عجيب أمر الكلمة وتأثيرها على النفوس، فهي ملك لنا قبل نطقها فإذا نطقنا بها صرنا أسرى لها.
بكلمة أو عبارة متسقة المعنى ومناسبة للحدث تستطيع أن تفك أسيراً، أو تفرج كربة لمكروب، أو تصلح بين متخاصمين. وبالكلمة الغلط! والتي لا تناسب المقام قد تزهق روحك دون أن تشعر! فكم من كلمة قالت لصاحبها دعيني. بكلمة قد نشعل حرباً وفتنة، وبالكلمة أيضا نطفأها، وبها يمكن أن نجمع شتات القلوب.
والكتابة أسلوب للتعبير عن الكلمة، واستخدام أساليب البلاغة والبيان يزخرف الحقيقة ويلونها فتخرج الألفاظ من سياقها الذي وضعت له أصلاً فتظهر دلالاتها بشكل آخر تماماً، فيقع الوهم وسوء الظن نتيجة المبالغة والتضخيم.
وما ذكره الزميل جاسم بودي في افتتاحيته الجمعة الماضية جاء في الهدف، فالشيخ ناصر المحمد لا يحتاج إلى كلمات الإطراء والمديح أكثر من تسديد رأيه ونقده صدقاً وعدلاً، وهذا حقه علينا وواجبنا تجاهه، لا ينقص ذلك من قدره كما لا يزيد ذلك من شأننا، لأنها الكلمة التي يجب أن نؤمن بدورها في تغيير الواقع... «وفي البدء كانت كلمة».
اعتقد أننا في حاجة إلى ترسيخ مبادئ العمل الصحافي النزيه من خلال أدبياتنا الصحافية بمختلف أنواعها، قيم احترام الكلمة وأمانتها، ومبادئ الحوار والنقد الحضاري، فنهتم بما قيل وليس بمن قال، ونفرق بين الفعل والفاعل، ونتفاعل ولا ننفعل مع أحداث وطننا الصغير، ونتعامل مع الزمن فنحمل السابق من الأقوال والأفعال على اللاحق منها، والحسنات يذهبن السيئات، كما نحمل مجمل الكلام على مفصله وعامه على خاصه.
الملاحظ وللأسف الشديد أن هناك من يأخذ تصريحا، أو بيانا، أو خبرا من أحد المسؤولين، أو النواب، أو الأفراد والتيارات، أو غيرها، فيقوم أولاً بلي عنق النص وفقاً لفهمه وهواه! وليس كما سمعه من صاحبه الذي صرح به، ثم ينزع هذا البيان من سياقه الطبيعي ومناخه الذي عاش تحت ظله، وهو بعد ذلك «شاطر في التأويل والتفسير» و«التحليل»، وأخيراً يطلق رصاصته وكلمته وحكمه، ويروح البيت ينام!
لماذا لا نعترف بأن «الشق عود»، وأن«الرقع اتسع على الراقع»، ولازم ذلك أن نخلص النصح لمن تولوا أمرنا، والنجدة قبل الطوفان. ثم لماذا ننظر يميناً بشدة إلى أنها «خليت فخربت»، أو ننظر شمالاً بشدة إلى أن «الشيوخ أبخص». أليس أولى من ذلك كله أن نقول «أدوا الذي عليكم وسلوا الله الذي لكم»... فهل أدينا الذي علينا قبل أن نسأل الله الذي لنا، وهل ضبطنا حظوظ النفس ودسائسها، ومتى نتخلص من شخصنة خلافاتنا مع الحكومة والمجلس والتيارات والتجار؟
د. مبارك الذروة
أكاديمي وكاتب كويتي
[email protected]