العمل ومكانته في الإسلام

قدس الإسلام العمل الشريف أياً كان شأنه


ليس من شك في أن المجتمع الاسلامي، في حاجة ماسة الى الصالحين من أبنائه في شتى الأعمال، ليصلح المجتمع بصلاحهم، وأنه يرفض كل الرفض انعزال الصالحين بدينهم عن دنيا الناس، يتكففون باسم الفراغ للعبادة، فلا دين لمن لا دنيا له، والاسلام منهج شامل متوازن، ينظر الى الدنيا والآخرة ولا يقتصر على واحدة منهما.
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه، حتى يأخذ من هذه وتلك فإنما الدنيا بلاغ للآخرة، ولا تكونوا كلا على الناس». ولا رهبانية في الاسلام.
وقد دعا الرسول صلوات الله وسلامه عليه، الى العمل بطريقة غير مباشرة، حين سد على القادرين الحصفاء، سبيل السؤال بقوله: «لا تجوز الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي».
وجملة التوجيهات القرآنية والنبوية، تدعو الى العمل، وتحث عليه سبيلاً الى عمارة الكون وصلاح أمر المجتمع، مع اعتبار الآخرة معياراً على حسن العمل، والتزام المؤمنين بسبيل الله، تحت هذا الشعار القرآني:
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).
العمل شرف ما دام مشروعاً:
وقد أوجب الاسلام على المسلمين، أن يكون عملهم أو أنشطتهم مشروعة، تجيزها روح الاسلام، ولا اعتبار لهوان العمل أو أهميته ما كان نافعاً مشروعاً. وان العمل سمة المجتمع الاسلامي كله، الذي يستجيب لقائده القدوة في كل أمره، محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويعمل العاملون فيه من المهاجرين والأنصار، دون أن يستنكفوا من عمل، ولا يأنف أحدهم أن يكسب قوته بعرق الجبين، وإليك صوراً من ذلك:
روى البخاري عن علي رضي الله عنه أنه قال: «أصبت شارفا (الناقة المسنة) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مغنم بدر، وأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شارفاً أخرى فأنختهما يوما عند باب رجل من الأنصار، وأنا أريد أن أحمل إذخرا (نباتاً) لأبيعه فأستعين به على وليمة فاطمة».
وروى أحمد عن علي رضي الله عنه قال: جمعت مرة جوعاً شديداً فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا (جمع مدرة: الطين النيئ) فظننتها تريد بلة، فقاطعتها كل ذنوب على تمرة!
فمددتها ستة عشر ذنوباً حتى مجلت يداي، ثم أتيتها فعدّت لي ست عشرة تمرة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فأكل معي».
وروى الترمذي عن علي كرم الله وجهه أنه كان يقول: خرجت في يوم شات من بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذت إهابا معطوبا، فأدخلت عنقي وشددت وسطي فحزمته بخوص النخل، وإني لشديد الجوع. ولو كان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء لطعمت منه فخرجت ألتمس شيئاً، فمررت بيهودي في مال له، وهو يسقي ببكرة له (خشبة مستديرة في وسطها محز يوضع فيه الحبل، تدور على محور لينزع به الدلو) فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط. فقال: مالك يا أعرابي؟ هل لك في كل دلو بتمرة؟ قلت: نعم فافتح الباب حتى أدخل. فدخلت فأعطاني دلوه، فكلما نزعت دلوا أعطاني تمرة، حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوي وقلت حسبي فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت، ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله فيه».
إن المجتمع الاسلامي يقدس العمل الشريف، ولا يبالي أن يقوم المرء المسلم بأي الأعمال شاء، ليكسب منه رزقه الحلال، وليس في الاسلام قيد على العمل مادام مشروعاً، وقد نعى القرآن الكريم على الذين يتخذون تفاوتهم في درجات الغنى، واختلافهم في مستويات العمل، سبباً الى السخرية والتعالي على عباد الله، في أمر هو من شأن الله تعالى وحده، الذي تكفل بالرزق لكل أحد، بعد أن كلفه بالأخذ في الاسباب، فإن رحمة الله خير مما يجمع الناس.
يقول سبحانه: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون).
فقسمة الأرزاق من أمر الله الرزاق ذي القوة المتين، والتفاوت بين الناس لازم لانتظام الحياة وتكاملها، وتكافل المجتمع، ليعود الغني على الفقير والقوي على الضعيف، والعالم على الجاهل وليتراحموا ويتكافلوا ويتعاونوا فكانت العاقبة أن سخر بعضهم من بعض، وعلا بعضهم على بعض (ورحمت ربك خير مما يجمعون) فليس المال هدف هذه الحياة، وإنما هو يؤدي وظيفة اجتماعية ومسؤولية خطيرة، والناس سواء، والتفاضل بينهم أساسه تقوى الله والعمل الصالح.
العمل نظام الكون كله:
روى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرنا بالصدقة، انطلق أحدنا الى السوق، فيحامل فيصيب المد، وإن لبعضهم اليوم لمئة ألف.
ومن هذا التوجيه النبوي الكريم، بإحراز فضل الصدقة كان المسلمون يسارعون الى الخيرات، ولا يستنكف أحدهم أن يعمل للناس حمالاً بالأجرة ليحصل على قدر من الطعام فيتصدق به، وقد بارك الله على بعضهم، فكان من بعد واسع الثراء. وليس هذا التسابق الى العمل مهما يكن مستواه الا أثراً في توجيه الاسلام، الذي قرن الايمان بالعمل، في أكثر من مواضعه، وفهما سديداً لجوهر الدين الذي حض عليه، وجعله سببا الى خيري الدنيا والآخرة.
وروى البخاري عن أنس أنه قال: «لما قدم المهاجرون من مكة الى المدينة، قدموا وليس بأيديهم شيء، فكانت الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم نصف ثمار أموالهم، ويكفهم العمل والمئونة».
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا الى العمل والتوكل مشيراً الى ان السعي على الرزق، هو نظام الكون كله، فعلى العباد أن يقوموا بالأسباب، وعلى الله رزقهم وما يوعدون. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لو توكلتم على الله حق التوكل، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا» فالطير تغدو وتروح، والجو فيه ما فيه من الطيور الجوارح، وحبائل الصائدين، وليس الأمر سهلاً، ولكن رزقها لا يأتيها في وكناتها حتى تطير اليه سعياً في كل مكان.
النهي عن البطالة
إذا كان الاسلام قد حث على العمل وحبب اليه فإنه أبغض التبطل ومقته، وذم من يقعد عن العمل، - إلا أصحاب الظروف الخاصة - كالشيخوخة، والمرض لأنه تعطيل للقوى والمواهب عن تأدية دورها في الحياة، ولأنه سبيل الى الفقر الذي يحول بين المسلم وبين أعمال البر والخير والاحسان التي تقربه الى الله سبحانه وتعالى.
والبطالة تجعل صاحبها عالة على غيره، وعبئاً على مجتمعه، وهذا يؤدي حتماً الى ركود الحياة وجمودها، والله سبحانه وتعالى ما خلق الحياة لتكون راكدة جامدة، والمتبطل بإرادته عاص، فقد ورد في الأثر ان أشد الناس عذاباً يوم القيامة المكفى الفارغ، والمقصود بالمكفى الذي يكفيه غيره ضرورات حياته، والفارغ المتعطل الذي يخلد الى البطالة والكسل، ولقد حمل الاسلام الدولة مسؤولية توفير العمل لغير القادرين على العمل ومساعدتهم على توفير آلات عملهم، وأعطاها كذلك الحق في حرمان الصحيح القادر المتعطل بإرادته من أن يعال على غيره، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام «ولاحظّ في الصدقة لفتى ولا لقوي مكتسب»، وقال: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي».
ومن هنا فإن الإسلام يحمل غير القادرين على العمل حملا، قال عمر رضي الله عنه: «إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية».
النهي عن التسول
وكما أبغض الاسلام البطالة، فقد أبغض التسول الذي هو سؤال الناس عما في أيديهم لأن الاسلام يكره الطفيليات التي تعيش على حساب الآخرين وتعتمد في بقائها ونمائها على كدهم وعرقهم، لما يقعد عن العمل امرؤ قادر عليه ويريد ليطعم من سعي العاملين المرهقين هذه جريمة تزري بصاحبها وتسقط مروءته.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم»، وهذا كناية عن ضياع ماء الوجه وذهاب الكرامة ونضوب الحياء من الوجه الذي يتعاطى السؤال دون ضرورة موجبة. وقد أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي على متسول مات وعنده مال جمعه من هذا الطريق فعن مسعود بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أتى برجل ليصلي عليه فقال: كم ترك؟ قالوا دينارين أو ثلاثة، قال: ترك كيتين أو ثلاث كيات، فلقيت عبدالله بن القاسم مولى أبي بكر رضي الله عنه فذكرت ذلك له فقال: ذاك رجل يسأل الناس تكثرا»؟
وإذا كان الاسلام قد أبغض الاستجداء والتسول وحرمه فإنه أراد بذلك أن يكون المسلمون أعزاء عاملين منتجين أعضاء فاعلين لهم دور في تعمير الكون ولا يكونوا عالة على الآخرين، إلا إذا كانوا عاجزين عن العمل لسبب من الاسباب أو لعذر قاهر منعهم عن القيام بواجبهم في مجتمعهم ومنعهم عن التكسب بما يستطيعون به الاقتيات هم ومن يعولونه وفي هذه الحالة فإن على هؤلاء العجزة أن يرفعوا حاجاتهم الى الدولة فهي المسؤولة عن سد حاجاتهم وفي ذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لابد منه».
وعلى الدولة أن تعاقب المتسول بل وتصادر حصيلة هذه الحرفة الدنيئة ولا تترك صاحبها لأن كل مال كسبه صاحبه من سحت لا حق له فيه.
إلا إذا ارتكبت الدولة اثم التقصير عن تلبية الحاجات الأساسية له قال عليه الصلاة والسلام: «إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع».
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه، حتى يأخذ من هذه وتلك فإنما الدنيا بلاغ للآخرة، ولا تكونوا كلا على الناس». ولا رهبانية في الاسلام.
وقد دعا الرسول صلوات الله وسلامه عليه، الى العمل بطريقة غير مباشرة، حين سد على القادرين الحصفاء، سبيل السؤال بقوله: «لا تجوز الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي».
وجملة التوجيهات القرآنية والنبوية، تدعو الى العمل، وتحث عليه سبيلاً الى عمارة الكون وصلاح أمر المجتمع، مع اعتبار الآخرة معياراً على حسن العمل، والتزام المؤمنين بسبيل الله، تحت هذا الشعار القرآني:
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).
العمل شرف ما دام مشروعاً:
وقد أوجب الاسلام على المسلمين، أن يكون عملهم أو أنشطتهم مشروعة، تجيزها روح الاسلام، ولا اعتبار لهوان العمل أو أهميته ما كان نافعاً مشروعاً. وان العمل سمة المجتمع الاسلامي كله، الذي يستجيب لقائده القدوة في كل أمره، محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويعمل العاملون فيه من المهاجرين والأنصار، دون أن يستنكفوا من عمل، ولا يأنف أحدهم أن يكسب قوته بعرق الجبين، وإليك صوراً من ذلك:
روى البخاري عن علي رضي الله عنه أنه قال: «أصبت شارفا (الناقة المسنة) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مغنم بدر، وأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شارفاً أخرى فأنختهما يوما عند باب رجل من الأنصار، وأنا أريد أن أحمل إذخرا (نباتاً) لأبيعه فأستعين به على وليمة فاطمة».
وروى أحمد عن علي رضي الله عنه قال: جمعت مرة جوعاً شديداً فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا (جمع مدرة: الطين النيئ) فظننتها تريد بلة، فقاطعتها كل ذنوب على تمرة!
فمددتها ستة عشر ذنوباً حتى مجلت يداي، ثم أتيتها فعدّت لي ست عشرة تمرة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فأكل معي».
وروى الترمذي عن علي كرم الله وجهه أنه كان يقول: خرجت في يوم شات من بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذت إهابا معطوبا، فأدخلت عنقي وشددت وسطي فحزمته بخوص النخل، وإني لشديد الجوع. ولو كان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء لطعمت منه فخرجت ألتمس شيئاً، فمررت بيهودي في مال له، وهو يسقي ببكرة له (خشبة مستديرة في وسطها محز يوضع فيه الحبل، تدور على محور لينزع به الدلو) فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط. فقال: مالك يا أعرابي؟ هل لك في كل دلو بتمرة؟ قلت: نعم فافتح الباب حتى أدخل. فدخلت فأعطاني دلوه، فكلما نزعت دلوا أعطاني تمرة، حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوي وقلت حسبي فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت، ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله فيه».
إن المجتمع الاسلامي يقدس العمل الشريف، ولا يبالي أن يقوم المرء المسلم بأي الأعمال شاء، ليكسب منه رزقه الحلال، وليس في الاسلام قيد على العمل مادام مشروعاً، وقد نعى القرآن الكريم على الذين يتخذون تفاوتهم في درجات الغنى، واختلافهم في مستويات العمل، سبباً الى السخرية والتعالي على عباد الله، في أمر هو من شأن الله تعالى وحده، الذي تكفل بالرزق لكل أحد، بعد أن كلفه بالأخذ في الاسباب، فإن رحمة الله خير مما يجمع الناس.
يقول سبحانه: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون).
فقسمة الأرزاق من أمر الله الرزاق ذي القوة المتين، والتفاوت بين الناس لازم لانتظام الحياة وتكاملها، وتكافل المجتمع، ليعود الغني على الفقير والقوي على الضعيف، والعالم على الجاهل وليتراحموا ويتكافلوا ويتعاونوا فكانت العاقبة أن سخر بعضهم من بعض، وعلا بعضهم على بعض (ورحمت ربك خير مما يجمعون) فليس المال هدف هذه الحياة، وإنما هو يؤدي وظيفة اجتماعية ومسؤولية خطيرة، والناس سواء، والتفاضل بينهم أساسه تقوى الله والعمل الصالح.
العمل نظام الكون كله:
روى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرنا بالصدقة، انطلق أحدنا الى السوق، فيحامل فيصيب المد، وإن لبعضهم اليوم لمئة ألف.
ومن هذا التوجيه النبوي الكريم، بإحراز فضل الصدقة كان المسلمون يسارعون الى الخيرات، ولا يستنكف أحدهم أن يعمل للناس حمالاً بالأجرة ليحصل على قدر من الطعام فيتصدق به، وقد بارك الله على بعضهم، فكان من بعد واسع الثراء. وليس هذا التسابق الى العمل مهما يكن مستواه الا أثراً في توجيه الاسلام، الذي قرن الايمان بالعمل، في أكثر من مواضعه، وفهما سديداً لجوهر الدين الذي حض عليه، وجعله سببا الى خيري الدنيا والآخرة.
وروى البخاري عن أنس أنه قال: «لما قدم المهاجرون من مكة الى المدينة، قدموا وليس بأيديهم شيء، فكانت الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم نصف ثمار أموالهم، ويكفهم العمل والمئونة».
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا الى العمل والتوكل مشيراً الى ان السعي على الرزق، هو نظام الكون كله، فعلى العباد أن يقوموا بالأسباب، وعلى الله رزقهم وما يوعدون. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لو توكلتم على الله حق التوكل، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا» فالطير تغدو وتروح، والجو فيه ما فيه من الطيور الجوارح، وحبائل الصائدين، وليس الأمر سهلاً، ولكن رزقها لا يأتيها في وكناتها حتى تطير اليه سعياً في كل مكان.
النهي عن البطالة
إذا كان الاسلام قد حث على العمل وحبب اليه فإنه أبغض التبطل ومقته، وذم من يقعد عن العمل، - إلا أصحاب الظروف الخاصة - كالشيخوخة، والمرض لأنه تعطيل للقوى والمواهب عن تأدية دورها في الحياة، ولأنه سبيل الى الفقر الذي يحول بين المسلم وبين أعمال البر والخير والاحسان التي تقربه الى الله سبحانه وتعالى.
والبطالة تجعل صاحبها عالة على غيره، وعبئاً على مجتمعه، وهذا يؤدي حتماً الى ركود الحياة وجمودها، والله سبحانه وتعالى ما خلق الحياة لتكون راكدة جامدة، والمتبطل بإرادته عاص، فقد ورد في الأثر ان أشد الناس عذاباً يوم القيامة المكفى الفارغ، والمقصود بالمكفى الذي يكفيه غيره ضرورات حياته، والفارغ المتعطل الذي يخلد الى البطالة والكسل، ولقد حمل الاسلام الدولة مسؤولية توفير العمل لغير القادرين على العمل ومساعدتهم على توفير آلات عملهم، وأعطاها كذلك الحق في حرمان الصحيح القادر المتعطل بإرادته من أن يعال على غيره، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام «ولاحظّ في الصدقة لفتى ولا لقوي مكتسب»، وقال: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي».
ومن هنا فإن الإسلام يحمل غير القادرين على العمل حملا، قال عمر رضي الله عنه: «إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية».
النهي عن التسول
وكما أبغض الاسلام البطالة، فقد أبغض التسول الذي هو سؤال الناس عما في أيديهم لأن الاسلام يكره الطفيليات التي تعيش على حساب الآخرين وتعتمد في بقائها ونمائها على كدهم وعرقهم، لما يقعد عن العمل امرؤ قادر عليه ويريد ليطعم من سعي العاملين المرهقين هذه جريمة تزري بصاحبها وتسقط مروءته.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم»، وهذا كناية عن ضياع ماء الوجه وذهاب الكرامة ونضوب الحياء من الوجه الذي يتعاطى السؤال دون ضرورة موجبة. وقد أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي على متسول مات وعنده مال جمعه من هذا الطريق فعن مسعود بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أتى برجل ليصلي عليه فقال: كم ترك؟ قالوا دينارين أو ثلاثة، قال: ترك كيتين أو ثلاث كيات، فلقيت عبدالله بن القاسم مولى أبي بكر رضي الله عنه فذكرت ذلك له فقال: ذاك رجل يسأل الناس تكثرا»؟
وإذا كان الاسلام قد أبغض الاستجداء والتسول وحرمه فإنه أراد بذلك أن يكون المسلمون أعزاء عاملين منتجين أعضاء فاعلين لهم دور في تعمير الكون ولا يكونوا عالة على الآخرين، إلا إذا كانوا عاجزين عن العمل لسبب من الاسباب أو لعذر قاهر منعهم عن القيام بواجبهم في مجتمعهم ومنعهم عن التكسب بما يستطيعون به الاقتيات هم ومن يعولونه وفي هذه الحالة فإن على هؤلاء العجزة أن يرفعوا حاجاتهم الى الدولة فهي المسؤولة عن سد حاجاتهم وفي ذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لابد منه».
وعلى الدولة أن تعاقب المتسول بل وتصادر حصيلة هذه الحرفة الدنيئة ولا تترك صاحبها لأن كل مال كسبه صاحبه من سحت لا حق له فيه.
إلا إذا ارتكبت الدولة اثم التقصير عن تلبية الحاجات الأساسية له قال عليه الصلاة والسلام: «إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع».