أرض السحر في مصر... معتقدات وخرافات

قرية طحانوب... أرض الربط ممارسات شعبية وسحرية للوقاية منه / 3

تصغير
تكبير
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
الخرافة والسحر... والدجل والشعوذة... ليس لها وطن... أو قارة أو دولة... وإنما هي معتقدات قد تختلف من مكان الى آخر، ولكن داخل أي مجتمع تجد هذه الأشياء أماكن بذاتها قد تكون أحياء أو قرى أو حتى مدنا... تشتهر فيها، وتجد من يروج لها، ومن يقبل عليها.
وفي مصر - مثلها في ذلك مثل كل الدول - أماكن للسحر والسحرة والدجل والدجالين والشعوذة والمشعوذين وقد يشتهر مكان بشيء، قد لا تكون في غيره، حتى إن هناك «قرى أو أحياء» تعمل في غالبيتها ـ وإن كان عددها قليلا - في السحر، ويفد إليها الناس من كل صوب وحدب، قد تكون شهيرة «خارجيا»، أكثر من كونها معروفة «داخليا».
وأيضا... تختلف الطقوس ما بين مجتمع وآخر، في مصر، فالوسائل قد تكون في بحري «الشمال»، مختلفة عن الصعيد «الجنوب»، والأكيد أن للقبائل وسكان الصحراء طقوسا غير سكان الحضر.
والخرافة في مصر. عُنيت بها دراسات وأبحاث كثيرة... حاولنا التعرف عليها والاقتراب منها، حتى إنها تمكنت من تحديد «274» خرافة موجودة بالفعل في القرى والمدن والتجمعات المصرية، ولعل أشهرها خرافة «الربط» - أي تجميد العلاقة الزوجية - وأيضاً أعمال الزواج والتطليق والحب والكراهية.
والدراسات والأبحاث... عن الخرافة في مصر... لم تهتم بها دراسات مصرية وفقط، ولكن اهتمت بها دراسات غربية أيضا، ووصل الأمر أن الباحثين عاشوا وعايشوا أماكن السحر واقتربوا من السحرة، وتعرفوا على خرافات العلاج بالسحر وأدوات وأدوية السحرة... وفي السطور التالية الكثير من الحكايات عن أرض السحر في قرى وأحياء ومدن مصر.

وتمضي مسيرتنا مع حكايات الربط - تجميد العلاقة الزوجية أو توقيفها بأفعال سحرية - وفي هذا نجد أن هناك قرى مصرية شهيرة في هذا المجال. نزورها ونتعرف عليها. إحدى القرى المصرية التي تؤمن بالدجل والسحر. وخاصة في علاج الربط بين العروسين - هي قرية «طحانوب» وهي إحدى قرى مركز شبين القناطر بالقليوبية «35 كيلو مترا شمال القاهرة». وتشتهر هذه المنطقة بالكثير من المعتقدات في عملية الربط والممارسات الشعبية المرتبطة بعلاج الربط بين الزوجين.
ويعتقد سكان القرية أن عملية الربط وهي منع العلاقة الزوجية بين العروسين من الناحية الجنسية، ولكي تتم لابد من اللجوء إلى السحرة أو المتخصصين الذين يقومون بالربط أو بفكه وهي تدخل ضمن أعمال السحر بما لها من ممارسات تعتمد في المقام الأول على مثل هذه الطقوس مثل العمل والعمل السفلي.
وتقوم الممارسات السحرية على أداء بعض العمليات المعينة وفق تكنيك خاص، وتستعين هذه ببعض العناصر أو المقومات الأساسية كالأفعال أو الحركات والكلمات المنطوقة أو المكتوبة أو كلاهما والأشكال ويتخذ التأثير السحري أشكالا أو مظاهر معينة، كما أنه يستهدف تحقيق غايات معينة.
أحد أهالي القرية قال لـ «الراي»: هناك بعض الآيات القرآنية أو أقوال الرسول أو أسماء الأنبياء أو غير ذلك تدخل كعناصر في بعض العمليات السحرية، ومما لا شك فيه أن الآيات والأسماء القرآنية إنما يهدف الساحر من ورائها إلى تدعيم تأثير العمل السحري والتي تدعم مكانته في قلوب عملائه، فهذا الاستخدام هو محاولة تتم بطبيعة الحال بشكل تدريجي وغير واع في كثير من الأحيان لإضفاء طابع إسلامي على عناصر سحرية قديمة تعاقبت عليها الديانات والنظم الاجتماعية وذلك ما أكده علماء الاجتماع الدكتور محمد الجوهري والدكتورة علياء شكري.
وتعتبر قرية طحانوب. من القرى الريفية الغنية بالعادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية وخصوصا الاعتقاد في عملية الربط ووجود عدد لا بأس به من السحرة في المنطقة.
عادات وتقاليد
أما عن العادات والتقاليد بالقرية وكما يصفها أهالي القرية أنها يغلب عليها الطابع الريفي بعاداته المتأصلة والتقاليد المتوارثة منذ فترة طويلة وتتمثل في زيارة القبور. للرجال والنساء وذلك في حالة الوفاة أو في الأعياد والمناسبات الدينية المختلفة وبعض النساء يزورون المقابر كل يوم خميس من الأسبوع،
أما الاحتفالات الدينية المختلفة مثل - شهر رمضان والمولد النبوي والأعياد الدينية الأخرى - تقام بالمساجد ما بين المغرب والعشاء، وتحتفل القرية أيضا بإحياء موالد بعض أولياء الله الصالحين مثل: «سيدي علي أبوغازي وسيدي عمر والأربعيني ومنسي وفارس» وغيرهم، أما الاحتفالات الأخرى مثل السبوع والزواج والخطوبة وليلة الحنة والصباحية فلاتزال تقدم فيها النقوط، وهي مقامة حتى الآن.
وتمر الممارسات الشعبية والسحرية المرتبطة بالوقاية من الربط وعلاجه في قرية.. بالعديد من المراحل المختلفة نظرا لخطورتها وتشعبها حيث ينتشر بين أبناء القرية الاعتقاد في هذه الممارسات بين الرجال والنساء، وتبدأ هذه المراحل منذ ليلة الحنة. وهي التي تسبق ليلة الزفاف بيوم وتسمى هذه العملية بالربط.
شهادات أهالي
يقول أحد أهالي قرية طحانوب «محمد علي مزارع»: المربوط. يشعر بالنشاط والحيوية والقدرة الكاملة على مباشرة زوجته خاصة ما دام بعيدا عنها، فإذا اقترب منها وأراد هذا الأمر انكمش عضوه وصار غير قادر على إتيانها، وذلك يختلف عن العجز الجنسي فهو عدم قدرة الرجل الجنسية سواء كان قريبا أو بعيدا عن زوجته، بل لا ينتصب عضوه أبدا.
في حين يصف بعض الأهالي الربط.. بأن الرجل المريض يصعب عليه عن إتيان زوجته ولمعرفة الربط - العقد - فلابد من معرفة كيفية الانتصاب أولا.
هناك اعتقاد كبير بقرية طحانوب في السحر قبل ليلة الزفاف وقد أجمع البعض على أنه قد جربه وذلك لأنه مذكور في القرآن الكريم وأحيانا يتم اللجوء إلى أحد المشايخ لعمل تحويطة «حجاب» لكي يتقي شر الربط في هذه الليلة وهي عبارة عن حزام يلف حول وسط العريس ليمنع الربط أو أن يقوم العريس والعروس بارتداء الملابس الداخلية مقلوبة.
ويؤكد عبد الله عبد الواحد - مزارع - أن معظم الناس يهتمون بمثل هذه الأمور ويكون ذلك قبل ليلة الدخلة وأحيانا قبل كتب الكتاب «عقد القران»، وخصوصا إذا كان العريس أو العروس قد تمت خطوبته من قبل ولم يتم الزواج.
وفي الغالب أن الذي يهتم بهذه الأمور الحريم. لأنهن غالبا اللاتي يعتقدن في مثل هذه الأمور، وتتم في بعض الأحيان تلاوة آيات من القرآن عن طريق تشغيل جهاز كاسيت أو الاستعانة بالمقرئين لتلاوة هذه الآيات ليلة الدخلة صباحا.حتى تمنع عملية الربط،
وهناك بعض الناس الذين ينصحون العريس بتلاوة آيات وأذكار مثل سورة الفاتحة وأول سورة البقرة والآية 102 من سورة البقرة وآية الكرسي وآخر سورة البقرة وسورة الإخلاص والمعوذتين وبعض الأدعية قبل الدخول في العلاقة الزوجية ليلة الدخلة «الزفاف» لأن هذه الآيات تحمي من الشيطان.
أما الربط وكما يصفه أهالي قرية طحانوب. فهو ربط بعدم القدرة على المعاشرة الجنسية وهو عدم استطاعة الزوج معاشرة زوجته من الناحية الجنسية. والتفسير لهذه العملية أن الربط هو أن يكون العضو الذكري للزوج في حالة انتصاب، ولكنه عندما يحاول المعاشرة يحدث ارتخاء في العضو الذكري. ما يترتب عليه عدم القدرة على المعاشرة الجنسية.
من حيث الأنواع: هناك ربط عادي. وربط بالعمل السفلي أو بالنجاسة وهو العملية الصعبة ويطول علاجها والتي لا يستطيع علاجها إلا المعالجون المتمكنون من علاج الربط، وهناك ربط آخر وهو ربط بعدم نزول المني «السائل المنوي» وهذا النوع من الربط لا يؤثر على الزوج من ناحية المعاشرة الجنسية ويتم هذا الربط لمنع الإنجاب فقط.
أما عن كيفية الشعور بعملية الربط ليلة الزفاف.. فيقول أحد أهالي قرية طحانوب - سالم علي- أنه بعد إتمام الزفاف وعند محاولة إتمام العلاقة الزوجية «الجماع» فإن العريس يشعر بعدم القدرة على معاشرة الزوجة، ويأتي ذلك عندما يكون الزوج بحالة جيدة وعند الاقتراب من الزوجة يحدث أن العريس لا يستطيع المعاشرة ولكن عندما يبتعد عنها يجد نفسه سليما والإحساس بأنه يستطيع المعاشرة وعندما يحاول أكثر من مرة ولا يستطيع المعاشرة.. فإن أول ما يخطر في ذهنه أنه تم ربطه في هذه الليلة ويستسلم لهذا الموضوع وذلك هو الاعتقاد.
لكن أهل القرية لا يفكرون في الذهاب لطبيب للعلاج، فالأهل يتدخلون في هذه العملية لأن تلك العملية تحمل جوانب نفسية حساسة وتأثيرا سلبيا كبيرا على العلاقة بين العروسين من ناحية. وبين الأهل من ناحية أخرى، وقد تستمر فترة العلاج الطبي طويلا.
وهنا يضطر الكثير من أهالي القرية للجوء إلى المعالجين الشعبيين «الشيوخ» وهذه عملية معروفة بالقرية وليست عيبا لأن الشخص يتم ربطه بغير إرادته.
فك الربط
ويبرر أهالي القرية الأعراض. التي تصاحب عملية الربط وهي آلام شديدة بالظهر وعصبية المزاج وعدم القدرة على ممارسة العلاقة الزوجية كاملة، والإحساس بشيء غريب ومريب في المكان الذي يسكن فيه، والحالة النفسية السيئة والاكتئاب والعنف مع الزوجة. وتصل أحيانا لضربها، وكوابيس وأحلام مزعجة وامرأة ملازمة للزوج في أحلامه وتكون عارية تماما وشعرها «منكوش».
أما اللجوء إلى من يقوم بفك الربط.. فيؤكد أهالي القرية أنه بعد إتمام الزفاف وعدم قدرة الزوج على ممارسة العلاقة الزوجية ويشعر بأنه تم ربطه فيأتي يوم الصباحية وعندما يُسأل عما حدث ليلة أمس، ونظرا لأن المنطقة التي تقوم بدراسة الحالة بها من الأرياف. فيتم سؤال العريس والعروس عما حدث فيضطرون غالبا إلى الإفصاح بما حدث فيقوم الأهل - الوالدة والأخ - على الفور بالذهاب إلى الشيخ أو من يستطيع القدرة على فك الربط ويتم ذلك في هدوء.
ويصف أحد أهالي القرية الأشخاص الذين يقومون بفك الربط هو - الشيخ - وفي الغالب يقوم بهذه العملية الذين يعملون مقرئين في المآتم وهناك من يعمل مدرسا للغة العربية وهناك من هو حاصل على دبلوم زراعة، وآخر مدير مدرسة ومنهم آخر يقوم ببيع الفول المدمس ومن يرتدي الطاقية - الشبيكة - ويطلق اللحية أو من دونها، وعن الزي الذي يرتدونه فكل يلبس ما يناسبه.
ويلجأ أهالي القرية في حالات الربط. إلى نوعين رئيسيين.. فهناك حالات بسيطة وحالات صعبة،
وفي الحالات البسيطة يقوم الشخص الذي يقوم بالعلاج بطلب عدة طلبات وهي. الاستعلام أولا عن اسم والدة العريس ووالدة العروس، وفض غشاء البكارة للزوجة إذا لم يكن قد تم فضه، وعدد من البيض البلدي المسلوق من 4 إلى 10 بيضات، ولابد أن يكون كل من الزوج والزوجة طاهرين، وشعرة من شعر الزوجة، ويتم حضور الشيخ بعد صلاة المغرب مباشرة، وقد لا تجدي هذه الطريقة مع بعض الحالات فتتم الاستعانة بشخص آخر، وتكون هذه الحالة من الحالات المستعصية وقد لا يستطيع المعالج الأول علاجها.
حالات صعبة
أما الحالات الصعبة فيقول بعض المعالجين: إن هذه الحالات تتم عن طريق العمل السفلي وهو الذي يتم عمله - من دم حيض المرأة - أو بنجاسة عموما.
ويتم طلب ما يلي لعلاج هذه الحالة: الاستعلام أولا عن اسم والدة العريس ووالدة العروس، وفض غشاء البكارة للزوجة إذا لم يكن قد تم فضه، وربع متر من الرصاص - المواسير - الذي يستخدم في أعمال السباكة، وبلطتين من الحديد متوسطة الحجم، و7 شمعات من شمع الكنائس، وقطعة كبيرة من قماش القطن وقلم فلومستر أحمر عريض وماء ورد، وقلة من الفخار مملوءة بالماء وحلة صغيرة وحلة كبيرة، وزيت زيتون وكوب ماء وزوج من الأطباق الصيني. بيضاء من دون رسومات - ومنقد أو شالية - وبعض الفحم والبخور، وبعض أنواع من العطارة وهي غالبا يحضرها الشيخ معه وبعضها يطلب شراءها وكيلو عسل نحل، ورطل من الزبدة وكف مريم وعفص وماء نعناع وقرنفل خشن وفلفل أسود خشن وزيت حار وطلح وشاش.
وعن كيفية فض البكارة في القرية تؤكد إحدى السيدات أنه كان يحدث ذلك قديما عن طريق الماشطة أو الداية، ويحدث ذلك الآن عن طريق الزوج ومن المتبع أن فض بكارة العروس يتم ليلة الدخلة وعندما لا يستطيع الزوج عمل ذلك وبناء على طلب الشيخ تُفض البكارة.
أما عن المكان الذي يتم فيه العلاج من الربط فيكون في منزل الزوج غالبا وخصوصا لو كان يوم الصباحية لأن الزوج والزوجة لن يستطيعا الخروج في هذا اليوم، ويكون في أي مكان في الشقة أو المنزل أما إذا كان العلاج في منزل المعالج فإنه يكون هناك مكان محدد لإجراء مثل هذه العملية.
وعن التحويطة. وهي عبارة عن ورقة عادية مكتوب فيها حروف متفرقة أو آيات قرآنية وتلف بطريقة معينة، وتكون التحويطة الخاصة بالزوج أكبر نسبيا من الزوجة وبعد لفها تغلف بالبلاستيك - سلوتيب أو شيكارتون المستخدم في الكهرباء - لحمايتها إذا تعرضت للماء وهي حوالي 3.5سم بالنسبة للزوج وبالنسبة للزوجة تقل حوالي 1سم وهي تعمل على حماية المعالج من التعرض للربط مرة أخرى،
أما الكشاف وهو شخص يحضر مع الشيخ الذي يقوم بفك الربط وهو شاب عادي عمره حوالى 20 سنة ويرتدي قميصا وبنطلونا ويضع فوق رأسه طاقية «كاسكتة» ويدعي الشيخ أن هذا المعالج له القدرة على رؤية الجن أو العفريت أو القرين والتعرف على مكان وجوده حتى يستطيع الشيخ حرق هذا الجن وإبعاده عن هذا المكان ما يعمل على شفاء الزوج أو العريس.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي