منازل العرفان / التضرّع عند المحب

أبو القاسم الديباجي





|أبو القاسم الديباجي|
حينما يمتلك الإنسان شيئا قيماً وثمينا يرجع إلى الأخصائي ليشرح له كيفية الحفاظ على هذا الشيء من التلف أو الضياع أو السرقة، والسالكون إلى الله تعالى بمن فيهم المخلصون والمتقون في خطر عظيم، فعليهم أن يرجعوا إلى المعلم والمرشد ليبين لهم كيف يحافظون على ما وصلوا إليه من المقامات.
يقول العرفاء وعلماء علم الأخلاق لاسيما مشايخنا رضوان الله عليهم أجمعين أن وسيلة استمرار حالة العبودية والحفاظ عليها هي التضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فماذا يعني التضرع عند العارف المحب؟
التضرع هو إظهار الذل والافتقار والاستكانة والخضوع، فقد يدعو الإنسان ربه في بادئ الأمر مناجاة وخفية فلا يُسمع منه صوت ولا أنين، ولكن حينما تشتد عليه المصائب والمكاره يكون دعاؤه واستغفاره مناداة ومصحوباً بالبكاء والأنين علناً وجهرة، والحالة الثانية هذه تسمى بالتضرع، والحق سبحانه تبارك وتعالى يقول: «ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» على أن ذلك في إطار العبودية غير خارج عنها ولا منافياً لأدبها، ولهذا خُتمت الآية المباركة «إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».
يقول السيد العلامة الطباطبائي في تفسير الآية الكريمة «أم أن يدعوه بالتضرع والتذلل وأن يكون ذلك خفية من غير المجاهرة البعيدة عن أدب العبودية الخارجة عن زيها - بناء على أن تكون الواو في قوله: «تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» للجمع - أو أن يدعوه بالتضرع والابتهال الملازم عادة للجهر بوجه أو بالخفية إخفاتا فإن ذلك هو لازم العبودية وما عدا ذلك فقد اعتدى عن طور العبودية، وإن الله لا يحب المعتدين، ومن الممكن أن يكون المراد بالتضرع والخفية الجهر والسر إنما وضع التضرع موضع الجهر لكون الجهر في الدعاء منافيا لأدب العبودية إلا أن يصاحب التضرع».
و يجدر بالذكر هنا أن هذه الآية المباركة آية التوحيد والعبودية التي قال الله سبحانه وتعالى فيها «إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» فتأمل.
ومع معرفة معنى التضرع نغوص في أعماق بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة لنصل إلى معرفة روح التضرع وحقيقة التضرع.
ورد في المأثور عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إن الله خلق الخلق في الظلمة ثم رش عليهم من نوره»، فكل مخلوق يوصف بالظلمة من الجهة التي تلي العدم ثم يتنور بالوجود (والمكني عنه برش النور) فيظهر، أي أن كل ممكن بنور الله تعالى اتصف بالوجود بعدما كان منعوتا بالعدم، ولكن الذنوب والمعاصي جعلته يعيش في شائبة الكدورات ودياجير الظلمات المتراكمة بعضها فوق بعض بعدما أنار الله تعالى خلقه بنوره، هنا يسألنا الله سبحانه وتعالى احتجاجا ويقول: «قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» وانتم تعلمون أن لا رب سواه وبالفطرة التي فطر الناس عليها تدعونه كما أشار إلى ذلك بقوله سبحانه وتعالى: «تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» ولكن برحمته الواسعة ولطفه الدائم على عباده يبين طريق النجاة والخلاص من هذه الظلمات في الآية التي تليها مباشرة «قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ» فانظر إلى هذه المراتب ترى أنه لا سبيل للخلاص والنجاة من الظلمات إلا بالتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
وطرق التضرع إلى الله سبحانه وتعالى كثيرة منها الدعاء والمناجاة المليئة بمعاني الفقر إلى الله تعالى وسبل التذلل له وحده، وللأمكنة آثار في الخضوع والخشوع لله، كالمساجد وللأزمنة والأوقات كذلك آثار كشهر رجب وشعبان ورمضان.
و للتضرع مراتب ومقامات كثيرة ولكن نكتفي ببيان اثنين منها وهما التضرع الرفعي والتضرع الدفعي.
التضرع الرفعي:
يحصل هذا النوع من التضرع بعدما يتصف القلب ببعض الخصال الذميمة كالغل والبغضاء والحسد والكبر وغيرها من رذائل الأخلاق ومفاسدها، هنالك يتضرع العبد إلى ربه ليرفعها عن قلبه ويطهره منها.
التضرع الدفعي:
وطوبى لمن وصل إلى هذا المقام لأن هذا المقام يفترض أن يخلي السالك قلبه أولاً من كل رذيلة وذنب ومعصية ومن ثم يتضرع إلى الله ويطلب منه ألا يجعل للرذائل ومساوئ الأخلاق سبيلاً إلى قلبه ثانية بعد تطهيره منها، ومن هذا المنطلق يقول داعياً إلى الله «وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً».
وفي مقام التضرع الدفعي وفي معرض تفسير هذه الآية المباركة لفتة لطيفة، فلو تمعنا في ذيل هذه الآية الكريمة التي تختتم بـ «رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» لعرفنا أن المسألة ليست طلب العفو والرحمة والرأفة من رب العالمين، فالسالك إلى الله في هذا المقام يكون قد طهر قلبه مسبقاً من كل رذيلة وذميمة، ولكن المسألة - مع الحفاظ على أدب العبودية في محضر قدسية رب العالمين - هي أن يجعله الله سبحانه وتعالى مظهرا من مظاهر رحمته ورأفته وهذا ما لا يناله السالكون والعارفون غلا بعد التضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
أيها السالك إلى الله أنت في مقام الدفع تتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وتقول إلهي، كما أن الرحمة والرأفة من المظاهر الفعلية لأسمائك الحسنى ووصفت بهما نفسك وقلت «رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» ومننت على رسولك (صلى الله عليه وسلم) وجعلته مظهراً للرحمة والرأفة ووصفته بهما في كتابك الكريم وقلت «لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» إلهي وأنا من أمة نبيك محمد (صلى الله عليه وسلم) فاجعلني مظهراً للرحمة والرأفة كي لا يدخل في قلبي شيء من الغل والحسد والبغضاء واعف عمن ظلمني.
و أما آفة التضرع فهي الظلمات، ودليل ذلك ما جاء في القرآن الكريم «قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» فكل ما يدخل في المقام النوراني نوعا من الخلل والحجاب فهو ظلمات، وعلى العكس فالتضرع يكسب السالك نوراً ينجيه من الظلمات.
يحكى أنه كانت لأبي طلحة الأنصاري حديقة يجلس فيها ويتضرع ويبتهل إلى الله خفية، ونظراً لجمال الحديقة ومناظرها الخلابة كانت الطيور والعصافير تنجذب إليها تحوم فيها وتغرد بأصوات مرتفعة طربا وسرورا فكانت تسبب الإزعاج والضيق لأبي طلحة ويراها عائقا وآفة في طريق تضرعه إلى الله سبحانه وتعالى، فعزم على بيع الحديقة والتصدق بمالها للفقراء لكي لا يبقى بينه وبين ربه شيء يعيقه عن التضرع والابتهال والوصول إلى نور الله وجماله.
و أنت أيها السالك إلى الله لابد أن ترفع كل حاجب ومانع بينك وبين الله، وإذا رأيت آفة من آفات الإخلاص والتضرع والخشوع في طريق سيرك إلى الله تعالى فعليك أن تتخلص منها بشتى الوسائل والطرق حتى تخرج قلبك من الظلمات وتعلقه بسلاسل النور إلى أن تنتهي إلى نور الأنوار جل جلاله وعظم شأنه.
إلهي حرمني كل مسؤول رفده ومنعني كل مأمول ما عنده وردتني الضرورة إليك حين خابت آمالي وانقطعت أسبابي وأيقنت أن سعيي لا يفلح واجتهادي لا ينجح إلا بمعونتك فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغنني بكرمك عن لؤم المسؤولين وبإسعافك عن خيبة المرجوين ولا تجعلني ممن يبطره الرخاء ويصرعه البلاء فلا يدعوك إلا عند حلول نازلة ولا يذكرك إلا عند وقوع جائحة فيصرع لك خده وترفع بالمسألة إليك يده ولا تجعلني ممن عبادته لك خطرات تعرض دون دوامها الفترات فتعمل بشيء من الطاعة في يومه ويمل العمل في غده برحمتك يا أرحم الراحمين.
حينما يمتلك الإنسان شيئا قيماً وثمينا يرجع إلى الأخصائي ليشرح له كيفية الحفاظ على هذا الشيء من التلف أو الضياع أو السرقة، والسالكون إلى الله تعالى بمن فيهم المخلصون والمتقون في خطر عظيم، فعليهم أن يرجعوا إلى المعلم والمرشد ليبين لهم كيف يحافظون على ما وصلوا إليه من المقامات.
يقول العرفاء وعلماء علم الأخلاق لاسيما مشايخنا رضوان الله عليهم أجمعين أن وسيلة استمرار حالة العبودية والحفاظ عليها هي التضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فماذا يعني التضرع عند العارف المحب؟
التضرع هو إظهار الذل والافتقار والاستكانة والخضوع، فقد يدعو الإنسان ربه في بادئ الأمر مناجاة وخفية فلا يُسمع منه صوت ولا أنين، ولكن حينما تشتد عليه المصائب والمكاره يكون دعاؤه واستغفاره مناداة ومصحوباً بالبكاء والأنين علناً وجهرة، والحالة الثانية هذه تسمى بالتضرع، والحق سبحانه تبارك وتعالى يقول: «ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» على أن ذلك في إطار العبودية غير خارج عنها ولا منافياً لأدبها، ولهذا خُتمت الآية المباركة «إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».
يقول السيد العلامة الطباطبائي في تفسير الآية الكريمة «أم أن يدعوه بالتضرع والتذلل وأن يكون ذلك خفية من غير المجاهرة البعيدة عن أدب العبودية الخارجة عن زيها - بناء على أن تكون الواو في قوله: «تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» للجمع - أو أن يدعوه بالتضرع والابتهال الملازم عادة للجهر بوجه أو بالخفية إخفاتا فإن ذلك هو لازم العبودية وما عدا ذلك فقد اعتدى عن طور العبودية، وإن الله لا يحب المعتدين، ومن الممكن أن يكون المراد بالتضرع والخفية الجهر والسر إنما وضع التضرع موضع الجهر لكون الجهر في الدعاء منافيا لأدب العبودية إلا أن يصاحب التضرع».
و يجدر بالذكر هنا أن هذه الآية المباركة آية التوحيد والعبودية التي قال الله سبحانه وتعالى فيها «إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» فتأمل.
ومع معرفة معنى التضرع نغوص في أعماق بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة لنصل إلى معرفة روح التضرع وحقيقة التضرع.
ورد في المأثور عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إن الله خلق الخلق في الظلمة ثم رش عليهم من نوره»، فكل مخلوق يوصف بالظلمة من الجهة التي تلي العدم ثم يتنور بالوجود (والمكني عنه برش النور) فيظهر، أي أن كل ممكن بنور الله تعالى اتصف بالوجود بعدما كان منعوتا بالعدم، ولكن الذنوب والمعاصي جعلته يعيش في شائبة الكدورات ودياجير الظلمات المتراكمة بعضها فوق بعض بعدما أنار الله تعالى خلقه بنوره، هنا يسألنا الله سبحانه وتعالى احتجاجا ويقول: «قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» وانتم تعلمون أن لا رب سواه وبالفطرة التي فطر الناس عليها تدعونه كما أشار إلى ذلك بقوله سبحانه وتعالى: «تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» ولكن برحمته الواسعة ولطفه الدائم على عباده يبين طريق النجاة والخلاص من هذه الظلمات في الآية التي تليها مباشرة «قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ» فانظر إلى هذه المراتب ترى أنه لا سبيل للخلاص والنجاة من الظلمات إلا بالتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
وطرق التضرع إلى الله سبحانه وتعالى كثيرة منها الدعاء والمناجاة المليئة بمعاني الفقر إلى الله تعالى وسبل التذلل له وحده، وللأمكنة آثار في الخضوع والخشوع لله، كالمساجد وللأزمنة والأوقات كذلك آثار كشهر رجب وشعبان ورمضان.
و للتضرع مراتب ومقامات كثيرة ولكن نكتفي ببيان اثنين منها وهما التضرع الرفعي والتضرع الدفعي.
التضرع الرفعي:
يحصل هذا النوع من التضرع بعدما يتصف القلب ببعض الخصال الذميمة كالغل والبغضاء والحسد والكبر وغيرها من رذائل الأخلاق ومفاسدها، هنالك يتضرع العبد إلى ربه ليرفعها عن قلبه ويطهره منها.
التضرع الدفعي:
وطوبى لمن وصل إلى هذا المقام لأن هذا المقام يفترض أن يخلي السالك قلبه أولاً من كل رذيلة وذنب ومعصية ومن ثم يتضرع إلى الله ويطلب منه ألا يجعل للرذائل ومساوئ الأخلاق سبيلاً إلى قلبه ثانية بعد تطهيره منها، ومن هذا المنطلق يقول داعياً إلى الله «وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً».
وفي مقام التضرع الدفعي وفي معرض تفسير هذه الآية المباركة لفتة لطيفة، فلو تمعنا في ذيل هذه الآية الكريمة التي تختتم بـ «رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» لعرفنا أن المسألة ليست طلب العفو والرحمة والرأفة من رب العالمين، فالسالك إلى الله في هذا المقام يكون قد طهر قلبه مسبقاً من كل رذيلة وذميمة، ولكن المسألة - مع الحفاظ على أدب العبودية في محضر قدسية رب العالمين - هي أن يجعله الله سبحانه وتعالى مظهرا من مظاهر رحمته ورأفته وهذا ما لا يناله السالكون والعارفون غلا بعد التضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
أيها السالك إلى الله أنت في مقام الدفع تتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وتقول إلهي، كما أن الرحمة والرأفة من المظاهر الفعلية لأسمائك الحسنى ووصفت بهما نفسك وقلت «رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» ومننت على رسولك (صلى الله عليه وسلم) وجعلته مظهراً للرحمة والرأفة ووصفته بهما في كتابك الكريم وقلت «لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» إلهي وأنا من أمة نبيك محمد (صلى الله عليه وسلم) فاجعلني مظهراً للرحمة والرأفة كي لا يدخل في قلبي شيء من الغل والحسد والبغضاء واعف عمن ظلمني.
و أما آفة التضرع فهي الظلمات، ودليل ذلك ما جاء في القرآن الكريم «قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» فكل ما يدخل في المقام النوراني نوعا من الخلل والحجاب فهو ظلمات، وعلى العكس فالتضرع يكسب السالك نوراً ينجيه من الظلمات.
يحكى أنه كانت لأبي طلحة الأنصاري حديقة يجلس فيها ويتضرع ويبتهل إلى الله خفية، ونظراً لجمال الحديقة ومناظرها الخلابة كانت الطيور والعصافير تنجذب إليها تحوم فيها وتغرد بأصوات مرتفعة طربا وسرورا فكانت تسبب الإزعاج والضيق لأبي طلحة ويراها عائقا وآفة في طريق تضرعه إلى الله سبحانه وتعالى، فعزم على بيع الحديقة والتصدق بمالها للفقراء لكي لا يبقى بينه وبين ربه شيء يعيقه عن التضرع والابتهال والوصول إلى نور الله وجماله.
و أنت أيها السالك إلى الله لابد أن ترفع كل حاجب ومانع بينك وبين الله، وإذا رأيت آفة من آفات الإخلاص والتضرع والخشوع في طريق سيرك إلى الله تعالى فعليك أن تتخلص منها بشتى الوسائل والطرق حتى تخرج قلبك من الظلمات وتعلقه بسلاسل النور إلى أن تنتهي إلى نور الأنوار جل جلاله وعظم شأنه.
إلهي حرمني كل مسؤول رفده ومنعني كل مأمول ما عنده وردتني الضرورة إليك حين خابت آمالي وانقطعت أسبابي وأيقنت أن سعيي لا يفلح واجتهادي لا ينجح إلا بمعونتك فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغنني بكرمك عن لؤم المسؤولين وبإسعافك عن خيبة المرجوين ولا تجعلني ممن يبطره الرخاء ويصرعه البلاء فلا يدعوك إلا عند حلول نازلة ولا يذكرك إلا عند وقوع جائحة فيصرع لك خده وترفع بالمسألة إليك يده ولا تجعلني ممن عبادته لك خطرات تعرض دون دوامها الفترات فتعمل بشيء من الطاعة في يومه ويمل العمل في غده برحمتك يا أرحم الراحمين.