كان في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ وما حصل له كان سيحصل لغيره.. لأن الأزمة كانت حتمية

مات «ليمان براذرز»... عاشت «وول ستريت»

تصغير
تكبير
|إعداد حسين إبراهيم|
ماذا لو تم انقاذ «ليمان براذرز»؟ ماذا لو كانت الحكومة الاميركية والصناعة المصرفية قد وجدت طريقة تقي «ليمان» من اشهار الافلاس؟ وكيف كان ذلك سيغير مسار الازمة المالية؟
الجميع يتذكر ما حدث في صبيحة ذلك الاثنين في 15 سبتمبر 2008، عندما انطلقت نيران جهنم مرة واحدة رغم الجهود التي استمرت حتى الدقيقة الاخيرة لمنع الكارثة.
اسواق المال «وول ستريت» انهارت دفعة واحدة وخسرت 500 نقطة في ذلك اليوم. وبعد يوم واحد فقط من انهيار «ليمان»، اوشكت «ايه آي جي» على الانهيار، وتعين ضخ 85 مليار دولار من الاموال الحكومية لانقاذها. وسرت شائعات عن ان «مورغان ستانلي» هو التالي. والبنوك في كل اوروبا كانت تترنح وكانت هناك مخاوف حتى على استقرار «غولدمان ساكس» القوي جدا. في «وول ستريت» وفي كل اسواق العالم، الذعر كان واضحا.
منذ ذلك الحين الجميع نظر الى قرار وزير الخزانة انذاك هنري بولسون ورئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي بن برنانكي بترك «ليمان براذرز» ينهار على انه كان خطأ جسيما.
وزيرة المالية الفرنسية كريستسن لاغارد وصفت القرار بانه «مرعب» وانه «غلطة حقيقية». ونقل عن رئيس البنك المركزي الاوروبي جان كلود تريشيه قوله «لم يخطر لي ابدا ان الاميركيين سيتركون ليمان ينهار».
وفي الخطابات والمقالات والكتب والاطلالات التلفزيونية، اشار المعلقون من كل الاتجاهات السياسية الى ان انهيار «ليمان» كان الحدث الذي حول ازمة الرهون العقارية الى انهيار مالي عالمي شامل.
لكن جون ميكين من معهد اميركان انتربرايز كتب اخيرا انه «لو لم يكن انهيار ليمان هو الذي اثار تلك الموجة من الذعر. كان سيثيرها انهيار مؤسسة مالية اخرى». اكثر من ذلك البعض يقول ان الازمة
المالية كانت ستكون اسوأ لو ان «ليمان» انقذ، وان «ليمان» كان يجب ان ينهار لتعيش باقي «وول ستريت».
في الاسبوع الماضي ذهب مراسل لوكالة «رويترز» الى منزل الرئيس التنفيذي السابق لبنك «ليمان» ريتشارد فالد ليرى ان كان سيقول شيئا في الذكرى السنوية لانهيار البنك. وعندما خرج فالد للقاء المراسل قال له «انك لا تحمل مسدسا. هذا جيد». واوضح «كانوا يبحثون عن احد يلقون بالامور عليه. وهذا الاحد كان انا».
وتعكس ملاحظات فالد ما يشعر به مسؤولو «ليمان» السابقون، حول حقيقة ان مؤسستهم كانت الوحيدة التي تركت تنهار في الازمة. اذ يقولون ان اخطاء «ليمان» بالافراط في الاستدانة والاعتماد الزائد على الاصول العقارية الرديئة والتقليل من شأن المخاطر على الميزانيات العمومية، هي نفسها الاخطاء التي ارتكبتها كل المؤسسات الاخرى. «بير ستيرنز» ارتكب تلك الاخطاء وانقذ قبل ذلك، و«سيتي جروب» ارتكبت تلك الاخطاء وانقذت بعد ذلك.
اكثر من ذلك، عرض «ليمان» قبل الانهيار التحول الى شركة قابضة. كما طلب نافذة خصم من الفيديرالي، وهي مخصصة للبنوك التي تواجه مشاكل. وما لم يفعله «ليمان» رغم النداءات المتكررة من هنري بولسون، هو العثور على شريك بجيوب عميقة.
لكن تيموثي غايثنر وزير المالية الحالي الذي كان رئيسا لمنطقة نيويورك في مجلس الاحتياط الفيديرالي، لم يستسغ فكرة تحويل مصرف استثماري الى شركة مصرفية قابضة. ولذلك رفض. ولكن بعد انهيار «ليمان»، هذا كان بالضبط ما فعله غايثنر مع «مورغان ستانلي» و «غولدمان ساكس»، ما ساهم في استقرار المؤسستين.
بالطبع السياسة لعبت دورا. فالكونغرس لم يستطع هضم عملية انقاذ اخرى بعد شراء عملاقي الرهن العقاري «فاني ماي» و «فريدي ماك» في الاسبوع السابق للانهيار. فبعد هذا الشراء، قال بولسون في مقابلة مع «وول ستريت جورنال»: «اصبحوا يسمونني السيد انقاذ. لن افعلها مجددا».
لكل هذه الاسباب وغيرها يشعر مسؤولو «ليمان» السابقون ان العملية التي ادت الى انهيار المؤسسة كانت غير عادلة الى حد كبير بل «مأسوية»، وهو وصف يصبح صحيحا اكثر عند النظر الى ما حدث للموظفين. «ليمان براذرز» كان ببساطة في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ. ولكن بالنسبة للنظام المالي، كان هذا الانهيار يعتبر «حظا سعيدا».
ففي الاشهر الفاصلة بين «بير ستيرنز» و«ليمان» تقدم بولسون وبرنانكي من الكونغرس للحصول على صلاحيات اضافية لمساعدتهم في التعامل مع ازمة اكبر، اذا حصلت. ولكن من دون جدوى. الا انهما بعد انهيار «ليمان» تمكنا من اقناع الكونغرس بحزمة انقاذ بـ 700 مليار دولار استخدمت لتعويم النظام المالي لاحقا.
لهذا السبب كان انهيار «ليمان» امرا طيبا. فلو كان بيع لـ «بنك اوف اميركا» كما كانت الخطة الاصلية، فان مؤسسة اخرى، اكبر بلا شك، كانت ستنهار وكانت ستشكل خطرا اكبر على الاقتصاد العالمي. ان ازمة من نوع ما كانت حتمية.

(عن «نيويورك تايمز»)




الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي