رؤى / حرب مياه الصرف الصحي ونداء استغاثة

تصغير
تكبير
| نورة الجندل |
في كل مساء أقوم بتصفح الجرائد الإلكترونية أولاً بأول لأتابع آخر أخبار بلدي الحبيب، وعندما قرأت خبر كارثة محطة مشرف لتنقية مياه الصرف الصحي ارتعدت خوفاً من عدو خطر يتربص بنا وببيئتنا وبأجيالنا القادمة، وحيث انني طالبة دكتوراه في المرحلة الأخيرة في تخصص علم سموم البيئة فأنا أعرف هذا العدو حق المعرفة، فقد تغربت من أجل التبحر في خبايا هذا العلم والذي طالما بث «فيني» حب الاطلاع في هذا المجال البيئي ورغبة مني في البحث العلمي في هذا التخصص من أجل خدمة بلدي الحبيب الكويت، فتقاسمت عناء الغربة مع زوجي وأطفالي في سبيل هذا العلم وبتشجيع ودعم منهم وها أنا أشارك ولو بجزء بسيط مما تعلمته في هذا المجال.
هذا العدو الذي بدأ يزحف بجيشه الجرار وبعدته الفتاكة ببيئتنا البحرية الكويتية متجهاً بكل ما يملك من قوة لتدمير بيئتنا الجميلة، ذلك الجيش المكتمل العدة والمسلح بمجموعة من الأسلحة الفيروسية والبكتيرية والطفيلية والكيميائية بخطة بيولوجية وايكولوجية محكمة لتدمير بيئتنا البحرية، فمن المسؤول عن ذلك؟ وكما ذكرت سابقاً فقد قمت بكتابة هذا المقال من منطلق الإحساس بالمسؤولية العلمية في مجال تخصصي العلمي حيث انني أبحث في احدى المواد الكيميائية التي تصل إلى البيئة البحرية عن طريق مياه الصرف الصحي على الرغم من معالجة هذه المياه قبل التخلص منها في البيئة البحرية، الا ان هناك تراكيز تصل للبيئة البحرية وذلك لصعوبة معالجتها بشكل كامل أو نتيجة التخلص من جزء منها لعدم القدرة على معالجتها كلياً.
إنني أتساءل هل قامت الجهات المختصة بمتابعة سلامة الكائنات الحية وأخذ عينات عشوائية وعمل مسح للمنطقة بشكل دوري قبل حدوث الكارثة وهل توجد قاعدة بيانات تستطيع ان تستند عليها حتى تقرر سلامة هذه الأسماك ومقارنتها بعينات من المنطقة الملوثة بعد حدوث الكارثة، إنني ارى انه من الضروري التحرك وعمل اختبارات سريعة لتتبع تطورات الوضع لكي يتسنى لهذه الجهات المختصة ايجاد الحلول السريعة حتى لا يتفاقم الوضع.
لقد اثبتت دراسات متعددة الآثار السلبية المختلفة التي نتجت عن تعرض الأسماك لمثل هذه الملوثات وكيف انها تهدد هذه الثروة السمكية، ان ما سوف يحدث بعد التخلص من هذه المياه من دون معالجة كارثة بيئية ايكولوجية حتمية وذلك لاحتواء مياه الصرف الصحي على ملوثات من مختلف الأنواع سواء كانت صلبة أو سائلة من مواد عضوية قابلة للتحلل أو غيرقابلة للتحلل وكائنات حية مسببة للأمراض هذا بالإضافة إلى الكم الهائل من المغذيات كالفسفور والنيتروجين والتي تنذر بحدوث ظاهرة مد أحمر جديدة ونفوق للأسماك، كل هذا قد دمر في السابق وسوف يدمر ما تبقى من بيئتنا البحرية الغنية بالثروات البحرية والسمكية والتي أصبحت مصدراً لنقل السموم إلى الإنسان بعد تناولها مسببة السرطانات والأمراض الوبائية كالتيفوئيد والكوليرا والنزلات المعوية والتهاب الكبد الوبائي (أ)، كما ان بيئتنا البحرية تعتبر المصدر الوحيد للمياه للاستهلاك الآدمي، فهل سننتظر سقوط أعداد كبيرة من المرضى بسبب تناول مياه الشرب الملوثة؟
أما يكفي ما حدث لهذه البيئة من تدهور بيئي على مر السنين ألا يكفي هذه البيئة من ملوثات، سواء كانت من انشطة الإنسان المتعددة أو من تجفيف الأهوار في العراق إبان فترة حرب تحرير الكويت أو لم يكفها التلوث النفطي والسفن العسكرية الغارقة بها والتي اكتشفت حديثاً ونوهت عنها جماعة الخط الأخضر بكل ما تستطيع من وسائل الإعلام، إنني أتوجه من خلال مقالي هذا بتقديم خالص الشكر لجهودهم الجبارة في المجال البيئي.
إن هذه البيئة أصبحت مثقلة ومتعبة وقد أصابها خلل في توازنها البيئي بالرغم من قدرتها الجبارة على تحمل كل هذه الملوثات وبمساندة كل يد امتدت لمساعدته مثل الشيخة أمثال الأحمد الصباح وفقها الله ورعاها لما فيه الخير لمصلحة هذا البلد. ولكن إلى متى وإلى أي حد؟ هذا العدو الجديد سوف يصيب بيئتنا بسرطان من نوع خبيث وهذه ليست مبالغة ولكنها حقيقة علمية مؤكدة حيث ان مياه الصرف الصحي تستطيع ان تستنزف الأكسجين في هذه المياه كأحد أهم الآثار السلبية فان حصل فقد فقدنا هذه الثروة هذا ناهيك عن الروائح الكريهة التي سوف تعدم احد أهم المرافق السياحية في البلاد، فهل سنفقد كل هذا؟ هل سنفقد ثروتنا السمكية وبيئتنا الساحلية الجميلة؟ والله كأنني أسمع صوت هذه البيئة يئن من الألم ويستغيث بنا من عدو قادم ليدمرها تماماً وللأسف بأيدي من قدمت له الخير فهل سنساهم بأيدينا بقتل من مدنا بالخيرات وأكرمنا طوال السنين الماضية؟ ماذا حل بنا هل بدأنا نجحد ذاك الكرم والعطاء البيئي؟ هل اكتفينا؟ إنني لا أملك الا ان اكتب هذه السطور القليلة كنداء استغاثة نيابة عن بيئتنا الجميلة فأنا بعيدة عن وطني في الوقت الحالي ولكنني على أتم الاستعداد بأن اتطوع للمشاركة في حل هذه المشكلة بكل ما استطيع، وأتمنى من الله عز وجل ان تدق هذه السطور القليلة ناقوس الخطر لعدو قادم وحرب بيئية لا محالة فهل سيقوم المسؤولون بالتحرك السريع لإنقاذ ما يمكن انقاذه؟ إن بيئتنا تستغيث فهل من مجيب؟
حفظ الله الكويت وأهلها من كل مكروه.
> طالبة دكتوراه في تخصص علم سموم البيئة
المملكة المتحدة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي