مات في الأسر عام 1995 إثر مرض خطير لم يعالج منه كما ينبغي

بعد 23 عاماً من الغموض... كتاب جديد يكشف القصة الكاملة لاختفاء الجندي الإسرائيلي رون آراد في لبنان

تصغير
تكبير
أسرة الاستخبارات الإسرائيلية نجحت في حل لغز أحد المواضيع الأكثر غموضاً في تاريخ الدولة: مصير رون اراد. لجنة سرية تشكلت قبل أربعة أعوام برئاسة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «امان» في حينه، اللواء أهرون زئيفي فركش قضت بأن مساعد الطيار المفقود كان على قيد الحياة على الأقل حتى بداية 1995، بعد تسعة أعوام من سقوطه في الأسر. وقد توفي بمرض في لبنان، في أيادٍ إيرانية، بعد أن كان محبوساً على مدى فترة طويلة في منشأة اعتقالية سرية في طهران. وحاولت إيران و«حزب الله» العثور على قبره، ولكن في ضوء تغييرات المشهد والمحيط لم يتمكنا من النجاح في ذلك. عائلة اراد تعرفت على نتائج التقرير.
كتاب «دولة إسرائيل ستفعل كل شيء»، الذي صدر أول من أمس، يجلب أهم النقاط في تقرير اللجنة وتفاصيل الملفات الاستخبارية في الموضوع: ملف شعبة الاستخبارات والموساد وملف الاستخبارات الالمانية، التي أدارت باسم إسرائيل المفاوضات مع إيران على رون اراد في التسعينات.
وتعود بداية قضية رون اراد إلى 16 اكتوبر 1986. ففي أثناء طلعة هجومية في جنوب لبنان وقع خلل فني في سلاح إحدى طائرات الفانتوم، وانفجرت قنبلة حديدية من تحت الجناح. وتمكن رجلا الطاقم من ترك الطائرة وهبطا في الأراضي اللبنانية. الطيار يشاي ابيرام نجا، أما مساعد الطيار رون اراد فتبقى في الخلف وألقى القبض عليه رجال «حركة أمل» الشيعية.
على مدى فترة طويلة أدارت إسرائيل و«حركة أمل» مفاوضات من خلال رجل الأعمال اللبناني الذي كان يلقب بـ «السير» وكان مقرباً من زعيم الحركة نبيه بري. بري طلب تحرير بضع عشرات من السجناء الفلسطينيين مقابل إعادة رون. ولكن وزير الدفاع في حينه اسحق رابين الذي تعرض لانتقاد شديد للغاية على موافقته على صفقة جبريل، لم يكن مستعداً لأن يدفع الثمن الذي يبدو الآن هامشياً بالقياس إلى مطالب «حماس» مقابل تحرير جلعاد شاليط.
في تلك الفترة اختطف في لبنان ضابط مارينز أميركي عمل في خدمة الأمم المتحدة. خلف الاختطاف وقف عماد مغنية نفسه، وغضب السوريون على المس بضابط الأمم المتحدة وأمروا «أمل» بالبحث عنه. ضابط أمن «أمل»، مصطفى ديراني، لم يكن يرغب بالعمل ضد اخوانه من «حزب الله». فانسحب من المنظمة، وأخذ معه رون اراد. وائتمن اراد في يد عائلة شكر في قرية نبشيت. وفي الليلة بين 4 و5 مايو 1988 اختفى رون اراد من بيت عائلة شكر ومنذئذ لم تعرف آثاره. إسرائيل قدرت بأن اراد يوجد في أياد إيرانية أو في أيدي «حزب الله» وحاولت استخدام روافع ضغط مختلفة، مثل تبادل جواسيس بواسطة الاستخبارات الألمانية الشرقية، وبتدخل من الأمين العام للامم المتحدة ولكن عبثاً... لم يكن هناك من يمكن الحديث معه.
في 1992، بعد وقت قصير من تسلمه منصب رئيس الوزراء، توجه رابين سرا إلى المستشار الألماني هلموت كول وطلب منه تدخل استخباراته وعلى رأسها الـ «بي. ان. دي» الموازية لـ «الموساد» في ألمانيا. واستجاب كول وكلف بالمهمة برند شميتباور، منسق شؤون الاستخبارات في مكتب المستشار، وهذا كان يعرف أن العنوان حتى لو كان اراد بيد «حزب الله» هو طهران. وتوجه إلى الاستخبارات الإيرانية التي لم تنف علاقتها باراد، بل عينوا حسين موسويان، السفير الإيراني في ألمانيا لتنسيق الاتصال مع الاستخبارات الألمانية.
فريق من رجال الاستخبارات الإيرانيين انضم إلى موسويان حين سافر إلى ألمانيا. ولم يكن هناك شك لمن حضر الاتصالات في أن إيران تدير مفاوضات على اراد وكان بوسعها أن تأخذ قراراً بشأنه. وأراد شميتباور عقد صفقة ودعا إليه وزير الاستخبارات الإيرانية علي فلحيان للبحث في ذلك، وهذا وصل إلى ألمانيا ولكنه لم يكن مستعدا لابرام صفقة.
وكان الألمان يعرفون بأن فلحيان كان ضالعاً في قتل أربعة من رجال المعارضة الإيرانيين في مطعم ميكونوس في برلين قبل عام من ذلك ومع ذلك فقد دعي لزيارة برلين الأمر الذي أثار غضب الاستخبارات الإسرائيلية ومكالمة هاتفية غاضبة بين رابين وكول، في ختامها طرق رابين سماعة الهاتف، بعد ذلك ندم، استدعى إليه رئيس الموساد في حينه شبتاي شفيت وأمره بالسفر فوراً إلى برلين لمصالحة الألمان والتأكد من أن يواصلوا معالجة قضية الأسرى والمفقودين.
المستوى التالي في ملف «حرارة الجسد»، وهو الاسم السري لرون اراد، كان حملة لتجنيد شخص توفرت حوله معلومات بأنه كان على اتصال مع الطيار الإسرائيلي الأسير. إسرائيل برلوف، الذي كان في حينه رئيس دائرة الأسرى والمفقودين في الموساد، نجح في تجنيد الرجل وأخذ منه افادة، وأكد الرجل أنه التقى رون اراد حياً مرتين، مرة في لبنان ومرة أخرى في إيران، وبينت آلة فحص الكذب بأنه يقول الحقيقة، ومنح رابين وساماً خاصاً لبرلوف استثنائيا لقاء ذلك.
وتقاطعت معلومة برلوف مع معلومات أخرى وصلت إلى إسرائيل في نهاية الثمانينات واعزيت لها مصداقية عالية. حسب إحدى المعلومات فإن قادة الاستخبارات الإيرانيين قرروا بأن تبقى المداولات بمسؤولية الحرس الثوري في لبنان مما جعل التركيز للاستخبارات الإسرائيلية في الاتجاه الإيراني. رئيس الوزراء رابين عقد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه أن مساعد الطيار المفقود محتجز في إيران وأن إسرائيل ترى أن طهران مسؤولة عن سلامته.
مع انتهاء مهام برلوف حل محله خصمه رامي ايغرا الذي ادعى بأن فحص آلة الكذب للمصدر لم يكن صادقاً مما شكك في النظرية التي تقول ان اراد يوجد في أيدي الإيرانيين. في 1994 قضى ايغرا وقتاً طويلاً في فرنسا وألمانيا ونجح في اقناع السلطات هناك بتحرير رجال المخابرات الإيرانيين المحتجزين بتهمة تصفية رجال المعارضة إذا ما اغلق الإيرانيون ملف اراد نهائياً. واشترط الألمان ذلك بكتاب رسمي من حكومة إسرائيل ووقع رابين الكتاب المطلوب وبعث به عبر الملحقية العسكرية إلى برلين.
وهنا وقع خلل، حسب الرواية الألمانية، فإن السفير الإيراني في بون كان مقتنعاً بأنه سينجح في حل قضية ميكونوس من دون رون اراد، وهكذا بلغ مسؤوليه في طهران. وبزعم الألمان هذا هو سبب الرفض الإيراني ابرام صفقة تتضمن الطيار الإسرائيلي، وليس حقيقة أن اراد لم يكن في أيديهم، غير أنه بعد حسم المحكمة الألمانية في قضية ميكونوس تبين للإيرانيين أنه سيكون صعبا جداً عليهم تحرير رجالهم، وبالتالي فببساطة تركوا كل الأمر.
الانعطافة
في بداية 1995 وقعت في ألمانيا انعطافة أخرى، معناها لم يفهم في وقتها. فقد وصل السفير موسويان إلى مكتب منسق الاستخبارات الألمانية اوغوست هننيغ وأعلن بأن كل شيء انتهى. وقال السفير: «نحن لا دور لنا، ليس لدينا أي فكرة من هو رون اراد أو أين هو، إذا كنتم تعتقدون أنه في لبنان أو في يد «حزب الله» فتفضلوا بالتوجه إلى حسن نصرالله، فلعله بوسعه أن يساعدكم». الألمان فوجئوا جداً وفهموا أنه طرأت انعطافة دراماتيكية في القضية ولكن دون أن يفهموا لماذا. معنى هذا الإعلان لم يتبين إلا بعد عشرة أعوام بعد أن حلت أسرة الاستخبارات الإسرائيلية لغز اختفاء رون اراد.
في اكتوبر 2000 قتل واختطف ثلاثة جنود من الجيش الإسرائيلي عادي افيتان، بيني ابراهام وعمر سواعد في هاردوف واختطف تاجر المخدرات الحنان تننباوم. مقابل الجثث الثلاث وتننباوم الحي حررت إسرائيل في يناير 2004 مصطفى ديراني والشيخ عبدالكريم عبيد اللذين اختطفا ليكونا ورقة مساومة في قضية رون اراد. العقيد ليئور لوتان، الذي كان في حينه رئيس دائرة الأسرى والمفقودين في شعبة الاستخبارات والذي اختطف في حينه، ديراني قال لاحقاً في محفل مغلق بأن وزن ديراني وعبيد كورقتي مساومة كان صفراً. وتنبأ لوتان قائلا: «ان الصفقة خلقت برأيي آلية حقيقية لمرحلة ثانية يكون فيها لـ «حزب الله» مصلحة في محاولة استيضاح ما حصل لرون اراد كي تحرر من أصبح رمزاً وارتفع إلى درجة القديس: سمير القنطار».
بعد استكمال الصفقة التي ترافقت واحتجاج من عائلة اراد وصل ليئور لوتان إلى منزل تامي اراد حاملاً معه كتاب «المخضرم» بقلم فردريك بورسايت مع اهداء شخصي لها. وتحدث الكتاب عن عملية ثأر لـ «اس. ايه. اس» ضد سالبين قتلا أحد رفاقهما. وكتب يقول: «سيأتي يوم الثأر لنصفي الحساب مع المسؤول عن حملة العذابات لعائلة اراد... عماد مغنية.
وفي تلك الفترة تشكلت لجنة برئاسة القاضي فينوغراد قررت حسب المعلومات التي أمامها في ذاك الوقت بأنه «لا يمكن القول ان رون اراد ليس على قيد الحياة». ومنذ إعادة الجثث الثلاث تواصل الحوار بين إسرائيل و«حزب الله» عبر الوسطاء الألمان حول المرحلة الثانية من الصفقة: تحرير قاتل عائلة هيرن سمير قنطار مقابل معلومات عن رون اراد. وسمح رجال «حزب الله» للألمان بأن يفهموا بأنهم إذا ما تلقوا مقابلاً مناسباً، وليس فقط قنطار فسيبذلون جهداً كبيراً لحل مسألة رون اراد. جرى الحديث ضمن أمور أخرى عن تسديد ديون إسرائيلية بنحو 5 ملايين دولار لإيران منذ عهد الشاه، وحل شامل لمسألة رجال المخابرات الإيرانيين المحبوسين في أوروبا وعلى رأسهم سجناء قضية ميكونوس. ويقول رجل استخبارات ألماني انه: «مثلما كان مهماً لـ «حزب الله» أن يثبت للعالم العربي بأنه الوحيد الذي ينجح حقاً في تحرير سجناء فلسطينيين، كان يريد أن يثبت للإيرانيين بأنه نجح حيثما فشلوا: تحرير مقاتليهم من السجن في برلين».
حتى منتصف 2005 بالفعل بذل «حزب الله» بضع محاولات بدت للألمان صادقة لحل لغز اراد. وعبر الألمان نقل «حزب الله» لإسرائيل عظام زعم أنه عثر عليها في الحفريات التي اجريت في لبنان بمعدات خاصة. في «حزب الله» اعتقدوا أنه يوجد احتمال عال بأن تكون العظام لرون اراد وذلك بعد أن أشار لهم رجل من الحرس الثوري خدم في الماضي في لبنان إلى المكان الذي يعتقد بأن مساعد الطيار الأسير دفن فيه. فحص الـ «دي. ان. ايه» للعظام كان قاطعاً: هذه لا تعود إلى رون اراد. وبالتوازي عمل «حزب الله» مع ممثلي الحرس الثوري وممثلية الاستخبارات الإيرانية في لبنان من أجل تقديم تقرير عن تسلسل الأحداث في القضية إلى إسرائيل.
ودون صلة بمتابعة المعلومات عن اراد وقعت في تلك الفترة تطورات مهمة في فهم إسرائيل لما يجري في الدول المحيطة بها، ولا يمكن هنا كشف تفاصيلها، لا سيما إيران، وسورية ولبنان ودورها في النشاط الإرهابي ضد إسرائيل ما أدى في العام 2005 برؤساء أسرة الاستخبارات إلى التوصل إلى استنتاج بأنه يمكن حل لغز اراد أخيراً.
وتشكلت في شعبة الاستخبارات لجنة خبراء فحصت كل المواد المتجمعة في اطار التطورات برئاسة العقيد ارئيل كارو، وعملت تحت الاشراف المباشر لرئيس الاستخبارات اهرون زئيفي فركش. والمواد التي عرضت على اللجنة لم تدع مجالاً للشك فتوصلت إلى الرواية التالية: رون اراد اختطف على يد قوة القدس من حرس الثورة من منزل عائلة شكر في قرية نبشيت حيث كان يحتجزه مصطفى ديراني. ديراني لم يكن يرغب في أن يحتفظ بهذه الغنيمة الباهظة التي سرقها من منظمة «أمل» خوفاً من هجوم للكوماندو الإسرائيلي، وطلب من الإيرانيين حراسته في هذه الأثناء مقابل المال والرعاية من الحرس الثوري عليه وعلى منظمته الصغيرة. قائد الحرس الثوري في لبنان، مصطفى حكسر، وافق على عرض ديراني مع تغيير صغير: لم يرغب في أن يدفع ولم يرغب في أن يقول لديراني ماذا ينوي عمله بمساعد الطيار الإسرائيلي. وعليه فقد استغل عملية الجيش الإسرائيلي في ميدون (مايو 1988) واختطفه من بيت عائلة شكر دون أن يبلغ ديراني. وحسب فتوى اللواء فركش احتجز رون اراد في لبنان لفترة طويلة، وفي بداية 1990 نقل إلى إيران حيث احتجز في ظل شروط عزل سرية متطرفة على مدى زمن ما. والسبب لنقله: أراد الحرس الثوري الاستفادة منه لأنفسهم، كجزء من صراعات المكانة والصراعات الداخلية الإيرانية، وابقوه بالسر فيما نفى الإيرانيون المرة تلو الأخرى وجوده في أيديهم.
في 1994 اختطفت إسرائيل ديراني، وخشي الإيرانيون من أن يدينهم بالتدخل في القضية فقرروا إعادة اراد إلى لبنان. بين رجال الطاقم هناك من يعتقد أن اراد لم ينقل إلى إيران أبداً بل احتجز كل الوقت على أيدي رجال الحرس الثوري في لبنان. ولكن حسب الروايتين، فإن فترة أسر اراد الأخيرة اجتازها في منشأة سرية للإيرانيين في البقاع اللبناني.
هنا تنتهي الاختلافات في الرأي: حسب استنتاجات اللجنة فقد توفي اراد في بداية 1995 في الغالب. بالضبط في الوقت نفسه الذي ظهر فيه السفير الإيراني موسويان لدى قادة الاستخبارات الالمان وأبلغهم بأن الإيرانيين من الآن فصاعداً لا دور لهم في هذه المسألة ويجب إدارة المفاوضات مع «حزب الله» فقط. وبالتوازي، أصدر الزعيم الروحي خامينئي فتوى بموجبها أنه لن تعنى إيران بعد اليوم بقضية رون اراد. في إسرائيل وفي ألمانيا لم يفهموا في حينه معنى هاتين الخطوتين. لكن نظرة إلى الوراء فإنهما يرسلان معنى مثيراً للقشعريرة.
كيف مات رون اراد؟
المعلومات لا تتضمن جواباً قاطعاً. وإن كان في خلاصة رئيس شعبة الاستخبارات زئيفي فركش لملف المعلومات ورد أنه مرض أغلب الظن بمرض خطير ولم يعالج كما ينبغي، ولا تتضمن المعلومات على الإطلاق المكان الدقيق الذي دفن فيه اراد. ورغم ذلك، فإن كل الخبراء في شعبة الاستخبارات ممن فحصوا المادة يعزون لها مصداقية عالية جداً، والجميع واثقون من التقدير بأن اراد ليس على قيد الحياة.
خلاف آخر نشب بين أعضاء اللجنة يتعلق بموعد موت اراد في الأسر. معظم الأعضاء مقتنعون بأنه لم يجتز العام 1995 حياً. آخرون يتمسكون باستنتاج العقيد كاشي بأن اراد مات في نهاية 1996 أو بداية 1997. مهما يكن من أمر فإن كل أعضاء اللجنة مقتنعون بأن اراد عاش على الأقل سبعة أعوام بعد أن تم تلقي إشارة حياة أخيرة منه في 5 مايو 1988. كل تلك الأعوام، وبعدها بكثير، كانت إسرائيل تسير في ظلام تام. لا يمكن لنا أن نصف ما مر على العائلة في هذا الزمن.
رون بيرغمان
«يديعوت أحرونوت»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي