حسن الزيات.
الكاتب الصحافي المصري أنيس منصور قال : كان لأستاذنا العقاد نكتة خشنة يقولها أحيانا... يقول: الناس عندما يرونني أنا والمازني يقولون : هؤلاء العشرة، أي رقم 10 ـ أي العقاد هو الواحد والمازني هو الصفر لقصر قامته... وكان العقاد يضحك لذلك كثيرا.
وأضاف: لم نقرأ أو نسمع أن قصار القامة كانوا يعانون من هذا العيب في الطفولة أو في سنوات المجد... فقط الرئيس الفرنسي ساركوزي هو الذي قال: أنا قصير مثل نابليون... وكانت أم الرئيس ساركوزي هي التي تقول: إن ابني يخلع حذاء عالي الكعب من أجل حذاء آخر أعلى كعبا!... لعلها تقصد كعب الجميلات حوله!
غير أن علماء النفس يقولون إن: هتلر وموسوليني وفرانكو وستالين وغيرهم من قصار القامة عمدوا إلى تحصيل قوة الشخصية وجمع النفوذ السياسي في سلطتهم بعد أن عز عليهم أن يغيروا ما وهبتهم الطبيعة إياه من أجسام وقامات.
وعبر سطور «الراي»... نروي حكايات عدد من هؤلاء ومسيرة صعودهم، وكيف أصبحوا عظماء وإن اختلف البعض حولهم... فتابعونا حلقة بعد أخرى.
ولد الزعيم النازي أدولف هتلر في 20 أبريل العام 1889... في مدينة «براوناو» النمسوية وهي مدينة صغيرة على الحدود الفاصلة بين ألمانيا والنمسا.
كان والده يعمل موظفا جمركيا ولا يهتم بشيء سوى وظيفته وحتى بعد أن تقاعد كرّس وقته لزراعة أرض يمتلكها.
وعن طفولته قال هتلر في مذكراته «كفاحي» : يبدو وكأن القدر تعمد اختيار براوناو موقعا لأولد فيه... فتلك المدينة الصغيرة تقع على الحدود بين دولتين سعينا نحن الجيل الجديد لتوحيدهما بكل ما لدينا من قوة، فلابد من عودة ألمانيا النمسوية للوطن الأم وليس بسبب أي دوافع اقتصادية،. بل وحتى ان الاتحاد ألحق أضرارا اقتصادية، فلابد منه. دماؤنا تطلب وطنا واحدا، ولن تستطيع الأمة الألمانية امتلاك الحق الأخلاقي لتحقيق سياسة استعمارية حتى تجمع أطفالها في وطن واحد. وفقط حين تشمل حدودنا آخر ألمانيا، ولا نستطيع تأمين رزقه، سنمتلك الحق الأخلاقي في احتلال أراض أخرى بسبب معاناة شعبنا. سيصير السيف أداة الحرث ، ومن دموع الحرب سينبت الخبز للأجيال القادمة. وهكذا يبدو لي أن هذه القرية الصغيرة كانت رمزا للمسؤولية الغالية التي أنيطت بي.
ولكن هنالك صورة بائسة أخرى تذكرنا تلك المدينة بها. فقبل مئة عام، كانت مسرحا لكارثة مأسوية ستخلد في صفحات التاريخ الألماني. فحين انحطت الأوضاع إلى أسوأ حال ممكنة تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، استشهد جوهانا، بائع الكتب، في سبيل الوطن الذي أحبه. وقد رفض التخلي عن شركائه وشجب الذين كانوا أفضل منه في قدراتهم. وقد أبلغ أحد ضباط الشرطة الألمان عنه الفرنسيين ، وبقي العار ملحقا باسمه حتى الساعة.
مصير محتوم
في هذه المدينة الصغيرة، المضيئة ببريق الشهادة في سبيل الوطن، والتي حكمتها النمسا وإن كان دم شعبها ألمانيا ، عاش والدي في أواخر الثمانينات من القرن قبل الماضي «التاسع عشر» وبينما كان والدي موظفا حكوميا ، رعت أمي أفراد الأسرة. ولم يبق حاليا في ذاكرتي سوى القليل عن هذا المكان لأننا سرعان ما رحلنا منه لبلدة باسو في ألمانيا.
وخلال تلك الأيام كان التنقل مصيرا محتوما على الموظف. وهكذا انتقل والدي مرة ثالثة إلى لينز، وهناك أخيرا تمت إحالته على التقاعد. ولكن ذلك لم يعن له الراحة أبدا . فمنذ طفولته كان لا يطيق البقاء في المنزل بلا عمل، وهرب في سن الثالثة عشرة إلى فيينا وتعلم حرفة وحصل على التجربة والنجاح قبل سن السابعة عشرة، ولكنه ما قنع بكل هذا.
بل إن معاناة الأعوام الأولى دفعته للسعي وراء مستقبل أفضل . وهكذا بحث عن وظيفة حكومية، وبعد عشرين عاما من الصراع الدؤوب ، عثر عليها. وهكذا حقق قسمه القديم ، وهو ألا يعود لقريته الصغيرة إلا بعد أن يكون قد كون نفسه.
حقق الرجل حلمه ، ولكن لا أحد في القرية تذكر الطفل الذي هاجر، بل وبدت له قريته غريبة تماما ، وكأنه يراها للمرة الأولى. وأخيرا ، وفي سن السادسة والخمسين، بعد تقاعده، ما استطاع احتمال الفراغ، فاقتنى مزرعة وعمل في زراعتها كما فعل أجداده من قبل.
يجتر هتلر ذكرياته قائلا: خلال تلك الفترة تكونت داخلي بوادر الشخصية الأولية. اللعب في الحقول، المشي إلى المدرسة، خصوصا الاختلاط مع أصدقائي العنيفين الذي أقلقت علاقاتي معهم والدتي، كل هذا جعلني من النوع النشط الذي لا يرتاح للبقاء في المنزل. وبالرغم من عدم تفكيري في الحرفة المستقبلية، ما كانت عواطفي أبدا تتجه نحو المصير الذي اتخذه والدي لنفسه. أؤمن بأني حتى آنذاك تمتعت بقدرات بلاغية مميزة ظهرت في شكل حوارات عنيفة مع زملاء الدراسة. بل وبت زعيما لمجموعة.
ونجحت في المدرسة بالفعل ، ولكني كنت شديد المراس. اشتركت في النشاطات الكنائسية ، وأسكرتني عظمة هذه المؤسسة العريقة. وبدا لي القس مثالا لما ينبغي أن أكونه، كما بدا لوالدي من قبل. ولكن الأخير فشل في التعامل مع قدرات ابنه البلاغية وما استطاع تصور مستقبل ممكن له، بل وأقلقه هذا الوضع كثيرا .
هذا الحلم الكنائسي - يواصل هتلر - تخلى عني سريعا ، بعد أن عثرت على بعض الكتب العسكرية التي وصفت المعارك بين فرنسا وألمانيا العام ـ 1870 - 1871ـ عشقت هذه النصوص ، وصارت الصرعات البطولية النشاط الفكري والخيالي الأساسي لكياني. ومنذ ذلك الوقت صرت أعشق كل ما له علاقة بالجنود.
رفض هتلر منذ البداية كما يؤكد في مذكراته - أن يكون مجرد نسخة من والده وأن يكون موظفا مثله، وبرر ذلك بأن طموحه أعلى من أن يوقفه عند الوظيفة.
طموحات وأهداف
واهتم هتلر منذ طفولته بالقراءة خصوصا... التاريخ والمجلات المصورة، وجعله هذا يطلع على تاريخ الجيش الألماني وحروبه مع فرنسا العام 1870.
كما جعله يتساءل عن سبب امتناع ألمان النمسا عن المشاركة في تلك الحرب خصوصا مع الانتصارات التي حققها الجيش الألماني، الأمر الذي جعله يضع أمام عينيه أن اتحاد ألمانيا والنمسا مرة أخرى، لابد وأن يكون على رأس الأهداف التي لابد أن يعمل من أجلها كل ألماني.
توفي والد هتلر وهو في الثالثة عشرة من عمره ثم لحقت به والدته بعد عامين وهكذا وجد هتلر نفسه وحيدا وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره، ووجد نفسه مضطرا للعمل إلى جوار دراسته في كلية الفنون الجميلة - قسم هندسة.
اليهود يسخرون منه
عاش هتلر ما يقرب من 5 سنوات من حياته في مدينة «فيينا» ورغم أنه يعتبرها أشقى أيام حياته حيث اضطر إلى العمل في وظائف متواضعة «كمعاون بناء ودهان»، إلا أنه يرى أنها شكّلت تفكيره وحياته فيما بعد؛ حيث تنبه لخطرين من وجهة نظره على الشعب الألماني هما الماركسية واليهودية.
في فيينا، تأثر أدولف هتلر كثيرا بالفكر المعادي لليهود نتيجة وجودهم بكثرة في تلك المدينة وتنامي الحقد والكراهية لهم. وقد دون في مذكّراته مقدار مقته وامتعاضه من الوجود اليهودي واليهود بشكل عام ويقال إن اليهود كانوا يضربونه ويشتمونه لأنه قصير القامة.
وآمن هتلر تماما بأنه بدفاعه عن نفسه ضد اليهودي إنما يناضل في سبيل الدفاع عن عمل الخالق في الدفاع عن الجنس البشري كله.
في العام 1903، انتقل هتلر إلى مدينة ميونخ وكان يتوق للاستقرار في ألمانيا عوضا عن الاقامة في الامبراطورية المجرية النمسوية لعدم وجود أعراق متعددة كما هي الحال في الامبراطورية النمسوية.
وباندلاع الحرب العالمية الأولى، تطوع هتلر في صفوف الجيش البافاري وعمل «ساعي بريد عسكري» بينما كان الجميع يتهرب من هذه المهنة ويفضّل الجنود البقاء في خنادقهم بدلا من التعرض لنيران العدو عند نقل المراسلات العسكرية. وبالرغم من أداء أدولف المتميز والشجاع في العسكرية، إلا أنه لم يرتق المراتب العليا في الجيش. وخلال الحرب، كوّن هتلر إحساسا وطنيا عارما تجاه ألمانيا رغم أوراقه الثبوتية النمسوية وصعق أيما صعقة عندما استسلم الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى لاعتقاده باستحالة هزيمة هذا الجيش وألقى باللائمة على الساسة المدنيين في تكبد الهزيمة.
الحزب النازي
وباعتباره واحدا من المحاربين القدامى الذين تقلدوا الأوسمة تقديرا لجهودهم في الحرب العالمية الأولى، انضم هتلر إلى الحزب النازي في العام 1920 وأصبح زعيما له في العام 1921. وبعد سجنه إثر محاولة انقلاب فاشلة قام بها في العام 1923، استطاع هتلر أن يحصل على تأييد الجماهير بتشجيعه لأفكار تأييد االقومية ومعاداة السامية ومعاداة الشيوعية والكاريزما أو الجاذبية التي يتمتع بها في إلقاء الخطب وفي الدعاية. وفي العام 1933، تم تعيينه مستشارا للبلاد حيث عمل على إرساء دعائم نظام تحكمه نزعة شمولية وديكتاتورية فاشية.
وانتهج هتلر سياسة خارجية لها هدف معلن وهو الاستيلاء على ما أسماه بالمجال الحيوي ويُقصد به السيطرة على مناطق معينة لتأمين الوجود لألمانيا النازية وضمان رخائها الاقتصادي وتوجيه موارد الدولة نحو تحقيق هذا الهدف.
عمل هتلر على كسب الود الشعبي الألماني من خلال وسائل الإعلام... التي كانت تحت السيطرة المباشرة للحزب النازي الحاكم خصوصا الدكتور جوزيف غوبلز. فقد روّجت أجهزة جوزيف غوبلز الإعلامية لهتلر على انه المنقذ لألمانيا من الكساد الاقتصادي والحركات الشيوعية إضافة إلى الخطر اليهودي.
وحين لم تنفع معه الوسائل «السلمية» في الإقناع بأهلية هتلر في قيادة هذه الأمة، فقد كان البوليس السري الـ «غستابو» ومعسكرات الإبادة والتهجبر القسري كفيلا بإقناعه. وبتنامي الأصوات المعارضة لأفكار هتلر السياسية، عمد هتلر إلى التصفيات السياسية للأصوات التي تخالفه الرأي وأناط بهذه المهمة للملازم «هملر». وبموت رئيس الدولة «هيندينبيرغ» في 2 أغسطس 1934، دمج هتلر مهامّه السياسية كمستشار لألمانيا ورئيس الدولة وتمت المصادقة عليه من برلمان جمهورية فايمار.
وندم اليهود أيما ندم لعدم مغادرتهم ألمانيا قبل العام 1935 عندما صدر قانون يحرم أي يهودي ألماني حق المواطنة الألمانية عوضا عن فصلهم من أعمالهم الحكومية ومحالّهم التجارية. وتحتّم على كل يهودي ارتداء نجمة صفراء على ملابسه وغادر 180.000 يهودي ألمانيا جرّاء هذه الإجراءات.
وشهدت فترة حكم الحزب النازي لألمانيا انتعاشا اقتصاديا منقطع النظير، وانتعشت الصناعة الألمانية انتعاشا لم يترك مواطنا ألمانيا بلا عمل. وتم تحديث السكك الحديد والشوارع وعشرات الجسور ما جعل شعبية الزعيم النازي ترتفع إلى السماء.
وفي مارس العام 1935، تنصّل هتلر من «معاهدة فيرساي»... التي حسمت الحرب العالمية الأولى وعمل على إحياء العمل بالتجنيد الإلزامي وكان يرمي إلى تشييد جيش قوي مسنود بطيران وبحرية يُعتد بها وفي الوقت نفسه، إيجاد فرص عمل للشبيبة الألمانية.
وعاود هتلر خرق اتفاقية فيرساي مرة أخرى عندما احتل المنطقة المنزوعة السلاح «أرض الراين» ولم يتحرك الإنكليز أو الفرنسيون تجاه انتهاكات هتلر. ولعل الحرب الأهلية الإسبانية كانت المحك للآلة العسكرية الألمانية الحديثة عندما خرق هتلر اتفاقية فيرساي مرارا وتكرارا وقام بإرسال قوات ألمانية لإسبانيا لمناصرة «فرانسيسكو فرانكو» الثائر على الحكومة الإسبانية.
وفي 25 أكتوبرالعام 1936، تحالف هتلر مع الزعيم الإيطالي الفاشي موسوليني واتسع التحالف ليشمل اليابان، وهنغاريا، ورومانيا، وبلغاريا بما يعرف بحلفاء المحور. وفي 5 نوفمبر 1937، عقد هتلر اجتماعا سريا في مستشارية الرايخ وأفصح عن خطّته السرية في توسيع رقعة الأمة الألمانية الجغرافية. وقام هتلر بالضغط على النمسا للاتحاد معه وسار في شوارع فيينا بعد الاتحاد كالطاووس مزهوا بالنصر. وعقب فيينا، عمل هتلر على تصعيد الأمور بصدد مقاطعة «ساديتلاند» التشيكية والتي كان أهلها ينطقون بالألمانية ورضخ الانكليز والفرنسيون لمطالبه لتجنب افتعال حرب.
وبتخاذل الإنكليز والفرنسيين، استطاع هتلر أن يصل إلى العاصمة التشيكية براغ في 10 مارس 1939. وقرر الإنكليز والفرنسيون تسجيل موقف بعدم التنازل عن الأراضي التي مُنحت لبولندا بموجب معاهدة فيرساي ولكن القوى الغربية فشلت في التحالف مع الاتحاد السوفياتي واختطف هتلر الخلاف الغربي - السوفياتي وأبرم معاهدة «عدم اعتداء» بين ألمانيا والاتحاد السوفياتي مع ستالين في 23 أغسطس 1939 وفي 1 سبتمبر 1939 غزا هتلر بولندا ولم يجد الإنكليز والفرنسيون بدّا من إعلان الحرب على ألمانيا.
الانتصارات الخاطفة
في السنوات الأربع اللاحقة للغزو البولندي وتقاسم بولندا مع الاتحاد السوفياتي، كانت الآلة العسكرية الألمانية لاتقهر. ففي أبريل 1940، غزت ألمانيا الدنمارك والنرويج وفي مايو من العام نفسه، هاجم الألمان كلا من هولندا، وبلجيكا، ولوكسمبورغ وفرنسا وانهارت الأخيرة في غضون 6 أسابيع.
وفي أبريل 1941، غزا الألمان يوغسلافيا واليونان وفي الوقت نفسه، كانت القوات الألمانية في طريقها إلى شمال أفريقيا ـ وتحديدا مصر ـ وفي تحوّل مفاجئ، اتجهت القوات الألمانية صوب الغرب وغزت روسيا في نقض صريح لاتفاقية عدم الاعتداء واحتلت ثلث الأراضي الروسية من القارة الأوروبية وبدأت تشكّل تهديدا قويا للعاصمة الروسية موسكو. وبتدنّي درجات الحرارة في فصل الشتاء، توقفت القوات الألمانية عن القيام بعمليات عسكرية في الأراضي الروسية ومعاودة العمليات العسكرية في فصل الصيف في موقعة «ستالينغراد» التي كانت أول هزيمة يتكبدها الألمان في الحرب العالمية الثانية.
وعلى صعيد شمال أفريقيا، هزم الانكليز القوات الألمانية في معركة العلمين وحالت قوات هتلر بين السيطرة على قناة السويس والشرق الأوسط ككل.
نهاية كابوس
الانتصارات الخاطفة التي حصدها هتلر في بداية الحرب العالمية الثانية وبالتحديد، الفترة الممتدة من 1939 إلى 1942، جعلت منه رجل الاستراتيجية الأوحد في ألمانيا وأصابته بداء الغرور وامتناعه عن الإنصات إلى آراء الآخرين أو حتى تقبّل الأخبار السّيئة وإن كانت صحيحة. فخسارة ألمانيا في معركة ستالينغراد والعلمين وتردّي الأوضاع الاقتصادية الألمانية وإعلانه الحرب على الولايات المتحدة في 11 ديسمبر 1941 وضعت النقاط على الحروف ولم تترك مجالا للشك من بداية النهاية لألمانيا هتلر. فمجابهة أعظم امبراطورية «الامبراطورية البريطانية» وأكبر أمّة «الاتحاد السوفياتي» وأضخم آلة صناعية واقتصادية «الولايات المتحدة» لاشك تأتي من قرار فردي لايعبأ بلغة العقل والخرائط السياسية.
في العام 1943، تمت الاطاحة بحليف هتلر الأوروبي «موسوليني» واشتدت شراسة الروس في تحرير أراضيهم المغتصبة وراهن هتلر على بقاء أوروبا الغربية في قبضته ولم يعبأ بالتقدم الروسي الشرقي وفي 6 يونيو 1944، تمكن الحلفاء من الوصول إلى الشواطئ الشمالية الفرنسية وبحلول ديسمبر، تمكن الحلفاء من الوصول إلى نهر الراين وإخلاء الأراضي الروسية من آخر جندي ألماني، عسكريا.
سقط الرايخ الثالث نتيجة الانتصارات الغربية ولكن عناد هتلر أطال من أمد الحرب لرغبته في خوضها لآخر جندي ألماني. وفي نزاعه الأخير، رفض هتلر لغة العقل وإصرار معاونيه على الفرار إلى بافاريا أو النمسا وأصر على الموت في العاصمة برلين وفي 19 مارس 1945، أمر هتلر أن تدمّر المصانع والمنشآت العسكرية وخطوط المواصلات والاتصالات وتعيين هينريك هيملر مستشار لألمانيا في وصيته.
كما قام بإغراق أنفاق مدينة برلين حيث كان يختبئ المدنيون وذلك لاعتبارهم خونة لعدم وقوفهم في وجه العدو الروسي على أبواب برلين. وبقدوم القوات الروسية على أبواب برلين، أقدم هتلر على الانتحار وانتحرت معه عشيقته - إيفا براون - في 30 أبريل 1945 وأسدل الستار على كابوس الحرب العالمية الثانية.
«كل قصير مكير ... احذروا كل من اقترب من الأرض ... كل قصير خطير، القصير يا حكمة يا نقمة»... كثيرة هي تلك الأمثال التي تتحدث عن قصار القامة في مجتمعاتنا العربية، بعضها سخرت منهم وأغلبها حذرت من دهائهم ومكرهم وقدرتهم على المراوغة والمناورة.
لكن التاريخ يؤكد أن «كل قصير عظيم»... أو بالأحرى أن أغلب العظماء كانوا من قصار القامة، سواء من الزعماء أو القادة العسكريين أو الأدباء والمفكرين ومشاهير الفن والرياضة.
ومن أبرز الشخصيات المشهورة بقصر القامة... الفرعون المصري توت عنخ آمون، والقائد المغولي هولاكو، وإمبراطور فرنسا نابليون الأول ولويس السابع عشر، والسلطان العثماني سليم الأول، والملكة فيكتوريا، ونلسون وستالين وهتلر وموسوليني وفرانكو وغاندي ونلسون مانديلا وخروتشوف وأيزنهاور وغاغارين «أول من صعد إلى الفضاء» وغيرهم.
أما نجوم الفن والرياضة فأبرزهم بيكاسو ودافنشي وأسطورة الكوميديا تشارلي شابلن والمطرب المصري الراحل عبدالحليم حافظ وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والسندريللا سعاد حسني وغيرهم، ومن لاعبي كرة القدم: الأسطورة ماردونا واللاعب الأرجنتيني الساحر ميسي وغيرهما.
وهناك من الأدباء فولتير ويحيى حقي وإبراهيم المازني وإبراهيم ناجي وأمير الشعراء أحمد شوقي والأديب أحمد حسن الزيات.
الكاتب الصحافي المصري أنيس منصور قال : كان لأستاذنا العقاد نكتة خشنة يقولها أحيانا... يقول: الناس عندما يرونني أنا والمازني يقولون : هؤلاء العشرة، أي رقم 10 ـ أي العقاد هو الواحد والمازني هو الصفر لقصر قامته... وكان العقاد يضحك لذلك كثيرا.
وأضاف: لم نقرأ أو نسمع أن قصار القامة كانوا يعانون من هذا العيب في الطفولة أو في سنوات المجد... فقط الرئيس الفرنسي ساركوزي هو الذي قال: أنا قصير مثل نابليون... وكانت أم الرئيس ساركوزي هي التي تقول: إن ابني يخلع حذاء عالي الكعب من أجل حذاء آخر أعلى كعبا!... لعلها تقصد كعب الجميلات حوله!
غير أن علماء النفس يقولون إن: هتلر وموسوليني وفرانكو وستالين وغيرهم من قصار القامة عمدوا إلى تحصيل قوة الشخصية وجمع النفوذ السياسي في سلطتهم بعد أن عز عليهم أن يغيروا ما وهبتهم الطبيعة إياه من أجسام وقامات.
وعبر سطور «الراي»... نروي حكايات عدد من هؤلاء ومسيرة صعودهم، وكيف أصبحوا عظماء وإن اختلف البعض حولهم... فتابعونا حلقة بعد أخرى.
ولد الزعيم النازي أدولف هتلر في 20 أبريل العام 1889... في مدينة «براوناو» النمسوية وهي مدينة صغيرة على الحدود الفاصلة بين ألمانيا والنمسا.
كان والده يعمل موظفا جمركيا ولا يهتم بشيء سوى وظيفته وحتى بعد أن تقاعد كرّس وقته لزراعة أرض يمتلكها.
وعن طفولته قال هتلر في مذكراته «كفاحي» : يبدو وكأن القدر تعمد اختيار براوناو موقعا لأولد فيه... فتلك المدينة الصغيرة تقع على الحدود بين دولتين سعينا نحن الجيل الجديد لتوحيدهما بكل ما لدينا من قوة، فلابد من عودة ألمانيا النمسوية للوطن الأم وليس بسبب أي دوافع اقتصادية،. بل وحتى ان الاتحاد ألحق أضرارا اقتصادية، فلابد منه. دماؤنا تطلب وطنا واحدا، ولن تستطيع الأمة الألمانية امتلاك الحق الأخلاقي لتحقيق سياسة استعمارية حتى تجمع أطفالها في وطن واحد. وفقط حين تشمل حدودنا آخر ألمانيا، ولا نستطيع تأمين رزقه، سنمتلك الحق الأخلاقي في احتلال أراض أخرى بسبب معاناة شعبنا. سيصير السيف أداة الحرث ، ومن دموع الحرب سينبت الخبز للأجيال القادمة. وهكذا يبدو لي أن هذه القرية الصغيرة كانت رمزا للمسؤولية الغالية التي أنيطت بي.
ولكن هنالك صورة بائسة أخرى تذكرنا تلك المدينة بها. فقبل مئة عام، كانت مسرحا لكارثة مأسوية ستخلد في صفحات التاريخ الألماني. فحين انحطت الأوضاع إلى أسوأ حال ممكنة تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، استشهد جوهانا، بائع الكتب، في سبيل الوطن الذي أحبه. وقد رفض التخلي عن شركائه وشجب الذين كانوا أفضل منه في قدراتهم. وقد أبلغ أحد ضباط الشرطة الألمان عنه الفرنسيين ، وبقي العار ملحقا باسمه حتى الساعة.
مصير محتوم
في هذه المدينة الصغيرة، المضيئة ببريق الشهادة في سبيل الوطن، والتي حكمتها النمسا وإن كان دم شعبها ألمانيا ، عاش والدي في أواخر الثمانينات من القرن قبل الماضي «التاسع عشر» وبينما كان والدي موظفا حكوميا ، رعت أمي أفراد الأسرة. ولم يبق حاليا في ذاكرتي سوى القليل عن هذا المكان لأننا سرعان ما رحلنا منه لبلدة باسو في ألمانيا.
وخلال تلك الأيام كان التنقل مصيرا محتوما على الموظف. وهكذا انتقل والدي مرة ثالثة إلى لينز، وهناك أخيرا تمت إحالته على التقاعد. ولكن ذلك لم يعن له الراحة أبدا . فمنذ طفولته كان لا يطيق البقاء في المنزل بلا عمل، وهرب في سن الثالثة عشرة إلى فيينا وتعلم حرفة وحصل على التجربة والنجاح قبل سن السابعة عشرة، ولكنه ما قنع بكل هذا.
بل إن معاناة الأعوام الأولى دفعته للسعي وراء مستقبل أفضل . وهكذا بحث عن وظيفة حكومية، وبعد عشرين عاما من الصراع الدؤوب ، عثر عليها. وهكذا حقق قسمه القديم ، وهو ألا يعود لقريته الصغيرة إلا بعد أن يكون قد كون نفسه.
حقق الرجل حلمه ، ولكن لا أحد في القرية تذكر الطفل الذي هاجر، بل وبدت له قريته غريبة تماما ، وكأنه يراها للمرة الأولى. وأخيرا ، وفي سن السادسة والخمسين، بعد تقاعده، ما استطاع احتمال الفراغ، فاقتنى مزرعة وعمل في زراعتها كما فعل أجداده من قبل.
يجتر هتلر ذكرياته قائلا: خلال تلك الفترة تكونت داخلي بوادر الشخصية الأولية. اللعب في الحقول، المشي إلى المدرسة، خصوصا الاختلاط مع أصدقائي العنيفين الذي أقلقت علاقاتي معهم والدتي، كل هذا جعلني من النوع النشط الذي لا يرتاح للبقاء في المنزل. وبالرغم من عدم تفكيري في الحرفة المستقبلية، ما كانت عواطفي أبدا تتجه نحو المصير الذي اتخذه والدي لنفسه. أؤمن بأني حتى آنذاك تمتعت بقدرات بلاغية مميزة ظهرت في شكل حوارات عنيفة مع زملاء الدراسة. بل وبت زعيما لمجموعة.
ونجحت في المدرسة بالفعل ، ولكني كنت شديد المراس. اشتركت في النشاطات الكنائسية ، وأسكرتني عظمة هذه المؤسسة العريقة. وبدا لي القس مثالا لما ينبغي أن أكونه، كما بدا لوالدي من قبل. ولكن الأخير فشل في التعامل مع قدرات ابنه البلاغية وما استطاع تصور مستقبل ممكن له، بل وأقلقه هذا الوضع كثيرا .
هذا الحلم الكنائسي - يواصل هتلر - تخلى عني سريعا ، بعد أن عثرت على بعض الكتب العسكرية التي وصفت المعارك بين فرنسا وألمانيا العام ـ 1870 - 1871ـ عشقت هذه النصوص ، وصارت الصرعات البطولية النشاط الفكري والخيالي الأساسي لكياني. ومنذ ذلك الوقت صرت أعشق كل ما له علاقة بالجنود.
رفض هتلر منذ البداية كما يؤكد في مذكراته - أن يكون مجرد نسخة من والده وأن يكون موظفا مثله، وبرر ذلك بأن طموحه أعلى من أن يوقفه عند الوظيفة.
طموحات وأهداف
واهتم هتلر منذ طفولته بالقراءة خصوصا... التاريخ والمجلات المصورة، وجعله هذا يطلع على تاريخ الجيش الألماني وحروبه مع فرنسا العام 1870.
كما جعله يتساءل عن سبب امتناع ألمان النمسا عن المشاركة في تلك الحرب خصوصا مع الانتصارات التي حققها الجيش الألماني، الأمر الذي جعله يضع أمام عينيه أن اتحاد ألمانيا والنمسا مرة أخرى، لابد وأن يكون على رأس الأهداف التي لابد أن يعمل من أجلها كل ألماني.
توفي والد هتلر وهو في الثالثة عشرة من عمره ثم لحقت به والدته بعد عامين وهكذا وجد هتلر نفسه وحيدا وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره، ووجد نفسه مضطرا للعمل إلى جوار دراسته في كلية الفنون الجميلة - قسم هندسة.
اليهود يسخرون منه
عاش هتلر ما يقرب من 5 سنوات من حياته في مدينة «فيينا» ورغم أنه يعتبرها أشقى أيام حياته حيث اضطر إلى العمل في وظائف متواضعة «كمعاون بناء ودهان»، إلا أنه يرى أنها شكّلت تفكيره وحياته فيما بعد؛ حيث تنبه لخطرين من وجهة نظره على الشعب الألماني هما الماركسية واليهودية.
في فيينا، تأثر أدولف هتلر كثيرا بالفكر المعادي لليهود نتيجة وجودهم بكثرة في تلك المدينة وتنامي الحقد والكراهية لهم. وقد دون في مذكّراته مقدار مقته وامتعاضه من الوجود اليهودي واليهود بشكل عام ويقال إن اليهود كانوا يضربونه ويشتمونه لأنه قصير القامة.
وآمن هتلر تماما بأنه بدفاعه عن نفسه ضد اليهودي إنما يناضل في سبيل الدفاع عن عمل الخالق في الدفاع عن الجنس البشري كله.
في العام 1903، انتقل هتلر إلى مدينة ميونخ وكان يتوق للاستقرار في ألمانيا عوضا عن الاقامة في الامبراطورية المجرية النمسوية لعدم وجود أعراق متعددة كما هي الحال في الامبراطورية النمسوية.
وباندلاع الحرب العالمية الأولى، تطوع هتلر في صفوف الجيش البافاري وعمل «ساعي بريد عسكري» بينما كان الجميع يتهرب من هذه المهنة ويفضّل الجنود البقاء في خنادقهم بدلا من التعرض لنيران العدو عند نقل المراسلات العسكرية. وبالرغم من أداء أدولف المتميز والشجاع في العسكرية، إلا أنه لم يرتق المراتب العليا في الجيش. وخلال الحرب، كوّن هتلر إحساسا وطنيا عارما تجاه ألمانيا رغم أوراقه الثبوتية النمسوية وصعق أيما صعقة عندما استسلم الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى لاعتقاده باستحالة هزيمة هذا الجيش وألقى باللائمة على الساسة المدنيين في تكبد الهزيمة.
الحزب النازي
وباعتباره واحدا من المحاربين القدامى الذين تقلدوا الأوسمة تقديرا لجهودهم في الحرب العالمية الأولى، انضم هتلر إلى الحزب النازي في العام 1920 وأصبح زعيما له في العام 1921. وبعد سجنه إثر محاولة انقلاب فاشلة قام بها في العام 1923، استطاع هتلر أن يحصل على تأييد الجماهير بتشجيعه لأفكار تأييد االقومية ومعاداة السامية ومعاداة الشيوعية والكاريزما أو الجاذبية التي يتمتع بها في إلقاء الخطب وفي الدعاية. وفي العام 1933، تم تعيينه مستشارا للبلاد حيث عمل على إرساء دعائم نظام تحكمه نزعة شمولية وديكتاتورية فاشية.
وانتهج هتلر سياسة خارجية لها هدف معلن وهو الاستيلاء على ما أسماه بالمجال الحيوي ويُقصد به السيطرة على مناطق معينة لتأمين الوجود لألمانيا النازية وضمان رخائها الاقتصادي وتوجيه موارد الدولة نحو تحقيق هذا الهدف.
عمل هتلر على كسب الود الشعبي الألماني من خلال وسائل الإعلام... التي كانت تحت السيطرة المباشرة للحزب النازي الحاكم خصوصا الدكتور جوزيف غوبلز. فقد روّجت أجهزة جوزيف غوبلز الإعلامية لهتلر على انه المنقذ لألمانيا من الكساد الاقتصادي والحركات الشيوعية إضافة إلى الخطر اليهودي.
وحين لم تنفع معه الوسائل «السلمية» في الإقناع بأهلية هتلر في قيادة هذه الأمة، فقد كان البوليس السري الـ «غستابو» ومعسكرات الإبادة والتهجبر القسري كفيلا بإقناعه. وبتنامي الأصوات المعارضة لأفكار هتلر السياسية، عمد هتلر إلى التصفيات السياسية للأصوات التي تخالفه الرأي وأناط بهذه المهمة للملازم «هملر». وبموت رئيس الدولة «هيندينبيرغ» في 2 أغسطس 1934، دمج هتلر مهامّه السياسية كمستشار لألمانيا ورئيس الدولة وتمت المصادقة عليه من برلمان جمهورية فايمار.
وندم اليهود أيما ندم لعدم مغادرتهم ألمانيا قبل العام 1935 عندما صدر قانون يحرم أي يهودي ألماني حق المواطنة الألمانية عوضا عن فصلهم من أعمالهم الحكومية ومحالّهم التجارية. وتحتّم على كل يهودي ارتداء نجمة صفراء على ملابسه وغادر 180.000 يهودي ألمانيا جرّاء هذه الإجراءات.
وشهدت فترة حكم الحزب النازي لألمانيا انتعاشا اقتصاديا منقطع النظير، وانتعشت الصناعة الألمانية انتعاشا لم يترك مواطنا ألمانيا بلا عمل. وتم تحديث السكك الحديد والشوارع وعشرات الجسور ما جعل شعبية الزعيم النازي ترتفع إلى السماء.
وفي مارس العام 1935، تنصّل هتلر من «معاهدة فيرساي»... التي حسمت الحرب العالمية الأولى وعمل على إحياء العمل بالتجنيد الإلزامي وكان يرمي إلى تشييد جيش قوي مسنود بطيران وبحرية يُعتد بها وفي الوقت نفسه، إيجاد فرص عمل للشبيبة الألمانية.
وعاود هتلر خرق اتفاقية فيرساي مرة أخرى عندما احتل المنطقة المنزوعة السلاح «أرض الراين» ولم يتحرك الإنكليز أو الفرنسيون تجاه انتهاكات هتلر. ولعل الحرب الأهلية الإسبانية كانت المحك للآلة العسكرية الألمانية الحديثة عندما خرق هتلر اتفاقية فيرساي مرارا وتكرارا وقام بإرسال قوات ألمانية لإسبانيا لمناصرة «فرانسيسكو فرانكو» الثائر على الحكومة الإسبانية.
وفي 25 أكتوبرالعام 1936، تحالف هتلر مع الزعيم الإيطالي الفاشي موسوليني واتسع التحالف ليشمل اليابان، وهنغاريا، ورومانيا، وبلغاريا بما يعرف بحلفاء المحور. وفي 5 نوفمبر 1937، عقد هتلر اجتماعا سريا في مستشارية الرايخ وأفصح عن خطّته السرية في توسيع رقعة الأمة الألمانية الجغرافية. وقام هتلر بالضغط على النمسا للاتحاد معه وسار في شوارع فيينا بعد الاتحاد كالطاووس مزهوا بالنصر. وعقب فيينا، عمل هتلر على تصعيد الأمور بصدد مقاطعة «ساديتلاند» التشيكية والتي كان أهلها ينطقون بالألمانية ورضخ الانكليز والفرنسيون لمطالبه لتجنب افتعال حرب.
وبتخاذل الإنكليز والفرنسيين، استطاع هتلر أن يصل إلى العاصمة التشيكية براغ في 10 مارس 1939. وقرر الإنكليز والفرنسيون تسجيل موقف بعدم التنازل عن الأراضي التي مُنحت لبولندا بموجب معاهدة فيرساي ولكن القوى الغربية فشلت في التحالف مع الاتحاد السوفياتي واختطف هتلر الخلاف الغربي - السوفياتي وأبرم معاهدة «عدم اعتداء» بين ألمانيا والاتحاد السوفياتي مع ستالين في 23 أغسطس 1939 وفي 1 سبتمبر 1939 غزا هتلر بولندا ولم يجد الإنكليز والفرنسيون بدّا من إعلان الحرب على ألمانيا.
الانتصارات الخاطفة
في السنوات الأربع اللاحقة للغزو البولندي وتقاسم بولندا مع الاتحاد السوفياتي، كانت الآلة العسكرية الألمانية لاتقهر. ففي أبريل 1940، غزت ألمانيا الدنمارك والنرويج وفي مايو من العام نفسه، هاجم الألمان كلا من هولندا، وبلجيكا، ولوكسمبورغ وفرنسا وانهارت الأخيرة في غضون 6 أسابيع.
وفي أبريل 1941، غزا الألمان يوغسلافيا واليونان وفي الوقت نفسه، كانت القوات الألمانية في طريقها إلى شمال أفريقيا ـ وتحديدا مصر ـ وفي تحوّل مفاجئ، اتجهت القوات الألمانية صوب الغرب وغزت روسيا في نقض صريح لاتفاقية عدم الاعتداء واحتلت ثلث الأراضي الروسية من القارة الأوروبية وبدأت تشكّل تهديدا قويا للعاصمة الروسية موسكو. وبتدنّي درجات الحرارة في فصل الشتاء، توقفت القوات الألمانية عن القيام بعمليات عسكرية في الأراضي الروسية ومعاودة العمليات العسكرية في فصل الصيف في موقعة «ستالينغراد» التي كانت أول هزيمة يتكبدها الألمان في الحرب العالمية الثانية.
وعلى صعيد شمال أفريقيا، هزم الانكليز القوات الألمانية في معركة العلمين وحالت قوات هتلر بين السيطرة على قناة السويس والشرق الأوسط ككل.
نهاية كابوس
الانتصارات الخاطفة التي حصدها هتلر في بداية الحرب العالمية الثانية وبالتحديد، الفترة الممتدة من 1939 إلى 1942، جعلت منه رجل الاستراتيجية الأوحد في ألمانيا وأصابته بداء الغرور وامتناعه عن الإنصات إلى آراء الآخرين أو حتى تقبّل الأخبار السّيئة وإن كانت صحيحة. فخسارة ألمانيا في معركة ستالينغراد والعلمين وتردّي الأوضاع الاقتصادية الألمانية وإعلانه الحرب على الولايات المتحدة في 11 ديسمبر 1941 وضعت النقاط على الحروف ولم تترك مجالا للشك من بداية النهاية لألمانيا هتلر. فمجابهة أعظم امبراطورية «الامبراطورية البريطانية» وأكبر أمّة «الاتحاد السوفياتي» وأضخم آلة صناعية واقتصادية «الولايات المتحدة» لاشك تأتي من قرار فردي لايعبأ بلغة العقل والخرائط السياسية.
في العام 1943، تمت الاطاحة بحليف هتلر الأوروبي «موسوليني» واشتدت شراسة الروس في تحرير أراضيهم المغتصبة وراهن هتلر على بقاء أوروبا الغربية في قبضته ولم يعبأ بالتقدم الروسي الشرقي وفي 6 يونيو 1944، تمكن الحلفاء من الوصول إلى الشواطئ الشمالية الفرنسية وبحلول ديسمبر، تمكن الحلفاء من الوصول إلى نهر الراين وإخلاء الأراضي الروسية من آخر جندي ألماني، عسكريا.
سقط الرايخ الثالث نتيجة الانتصارات الغربية ولكن عناد هتلر أطال من أمد الحرب لرغبته في خوضها لآخر جندي ألماني. وفي نزاعه الأخير، رفض هتلر لغة العقل وإصرار معاونيه على الفرار إلى بافاريا أو النمسا وأصر على الموت في العاصمة برلين وفي 19 مارس 1945، أمر هتلر أن تدمّر المصانع والمنشآت العسكرية وخطوط المواصلات والاتصالات وتعيين هينريك هيملر مستشار لألمانيا في وصيته.
كما قام بإغراق أنفاق مدينة برلين حيث كان يختبئ المدنيون وذلك لاعتبارهم خونة لعدم وقوفهم في وجه العدو الروسي على أبواب برلين. وبقدوم القوات الروسية على أبواب برلين، أقدم هتلر على الانتحار وانتحرت معه عشيقته - إيفا براون - في 30 أبريل 1945 وأسدل الستار على كابوس الحرب العالمية الثانية.